الرأي

حتى لا تضيع مكاسب الثورة

حسن أحمد الحسن

حقق الشعب السوداني في ديسمبر العظيم الذي نسبت إليه الثورة الظافرة إعجازا ثوريا شهد له العالم باقتلاع أعتى نظام ديكتاتوري عقائدي فاسد أرهق السودان لثلاث عقود من السلب والنهب والقتل والقمع وسفك الدماء تحت كل الشعارات ومختلف المسميات.

وبذات الزخم أيقن أهل السودان أن مخرجهم الوحيد رغم الصعوبات الاقتصادية التي خلقها النظام المباد، أن الحرية والديمقراطية هي السبيل الوحيد لتحقيق العيش الكريم وإقامة دولة المؤسسات المدنية وأن الممارسة المدنية السلمية هي الأسلوب الحضاري والناجع الذي يبطل أي مفعول لآلة القمع في مواجهة السلطة الغاشمة وهو الذي يحقق ماعجزت عن تحقيقه المليشيات المسلحة .

لا جدال أن مقاومة نظام الإنقاذ بغير أسلوب العمل السياسي المدني انطلقت بدرجات متفاوتة بين معظم القوى والأحزاب إلا أن تلك الأشكال الأكثر وضوحا كانت متمثلة في الحركات المسلحة التي نشأت حول مناطق النزاع التي كانت مسرحا لقمع النظام المنظم من خلال سجالات ومعارك وهي أيضا نفس الحركات التي جلست مع النظام المباد في دورات مختلفة حول طاولات مفاوضات السلام وشاركته أيضا بدرجات متفاوتة حكما وسجالا حتى سقوطه.

نجح الشارع السوداني عبر كافة مدن السودان بوسائله السلمية ودماء شبابه في الإطاحة بالنظام المباد بعد انحياز مكونات اللجنة الأمنية للنظام السابق إلى جانب الشعب السوداني وخياراته لتنتج حكما انتقاليا عبر شعار حرية سلام وعدالة وبالطبع لم يكن للحركات المسلحة دور مباشر في إسقاط النظام بعد أن أرهقها النظام وأثرت عليها التحولات الإقليمية والدولية ولم تسجل السنوات الأخيرة من عمر النظام أي صدامات مسلحة في مناطق النزاع في ظل حالة وقف إطلاق نار متبادل معلن وغير معلن بين الطرفين.

مهرت قوى الثورة التي ضمها تحالف قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري وثيقة الشراكة الدستورية التي شهدت ميلادا عسيرا وتوجت بفرحة شعبية وشهود دوليين وكانت أولى مطالبها تحقيق السلام ودعوة الحركات المسلحة للجلوس والمشاركة في حوار سياسي شامل لإعادة السودان إلى منصة البناء والتنمية .

ومع تباين الأجندات والمصالح تحولت جوبا إلى حاضنة للتفاوض ونجحت في اقناع بعض الحركات للجلوس والحوار الذي أفضى إلى اتفاق جوبا المعلن والذي أثير حوله بعض الجدل والمآخذ حتى أن البعض يرى أن الاتفاق همش القوى الثورية والسياسية التي قادت إلى إنجاح الثورة من قوى مقاومة وقوى حرية وتغيير وحولت الاتفاق إلى محاصصة بين مفاوضي المجلس السياسي والجبهة الثورية تعمل تلقائيا على تهميش دور قوى الثورة وميلاد قوى جديدة تحت شعار السلام تتمثل أهم اهدافها في السيطرة على السلطة والثروة وتعطيل التطور الديمقراطي لأطول فترة ممكنة .

منطق المساومات والمحاصصات بين الحركات المسلحة والمفاوض السيادي والقبول بوجود حكم ذاتي بلا ضوابط مركزية وقوى سياسية تمارس العمل السياسي تحتفظ بأذرع مسلحة في وطن هش أمنيا يشكل خطورة حقيقية على وحدة البلاد رغم الشعارات والتصريحات المطمنة.

وبما أن السودان يشهد حالة من الغليان في معظم أجزائه شرقا وغربا ووسطا ويشهد أوضاعا اقتصادية صعبة متزامنة مع ضغوط لجهات إقليمية ودولية لتحديد توجهات ومواقف السودان بما يتوافق مع مصالح تلك الجهات فإن حسم قضية الاستقرار الداخلي سياسيا واقتصاديا لن يتأتى إلا بالتعجيل بعقد المؤتمر القومي الدستوري الذي يجب كل هذه الاتفاقات التي لا تراعي مصالح الوطن في بعض جوانبها وتأسيس اتفاق شامل يشارك فيه كل أبناء السودان يكون الأساس للدولة السودانية الجديدة ينتج دستورا دائما عادلا بين جميع أجزاء السودان ينهي حالة الاستقطاب ويحقق العدالة والتوازن على أساس الحقوق المتساوية بين المواطنين .

اتفاق يحدد العلاقة بين مهام القوات النظامية المسلحة في حماية البلاد ودعم التنمية وبين القوى المدنية التي تنتجها الخيارات الديمقراطية والإرادة الشعبية لبناء نظام ديمقراطي يحقق العدالة والتنمية .

اتفاق يحرم أي حمل للسلاح لغير القوات المسلحة والنظامية وفق الدستور وينهي حالة العسكرة والانتهازية التي تؤسس على فوضى البندقية يكون فيه حمل السلاح في دولة الحريات المدنية الديمقراطية عملا إرهابيا غير مبرر .

اتفاق يؤسس لحكم فيدرالي متوازن بصلاحيات مقدرة للأقاليم ضمن الدولة الموحدة وفق القوانين الدستورية المتعارف عليها واعتبار رفع شعار تقرير المصير في الدولة الديمقراطية التي تقوم فيها الحقوق بين المواطنين على المساواة جريمة قانونا ودعوات لتمزيق الوطن .

وأخيرا ليس من خيار غير التعجيل بعقد المؤتمر القومي الدستوري وجلوس جميع أبناء السودان دون استثناءات لحل الأزمة السودانية نهائيا وبناء الدولة السودانية الجديدة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى