الرأي

حرباء

تداعيات

يحيى فضل الله

كان (سليمان) قد هيأ نفسه للعودة مبكراً هذا المساء بالرغم من أن دخله من مشاوير هذا اليوم كان قليلاً، (سليمان) كان يشتغل كسائق للعربة (أمجاد) التي اشتراها للأسرة أخوه (عبد الصمد) المهاجر منذ عدة سنوات في (أستراليا) بفكرة أن يوفر دخلاً مضموناً للأسرة متفادياً إرساله للدولارات من هناك. نسبة لقلة الدخل في هذا اليوم قرر (سليمان) أن يقوم بجولة حرة في شوارع الخرطوم عله يلتقط بعض الركاب وبعدها سيعود إلى البيت قبل مباراة اليوم بين الهلال والمريخ، ليلحق بشلة الأصدقاء الذين تعودوا أن يشاهدوا مباراة القمة في ديوان بيتهم، كان ذلك قبيل المغرب بقليل. تحرك سليمان بعربته (أمجاد) ليصل حتى شارع (أرباب العقائد)، تسكع أمام جامعة النيلين، وصل شارع (المك نمر) وحين كان قد عبر إلى شارع (الإمام المهدي) من جهة مستشفى الخرطوم أوقفه شاب أنيق كان يتحدث في التلفون، أوقف سليمان العربة أمام الشاب المتهافت..

(دقيقة بس يا منى– خليك معاي.. لو سمحت عايز أمشي الدروشاب)..

برقت عيون سليمان لأنه كان من سكان بحري وهذا يعني إن هذا المشوار سيكون مريحاً جداً .

– (جداً، اتفضل).

– (تاخد كم)؟

– (المناسب)..

– (أحسن نتفق، خليك معاي يا منى، عايز كم بالضبط؟، منى بس خليني اتفق مع بتاع الأمجاد ده).

-(خمسة وعشرين ألف)..

-(ألو..  ألو  يا منى معاك).

فتح الشاب الباب الأمامي مما يعني أنه قد وافق على السعر الذي حدده (سليمان)، والذي ابتسمت دواخله لهذا المشوار، صعد الشاب وجلس في المقعد الأمامي وتحرك (سليمان) بالعربة بينما الشاب يتحدث في التلفون..

(يا منى في الأساس انتي ما كان تقولي ليهو الكلام ده، لا، ما أنا عارف انو….، لا، ما كده ما ممكن، لأنو أنا ما مستعد، أيوه، ما مستعد، انتي ليه قلتي ليهو الكلام؟، شوفي يا منى ده ما اتفاقنا، كيف يعني ما اتفقنا على كده؟، الله الله يا منى، أنا قلت ليك الكلام ده من زمان، المهم يا زولة……).

ظل (سليمان) يرمق هذا الشاب المتهاتف بطرف عينيه، وهو يقود السيارة وحين عبرت السيارة كوبري (المك نمر) متجهة إلى بحري كان (سليمان) ينظر إلى ساعته مركزاً على ما تبقى من زمن لبداية المباراة التي من المفترض أن تبدأ فيما أقل من نصف الساعة، الأمر الذي أقلق راحة (سليمان).

(بقول ليك يا منى ده ما اتفاقنا، طيب يعني أنا هسه أعمل شنو؟، أيوه أعمل شنو؟، انتي مستغربة من كلامي ده؟ يا زولة هوي (ناهد) دي أنا ما عندي بيها شغله، منى أرجوك شيلي (ناهد) دي من دماغك، يازولة خلاص بس، هسه أنا مورط مورط، لا، أنا ما بقصد كده، نعم؟ كيف يعني ما ورطة؟ انتي استعجلتي يا منى)..

تبقى لبداية المباراة أقل من ربع ساعة و(سليمان) وعربته الأمجاد تحت رحمة هذا الشاب المتهاتف، لكن الشوارع الشبه خالية من العربات جعلت (سليمان) مطمئناً لعودته إلى البيت مع بداية المباراة .

(شوفي يا منى أنا ما عندي حل للورطة دي، هي لكين أنا أسوي شنو؟ ما عارف، والله بالجد أنا ما عارف أعمل شنو، عليك الله يا ابن العم أقيف لي جنب السوبر ماركت ده)..

وزفر (سليمان) زفرة متضايقة، وهو يوقف العربة أمام السوبر ماركت وينزل الشاب مواصلاً تهاتفه (منى أنا ما بقدر ألاقيك بكرة ؟ وأنت عارفة ليه)..

اتجه الشاب المتهاتف بصوته المزعج نحو السوبر ماركت وأدار (سليمان) الراديو نحو المحطة التي ستذيع مباراة القمة، كانت المحطة تبث إعلانات مكثفة معظمها إعلانات عن شركات الاتصال المتعددة وظل (سليمان) منتظراً عودة الشاب المتهاتف الذي خرج من السوبر ماركت يحمل في يده اليمنى أكياساً ويده اليسرى تتحكم في هاتفه، واقترب الشاب من موقع (سليمان) واقترب صوته المزعج .

(ما تقولي لي أنا بتهرب يا منى، أنا ما متهرب، لكن انتي في الأول كان تشاوريني، أيوه، ماهو الخطوة العملتيها دي أنا ما) ..

صعد الشاب المتهاتف في السيارة وأغلق الباب بعنف يتناسب مع حدته التلفونية .

(ده كلام فارغ، أيوه، فارغ جداً، نعم؟، لا ما صاح، بقول ليك يا منى كده ما صاح، عليك الله وطئ الرادي ده شوية) .

لاحظ (سليمان) أن الشاب المتهاتف طلب منه خفض صوت الراديو الذي لازال يبث إعلانات ما قبل المباراة بنفس الحدة التي كان يتهاتف بها، خفض (سليمان) صوت الراديو، بينما كان يرمق الشاب المتهاتف بنظرة فيها عدم ارتياح واضح.

(ياخي أقول ليك حاجة أعملي انتي العايزة تعمليهو، أيوه، ده آخر كلامي، بس خلاص، خلاص لحدي هنا)..

وأغلق الشاب المتهاتف تلفونه بغضب واضح، رفع (سليمان) صوت الراديو وكان المذيع قد بدأ في إذاعة تشكيلة الفريقين وزاد (سليمان) من سرعة العربة، رن جرس الشاب المتهاتف، رمق (سليمان) الشاب بنظرة عدم الارتياح تلك.

(وطئ صوت الراديو لو سمحت).

خفض سليمان صوت الراديو ليعلو صوت الشاب .

(الو، كيفك يا ناهد؟، تمام التمام، أيوه، أنا جاي عليك، نعم ما سامعك ياناهد، ما قلت ليك وطئ صوت الراديو ده)..

وخفض (سليمان) صوت الراديو أكثر مع زفرة عدم ارتياح معلنة مضافاً إليها خبطة على الدركسون.

(خلاص كويس عارفك ما بتقصري يا حلوة، إنتي ما عارفة أنا ما بقدر ما أشوفك، نعم؟ والله يا ناهد ما سامعك، لو سمحت اقفل الراديو ده)…

وقتها كان (سليمان) يتوافق مع الراديو الهامس ببداية المباراة، اغلق (سليمان) الراديو بعنف ملاحظ وزاد من سرعة العربة.

(خلاص، أنا جاي عليك، أيوه، جبت معاي العشاء، خلاص يلا الله)..

رفع (سليمان) صوت الراديو، وكان قد مضى على بداية المباراة أكثر من خمس دقائق، وقبل أن يستغرق (سليمان) في متابعة إذاعة المباراة، رن جرس الشاب المتهافت.

(اقفل الراديو لو سمحت).

نظر (سليمان) إلى الشاب المتهاتف بغضب واضح وأغلق الراديو.

(أهلاً يا سلوى، أنا وين؟، أنا ماشي على اجتماع الحزب، (وائل) مالو؟، عندو حمى من الصباح؟، ما ممكن تعملي الحاجة دي انتي؟، سلوى انتي عارفاني مشغول، وبعدين المركز الصحي قريب، لا، ما بقدر، بقول ليك أنا ماشي اجتماع الحزب، نعم)…

انتهى رصيد الشاب المتهاتف وسرعان ما رفع (سليمان) صوت الراديو ليجد أن الهلال قد أحرز الهدف الأول.

(لو سمحت أقيف لي هنا أشتري كرت اتصال)..

أوقف (سليمان) العربة أمجاد بغضب ملاحظ وواضح، ونزل الشاب المتهاتف متجهاً نحو كشك في الجانب الآخر من الشارع، فما كان من (سليمان) إلا أن يقود عربته الأمجاد في الاتجاه المعاكس، وبسرعة ملاحظة متجهاً في اتجاه بيته تاركاً الشاب المتهافت الذي كان قد عاد إلى مكان العربة وكان منهمكاً في إدخال كرت الشحن، ولكنه لم يجد العربة أمجاد في مكانها على جانب الشارع وقبل أن يستوعب الشاب المتهاتف هروب سليمان بعربته الأمجاد من المشهد رن جرس تلفونه، ودون أن ينظر إلى صاحب الرقم استجاب للمكالمة..

(ألو، آي يا منى، اسمعيني أنا أحسن أجيك من الآخر، أنا ما بقدر أقابل أبوك، أيوه.. أفهميها كده).

أغلق الشاب الخط، وأشار إلى عربة أمجاد أخرى، وصعد إليها وهو يقول لزوجته سلوى: (يا سلوى خليك عملية، ما تنتظريني، ودي (وائل) هسه للمركز الصحي القريب، يا سلام يا سلوى، ما قلت ليك عندي اجتماع في دار الحزب)..

بعدها كان (سليمان) قد انضم إلى شلة الأصدقاء وهم يشاهدون المباراة المنقولة عبر التلفزيون، وكان قد وصلهم وفي يده أكياس عشاء ذلك الشاب المتهاتف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى