تقارير

توصيات مؤتمر اتفاق جوبا لسلام السودان واستكمال السلام

رصد- القسم السياسي
انتهى مؤتمر (اتفاق جوبا لسلام السودان واستكمال السلام)، برسم خارطة طريق لتنفيذ الاتفاق، وإلحاق الحركات غير الموقعة، وتضمينه في وثائق الاتفاق السياسي النهائي والترتيبات الدستورية الانتقالية.
هدف المؤتمر الذي يسرته الآلية الثلاثية: هيئة الإيقاد، الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، للتعرف على موقف التنفيذ في اتفاق جوبا لسلام السودان، والتحديات التي واجهته، وتقديم توصيات لمعالجة أي قصور يعيق تنفيذه على الوجه الأمثل. عطفاً على تعبئة الدعم السياسي والشعبي، على المستوى المحلي والولائي والقومي، تمهيداً لاستكمال وتحقيق السلام الشامل العادل والمستدام.
وشدد البيان الختامي للمؤتمر الذي اطلعت عليه (الديمقراطي)، على ضرورة التحول من سلام المحاصصات إلى سلام حقيقي شامل، يراعي حقوق الضحايا، يخاطب جذور الحرب، ويدير قضايا التنوع وبناء عقد اجتماعي جديد وفق رؤية قومية وشاملة.
أولويات السلام
انتظم نحو (700) من المشاركين والمشاركات في المؤتمر على مدى (4) أيام في (9) جلسات مفتوحة، إضافة إلى (8) مجموعات عمل. حيث ناقشت جلسات المؤتمر العامة، مضامين وملامح وتحديات اتفاق جوبا لسلام السودان، اتفاقيات السلام السابقة، أسباب النزاعات والحروب، مكاسب وتحديات النوع الاجتماعي في الاتفاق، قضايا النازحين واللاجئين، دور الإدارة الأهلية في تعزيز السلم المجتمعي ومحاربة خطاب الكراهية، نظام الحكم ومستوياته، قضايا الرحل والرعاة في الاتفاق، ودور المجتمع الإقليمي والدولي في دعم وتنفيذ الاتفاق.
وتم وضع إنهاء الانقلاب وتشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية كخطوة أولى على طريق استكمال السلام، بجانب ضرورة توفر الإرادة السياسية المخلصة، وتولي السلطة المدنية لقيادة أي مفاوضات سلام قادمة، وإشراك أصحاب المصلحة في كل مراحل العملية السلمية وفق تحديد دقيق لأدوارهم ومكوناتهم، وتعزيز إجراءات بناء الثقة بين الأطراف عبر فتح مسارات العون الإنساني وتشكيل لجان دائمة لمراقبة وقف العدائيات.
العقبات والتحديات
وقف المؤتمر على العقبات والتحديات الرئيسية التي واجهت تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، والتي رأى المؤتمر أنها تتمثل في ضعف الإرادة السياسية خلال الفترة الانتقالية المنقلب عليها، بما فيها التراخي في إجازة التشريعات المرتبطة بتنفيذ الاتفاق، عدم الالتزام بالجداول الزمنية ومصفوفة التنفيذ، تجديد أولويات التنفيذ، غياب المجلس التشريعي القومي والمجالس الإقليمية والولائية، عدم توفير التمويل الدولي والمحلي اللازم لعمليات التنفيذ، وعدم تشكيل آلية المراقبة والتقييم المعنية بمتابعة التنفيذ. هذا إضافة إلى انقلاب 25 أكتوبر 2021، والأزمة الدستورية والسياسية التي ترتبت عليه.
أكد المؤتمر على أن اتفاق جوبا لسلام السودان يحتاج إلى روح وإرادة سياسية جديدة، تحشد الدعم السياسي والشعبي والموارد اللازمة، وأن تلك الإرادة لا يمكن توفرها سوى بالوصول إلى حل سياسي نهائي وعادل يخرج البلاد من الأزمة الحالية، ويستعيد الحكم المدني الديمقراطي الكامل ليعمل على التنفيذ المخلص والفاعل للاتفاق.
ناقش المؤتمر الدروس المستفادة من اتفاقيات السلام السابقة ومستوى تنفيذ الاتفاق الحالي، حيث أكد على ضرورة الانتقال من سلام المحاصصات إلى السلام الحقيقي القائم على توجيه استحقاقاته إلى ضحايا الحروب مباشرة، وأن تخاطب عمليات التنفيذ جذور الحروب بإدارتها الحكيمة لقضايا التنوع، واستهداف بناء عقد اجتماعي جديد وفق رؤية قومية وشاملة تخاطب قضايا التهميش البنيوي، والوفاء بالمواثيق والعهود في كافة المراحل.

يتعرض اتفاق سلام جوبا إلى انتقادات كثيرة ومراجعات من جانب أطراف عدة في السودان

كما أمّن المؤتمر على المطالب المشروعة التي تدفع بها حركات الكفاح المسلح غير الموقعة على اتفاقيات السلام: الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد النور، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التأسيسية للدولة السودانية وعملية الحوار السوداني- السوداني، في ظل مناخ ديمقراطي وحكم مدني كامل، متفهماً لمواقفهما في عدم المشاركة في العملية السياسية الجارية، حتى يتم تشكيل سلطات مدنية كاملة ذات مصداقية لتقود عملية استكمال السلام العادل والشامل.
وأمّن المؤتمر كذلك، على كافة الاستحقاقات التي جاء بها اتفاق جوبا لسلام السودان الخاصة بمناطق الحرب في: دارفور، النيل الأزرق، جنوب كردفان، جبال النوبة، وغرب كردفان، والعمل على التنفيذ الشامل لكافة تلك المكتسبات.
أكد المؤتمر على قضايا التنمية والحقوق في أقاليم الوسط والشمال، مما ورد في اتفاق جوبا لسلام السودان، مشيراً إلى أن طبيعتها تتطلب تنفيذها ضمن برامج التنمية القومية الشاملة، على أن يُفصِّل الاتفاق السياسي النهائي في إدماج هذه القضايا ضمن الإطار القومي للحل ضمن ولايات وأقاليم السودان.
وأهاب البيان الختامي بالحركات الموقعة على السلام، لكنها تعارض الاتفاق الإطاري بين الجيش والقوى المدنية؛ بضرورة تحكيم صوت العقل، والالتحاق بالعملية السياسية الجارية، بما يضمن استئناف تنفيذ اتفاق جوبا للسلام.
وناشد المؤتمر أطراف اتفاق جوبا لسلام السودان من القوى غير الموقعة على الاتفاق الإطاري، خاصة حركة تحرير السودان بقيادة القائد مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة، إلى التعامل الإيجابي البنَّاء والمشاركة في العملية السياسية الجارية، لإخراج البلاد من وهدتها، والوصول إلى رؤية مشتركة لاستعادة النظام الدستوري والحكم المدني الديمقراطي، ومن ثَم الاستئناف الكامل لعمليات تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان.
التشريعات والسياسات
أكد المؤتمر على أن اتفاق جوبا لسلام السودان جزء لا يتجزأ من الترتيبات الدستورية الانتقالية الجديدة، على أن يتم تضمين الاتفاق كجزء مكمل للوثيقة الدستورية القادمة، وأن يسمو الإطار الدستوري الانتقالي على ما دونه من اتفاقيات وتشريعات.
وطالب المؤتمر بالإسراع في إصدار قوانين المفوضيات القومية والإقليمية، خاصة قوانين مفوضيات صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري والعدالة الانتقالية، وأن يتولى رئيس الوزراء والحكومة المدنية الجديدة، بالتشاور مع أطراف السلام، عملية اختيار وتعيين عضوية المفوضيات وفق معايير الكفاءة والمهنية، ومراعاة مشاركة المرأة بنسبة لا تقل عن (40%) ومشاركة الشباب.
طالب المؤتمر وزارة العدل، تحت الحكم المدني الانتقالي، بإصدار كافة التشريعات الخاصة بتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، بما فيها القوانين الخاصة بالمفوضيات التي نص عليها الاتفاق، على أن تتم إجازتها في أسرع وقت من قِبَل سلطات الانتقال المدنية.
وأوضح المؤتمر أهمية الإسراع في وضع قانون مفوضية النازحين واللاجئين وتشكيلها، للاضطلاع بدورها في العودة الطوعية الآمنة للنازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، ووضع معايير شفافة لاختيار رئيس وعضوية المفوضية وفقاً للكفاءة والمهنية.
وشدد المؤتمر على أهمية تكوين المجلس التشريعي الانتقالي القومي والمجالس الإقليمية والولائية، لما لها من دور محوري في التشريعات والسياسات والمراقبة لتنفيذ الاتفاق، مع ضمان المشاركة العادلة فيها من قبل أطراف السلام وأصحاب المصلحة وممثلي ضحايا الحروب، مع مراعاة التنوع في التمثيل، خاصة تمثيل النساء بما لا يقل عن (40%).
وأوصى المؤتمر بضرورة الإسراع في المصادقة على الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية (سيداو)، ومواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان، مشدداً على تجريم العنف ضد المرأة خاصة في المناطق الخارجة من الحرب، وإلغاء كافة القوانين المقيدة والمنتقصة من حقوق النساء، بوضع التدابير اللازمة لضمان مشاركتهن في العمل العام ومستويات الحكم بما لا يقل عن (40%).
اعتبر المؤتمر أن قضية التعويض الفردي والجماعي للمتضررين من الحروب ذات أهمية قصوى، ويتطلب تنفيذها وضع استراتيجية وسياسات واضحة، على المستويين القومي والإقليمي والولائي لتنفيذها.
دعا المؤتمر لأن تشرع الدولة في عملية تمليك الحواكير لأصحابها بناءً على الخرط والمستندات والمواثيق والأعراف، وسن القوانين، ووضع السياسات التي تساعد على فض النزاعات في حدود الحواكير.
الأولويات والآليات
شدد المؤتمر على الالتزام بمصفوفة وجداول تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، بعد مراجعتها وتعديلها وفق الأولويات المتفق عليها، ووضع السياسات والتدابير القانونية والقرارات الضرورية للالتزام الصارم بالمصفوفة وجداول التنفيذ.
ودعا كذلك للإسراع في تشكيل مفوضية مراقبة وتقييم تنفيذ السلام الواردة في الاتفاق، وذلك بمشاركة أطراف السلام والوساطة وضامني الاتفاق والأمم المتحدة، فضلاً عن الشركاء الدوليين المعنيين بتوفير الموارد الفنية والمالية.
وحدد المؤتمر أولويات تنفيذ الاتفاق، على رأسها مؤسسات وآليات الحكم المدني، وأن تكون تحت الإشراف ومسؤولية رئيس الوزراء والجهاز التنفيذي، بحيث تشمل إعادة هيكلة مفوضية السلام، إنشاء مفوضيات الأراضي والحواكير، مفوضية النازحين واللاجئين، مفوضية إعادة الاعمار، مفوضية الرعاة والرحل والمزارعين، المفوضية القومية للعائدات، المفوضية القومية لقسمة وتخصيص ومراقبة الموارد والإيرادات المالية، مفوضية العدالة الانتقالية، لجنة الحقيقة والمصالحة، وغيرها من آليات ذات صلة مباشرة بحقوق ضحايا الحروب.
كما شدد المؤتمر على تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية، بعد الاتفاق على خططها وعملياتها وجداولها الزمنية في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، بما فيها إنشاء الآليات المنصوص عليها في الاتفاق، وبما يضمن الانسجام بين عمليتي الترتيبات الأمنية مع الإصلاح الأمني والعسكري، وبما يفضي إلى قوات نظامية مهنية ذات عقيدة واحدة.
وأكد المؤتمر على إدراج تنفيذ اتفاقية جوبا لسلام السودان في الميزانية العامة للدولة وفق النصوص الواردة حول تمويل السلام، التأكد من الموافقة على الميزانيات المدرجة من المفوضيات ولجان السلام في الموازنة القومية، الرقابة الصارمة من قبل المراجع العام على إنفاذ الميزانية في مجالاتها الصحيحة، والمساءلة عن أي ممارسات فاسدة.
انتقد المؤتمر عملية تسييس الإدارة الأهلية التي عمل على تأجيجها نظام المؤتمر الوطني البائد، حيث أكد على دور السلطات الانتقالية القادمة في مراجعة أدوار الإدارة الأهلية، بما يؤهلها لاستعادة مكانتها في عمليات المصالحات والسلم المجتمعي والبناء الوطني. كما أدان المؤتمر خطاب الكراهية والعنصرية، مشدداً على أهمية دور الإدارة الأهلية في عمليات التوعية، نبذ خطاب الكراهية، التعصب، والإعلاء من قيم التسامح والتعاون وقبول الآخر في المجتمع.
ودعا المؤتمر لعقد مؤتمرات للسلام، المصالحة، التعايش السلمي، السلم المجتمعي، نبذ العنف، خطاب الكراهية، ونشر ثقافة السلام في المناطق المتضررة بالحروب، بمشاركة جميع أصحاب المصلحة.
وشدد على تعاون حكومة السودان مع المحكمة الجنائية الدولية، وتسليم كل المطلوبين من قبلها لمواجهة الاتهامات الموجهة ضدهم، وأن تساهم الحكومة المدنية في تسهيل كافة أعمال المحكمة الجنائية لإكمال ملفاتها في السودان.
تطرق المؤتمر لمستويات الحكم في اتفاق جوبا لسلام السودان، والتعقيدات التي أفرزتها بسبب عدم قيام مؤتمر نظام الحكم والإدارة، والذي من واجبه حسم القضايا المتعلقة بالأقاليم والحدود، وتوزيع الولايات والحكم المحلي والصلاحيات الحصرية والمشتركة بين مستويات الحكم المختلفة.
وشدد على إقامة مؤتمر نظام الحكم القومي، بعد إقامة المؤتمرات الولائية المنصوص عليها في الاتفاق.
قضايا مؤثرة
وافق المؤتمر على أن المدخل الصحيح لإيقاف الحروب وحل النزاعات وتحقيق السلام العادل الشامل، يتم عبر مخاطبة جذورها فيما يتعلق بقضايا الموارد الطبيعية والتوازن التنموي والهوية والمشاركة في السلطة والثروة، وغيرها من قضايا هيكلية. وما جاء في شعارات ثورة ديسمبر من إعلاء للسلام العادل كإحدى خطوات مسار بناء عقد اجتماعي جديد، يخاطب قضايا التهميش البنيوي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، ويلتزم بالمواثيق والعهود المبرمة في اتفاقيات السلام.
رأى المؤتمر أن عدداً من القضايا الرئيسية في اتفاق جوبا لسلام السودان، مثل الترتيبات الأمنية والتنمية وبرامج التمييز الإيجابي، يتجاوز مدى تنفيذها الفترة الانتقالية، حيث يجب الالتزام والاتفاق على تضمين تلك القضايا في برامج الحكومة المنتخبة بعد الفترة الانتقالية، وفي الدستور الدائم.
تطرق المؤتمر إلى أهمية إعادة النظر في دور واختيار الإدارات الأهلية وفق قانون جديد للإدارة الأهلية، تشرف عليه الحكومة المدنية الانتقالية، ويكون جوهره دور الإدارات الأهلية في نشر ثقافة السلام والمصالحات المجتمعية، نبذ خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة قبول الآخر، مع وضع تشريعات صارمة تجرم العنصرية، وتحد من خطاب الكراهية وعدم قبول الآخر.
دعا المؤتمر لأهمية إنشاء مراكز إعادة تأهيل الضحايا والمعاقين المتأثرين بالحروب والنزاعات، والاهتمام الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة في التشريع والممارسة وتهيئة البيئة المناسبة، بما فيها مشاركتهم/ن في الشأن العام، والتوعية بمخاطر حمل السلاح، وتجريمه للحد من انتشاره بين المواطنين.
حيا المؤتمر دور المجتمع الدولي والإقليمي في دعمه للوصول إلى اتفاق جوبا لسلام السودان، ودعمه لعملية استكمال السلام والوصول لاتفاقيات عادلة وشاملة مع القوى غير الموقعة، داعياً المجتمع الدولي والإقليمي لمضاعفة الدعم الفني والمادي، تحت إشراف الحكومة الانتقالية القادمة، للتأكد من تنفيذ الاتفاق واستكمال عمليات السلام مع القوى غير الموقعة، وفقاً للأولويات واحتياجات ضحايا الحروب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى