الرأي

تحية للدراميين السودانيين.. ووداعاً للمهرّجين و”فرقة حسب الله”..!

تهنئة خالصة نزفّها للدراميين السودانيين ونقابتهم الوليدة وهي تحتفل باليوم العالمي للمسرح…والناس يعرفون تاريخ السودان مع المسرح ومع الدراما وهو تاريخ خصيب نهض في هيئته الحديثة مبكراً في أوائل القرن الماضي.. إذا لم نقل إن الأداءات الدرامية التلقائية كانت مثل الماء والهواء في حياة السودانيين عبر التاريخ.. استنادا على تنوع السودان الخصيب وحياته الشعبية العامرة التي تتنوع فيها ضروب كسب العيش وتتباين فيها الجغرافيا والمناخات والثقافات والمواسم؛ علاوة على الحصافة الشعبية التي تتكئ على موروث ضخم من حس الفكاهة والحكي والمحاكاة و(التشخيص) ويشهد بذلك الفولكلور السوداني الذي يحتشد بالدراما الشعبية في أداء طقوس العبور (ميلاد /تأهيل /تنشئة / زواج/ رحيل) والثراء الكبير في فنون الغناء والمديح والرقص..إلخ
لقد قطعتنا الإنقاذ (مقطوعة الطاري) ثلاثين عاماً عن العالم وعن الفنون والإبداع.. وملأت ساحة الوطن بالغثاثة والركاكة والجهالة وثقافة الموت والعدم..فقد كانوا قوماً منبتين بلا جذور ثقافية.. وملاعين (ثقلاء الظل) يكرهون الحياة.. وقد دأبوا لثلاثة عقود على تدمير كل موقع ومكان وساحة وإمكانية للفنون.. حيث أنهم (بشهادة الميلاد) أعداء لكل ما يدعو إلى الحياة والوعي والإبداع والمرح والسرور والابتهاج ..! لقد حرمهم المولى عز وجل (وهو العليم بسريرتهم وخبث طويتهم) من أي لمحة تتصل بالفنون (ومنين يا حسرة) وأنى لهم وصمامات أفئدتهم وعقولهم مغلقة بالضبة والمفتاح عن منابع الإلهام.. (هل سمعت بشاعر أو فنان أو تشكيلي اخونجي طوال ثلاثين عاماً)..!
لذلك أطفأوا أنوار المسرح ودمّروا دور السينما وأغلقوا المكتبات العامة وصالات الثقافة..رأنهم قوم لا يحسنون غير ملء البطون و(تكوير الكروش)..! وهم (أجارك الله) محرمون حتى من (الرفاهية الراقية) بالرغم من أموال السحت المتكدّسة لديهم..! فهل بالله عليك سمعت (ولو بالغلط) أن أحد قادتهم أبدى رغبة في مشاهدة مسرحية أو اقتناء كتاب أو الاستماع لأغنية أو مقطوعة موسيقية..؟.. حاشا لله إنما هي النزعة البدائية البهيمية والنهم في الحيازة الحرام والشراهة في المضغ مثل المجترّات من ذوات الثدي (التي تقصع الجرّة) وهي باركة في معاطن الخمول..!
الفنون (يا فرطوق) هي صاحبة الإسهام الأبقى في ترسيخ دعائم الحرية والسلام والعدالة..!
ها هي نقابة الدراميين السودانيين تنقل احتفالاتها إلى 14 ولاية سودانية عبر 14 فرعية لها..لأول مرة منذ (الثلاثين الكبيسة).. فمن لغير الفنون إعادة رونق الحياة ورتق الرداء الاجتماعي الذي يشمل نسيجه كل أهل السودان.. وكسر دائرة العنف المجنون والعصبيات القبلية والحروب الخاسرة التي يريد إشعال نيرانها بعض جماعة الحركات المسلحة والمليشيات (العائرة) في البوادي وفلول الإنقاذ والاخونجية ومن يتمسكون بأذيالهم ..!
هذا الاستهلال المجتمعي الذي جاءت به نقابة الدراميين التي تشكلت عضويتها من كافة أنحاء السودان هو الذي يعيد الوطن إلى دائرة التعافي.. لقد جاء ميلادها على الخط الوطني الثوري لعودة النقابات التي انطلقت بشائرها بنقابة الصحفيين والأطباء.. وبعد أن افلح الدراميون في اختيار ممثليهم بالانتخاب المباشر في تمرين ديمقراطي رصين.. وقد وجد برنامج الدراميين فور إعلانه تهنئة حارة من رابطة صحفيي وإعلاميي دارفور.. وهذا هو التناغم الذي تحدثنا عنه بين أقاليم السودان لبناء مجتمع مدني أهلي عريض هو الذي سيتكفل بهزيمة مشروع الإنقاذيين والانقلابيين ..!
مرحى بالدراميين السودانيين وهم يجمعون صفوفهم ويعيدون هذا الفن الراقي إلى مكانه المرموق؛ ويحملون مهمة تنظيف الأوكار من الذين دخلوا إلى هذا الميدان عبر بوابة الإنقاذ.. حتى إن بعضهم كان يسخر من حقوق المرأة السودانية ونضالها ومن مواثيق حقوق الإنسان عبر ما يقوم به من (عوارة) وهي يعتقد إنها دراما..!.
لا بد من تجفيف كل قطاعات الحياة السودانية من هذه التركة الإنقاذية الفاسدة..!
تهنئة لنقيب الدراميين المُنتخب الفنان الكبير “الرشيد احمد عيسي” وأعضاء نقابته… ووداعاً للسخافات الإخونجية ولمندوبي الإنقاذ المكلفين بإفساد حقول الفنون والدراما.. لقد انتهى عصر المهرجين والبهلوانات..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى