الرأي

حبائل محبة المال

مصادر كتابية: مت 6: 24؛1 تيم 6: 9-10

القس- موسى كودي كالو

مقدمة:

لست أول من كتب في هذا الموضوع، ولا أدعي أنني أقدم تجربة جديدة وفريدة، ولكنني وجدتُ نفسي مدفوعاً بما اختبرته في أمر قوة وسيادة المال على الناس. لقد ذكرني الروح القدس بهذا الأمر في صباح 5 ديسمبر 2018م، ووجدت نفسي ألهجُ بشدةٍ في كلام الله، الذي يتكلم عن محبة المال وسيادته على الكثيرين، ولا سيما من خلال المصادر الكتابية سالفة الذكر. وفي سبيل الجري وراء المال، رأيتُ رجالاً ونساءً يتجردون من قيمهم ومثلهم الأخلاقية والروحية، راكضين ركضاً جنونياً وراء المال في سبيل تحسين أوضاعهم المعيشية بأرخص السبل، حتى إذا أدى الأمر إلى الاستعباد للمال واحتقار الله وبغضه عمليا!.

ما أصدق كلمات السيد المسيح عن محبة المال، وخاصةً، عندما يصل محب المال إلى مفترق الطرق، ولا يجد لنفسه مجالاً آخر، إلا أن يرجح أحد الكفتين أي كفة محبة المال أو كفة محبة الله. فقد قال له كل المجد: “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ” (مت 6: 24). ما أبلغها من كلمات وحقائق روحية عملية لا يدركها جيداً إلا محبو الله ومبغضو المال!

استحالة التوفيق بين محبة الله ومحبة المال:

عندما يقول القادر على كل شيءٍ ” لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ”، فإن السيد المسيح يتكلم عن أحد المستحيلات الروحية، التي تمثل النور والظلمة، الحق والضلال، الله والشيطان، هذه الأمور التي لا يمكن أبداً أن تجتمع معاً! إن أمر محبة المال يمس سيادة الله ومجده الذي لا يمكن أن يعطيه لآخر (أش42: 8)، وبالتالي لا مكان للإجتهاد أو توفيق أوضاع الأمرين (محبة الله ومحبة المال)، وجمعهما في بوتقة سيادية واحدة.

مُحب المال مُبغضٌ للهِ:

بالرغم من استحالة الجمع بين محبة الله ومحبة المال، نجد البعض منا يفتقدون للإيمان بتصريح السيد المسيح في هذا الأمر المصيري، فيظنون أنهم يحبون الله وفي نفس الوقت يركعون للناس من أجل الحصول على المال بطرق رخيصة. إن التنازل عن المبادئ الروحية والأخلاقية والتمثل بمحبي المال من أجل الحصول عليها بشتى الطرق دون التفكير في رأي الله، فإن هذه الصورة والوضع المزري يعلنان صراحةً أن بطلها يبغض الله ويحب المال، أي يعبد المال ويؤلهه، بل يعلنه سيداً واجب المحبة والطاعة أكثر من الله!

مُلازِم المال مُحتقرٌ للهِ:

إن ملازمة شخص لشخص ما، يسير جنباً على جنب مع الارتباط والمحبة بين الاثنين. إن هذه النقطة هي جوهرية وواقعية جداً، إذ لا يمكننا أن نجد إثنين يسيران سوياً (الملازمة) دون محبة وإتفاق “هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعاً إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ Do two walk together unless they have agreed to do so” (عاموس 3:3). فإبليس المال، يغوي الإنسان ويقنعه بفوائد محبة وطاعة المال أكثر من الله، مما يجعل الشيطان صيده (ضحيته)، يوافق على هذه السياسة، ويتبعها طوعاً واختياراً، رغم إنذارات الله التي يراها ويفسرها المستعبد للمال، محبةً له من الشيطان، وبغضاً له من الله، الذي لا يريد له مصلحة على حد ظنه، واعتقاده!

من هذا الظن الخاطئ بالله، يقلل بل قد يترك مثل هذا الإنسان السير مع الله وفي فضائله، وينغمس تماماً في ملازمة ملذات محبة العالم، من شهوة العيون، وتعظم المعيشة (1يوحنا 2: 16)، محتقراً بذلك الله. إن احتقار الله بحسب كلام السيد المسيح يعني التقليل من شأن الله والازدراء به، وإعلاء قيمة المال عليه تعالى!!! إن هذه الصورة يبدو عليها المبالغة في الوصف، ولكن هذا هو معنى الكلمة، وهذا هو ملخص ما جاء في (1تيم 6: 9-10). تقول الكلمة المقدسة: ” وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ، لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ”. ومن خلال كلام السيد المسيح، وكلام الرسول بولس، يستطيع كل واحدٍ منا أن يدرك حقيقته إذا كان عبداً للمال أم أن الله هو سيده الذي يلازمه في سلوكه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى