الرأي

تحديات في نوفمبر

أحداث كثيرة شهدها نوفمبر المنقضي على صعيد الساحة السياسية المحلية والدولية، في العام الثاني بعد تشكيل الحكومة الانتقالية. فمن محاولات لخلط الأوراق على صعيد السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته “دونالد ترامب”، والتي تأثرت بها عدة أطراف، كان آخرها إيران التي شهدت اغتيال أحد علمائها البارزين نهاية الأسبوع الماضي هو “مُحسن فخري زادة”. إلى عودة زعماء الجبهة الثورية للخرطوم، ودعواتهم المستمرة للمصالحة مع الإسلاميين. والتي أثارت أسئلة أكثر من كونها قدمت إجابات، كان المواطنون في معسكرات النزوح ينتظرون من يعكف عليها، ويمنحها ما يلائمها من اهتمام. وهناك الحرب التي تدور رحاها بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تقراي، وقد قذفت بما يزيد عن الأربعين ألفاً إلى السودان عبر الحدود. لتشهد أواخر أيام نوفمبر رحيل الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، بكل ما يلقي غيابه من ثقل ومن تداعيات على مرحلة الانتقال. لكن الحدث الأبرز كان هو تفشي جائحة كورونا، وارتفاع نسب الوفيات جرائها بشكل ملحوظ، وعدم توفر الإحصائيات الدقيقة لما وصلت إليه من مُعدلات في نسب الإصابة والوفيات.
ترامب وبعد خسارته في الانتخابات الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة، وإنكاره لنتيجتها، ودفعه بعمليات تزوير واسعة شابتها، وإصراره على هذا الموقف رغم الحقائق التي تنهض في مواجهته، يتخذ عددا من القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية. فيُقرر سحب جنود أمريكيين من أفغانستان والعراق، ويقيل وزير الدفاع “مارك أسبر”، المعترض على هذا الانسحاب. ويأتي بـ”كريستوفر ميلر”، والذي عُرف عنه الانقياد التام لترامب خلفاً له. ويُرسل نتنياهو لزيارة المستوطنات الإسرائيلية، ويحتفي باغتيال العالم النووي الإيراني بتغريدة على تويتر. ويُرسل حاملات طائرات وبوارج حربية للخليج بذريعة تغطية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق، مما يخلط الأوراق. ويُقرب من احتمال حرب شاملة مع إيران. ويترك المنطقة والعالم على سطح صفيح ساخن، في المدة المتبقية لولايته، والتي قال بأنها ستشهد الكثير!!
وفي الخامس عشر من نوفمبر عاد قادة الجبهة الثورية الموقعين على اتفاق جوبا للسلام إلى الخرطوم، وسط استقبال جماهيري كبير في ساحة الحرية. قبل أن تستضيف وسائل الإعلام بعضهم في حوارات، كشفت عن عدائية شديدة في التعاطي مع شركائهم في تحالف الحرية والتغيير. وتحدث رئيس حركة تحرير السودان “مني أركو مناوي” عن تصفير العداد!! بما يفهم منه إلغاء كل ما تم في عام الحكومة الانتقالية الأول بجرة قلم، أو مراجعته بالكامل وتصحيحه – ربما من قبل حركة تحرير السودان التي يقودها – فضلاً عن حديثه عن ضرورة المُصالحة مع الإسلاميين، ولما يجف دماء شهداء سبتمبر وديسمبر من أياديهم الملطخة بكل ما يمكن للعار أن يحمل من سوءات!! فأثارت هذه التصريحات المتشابهة من قبل قادة الجبهة الثورية المخاوف والتساؤلات، عما يمكن أن يحدث في مُقبل سنوات الانتقال. غير أن الإجابة جاءت سريعاً على لسان والدة الشهيد “هزاع”، مُمثلة لأسر الشهداء، وهي تقضي بأن الأرض للشهداء، وهي لمن صبر وثابر وكابد طيلة عقود ثلاث، هي عمر الفاشية الإسلاموية في السودان، وعبرت عن رفضهم القاطع لأي دعوة للمصالحة مع من ولغوا في دماء الشعب السوداني، قبل المحاسبة. وفي وقت لاحق أصدرت لجان مقاومة “جبل أولياء”، ولجان مقاومة “الخرطوم شمال”، بياناً مشتركاً، ترفض فيه دعوة مقدمة من “مناوي” للتشاور، قدمها لهم مكتب العمل المشترك – بحسب البيان – وأكدوا على أن لجان المقاومة لن تكون جزءا من أي مجموعة تدعوا للتسوية السياسية مع الإسلاميين. وجاء في البيان:”لم تكن المُصالحة المزعومة مع الإسلاميين من قبل “مناوي” من شعاراتنا. وشعارنا واضح كعين الشمس، أن لا مساومة ولا تفاوض ولا تنازل عن معاقبة كل منسوبي النظام البائد. و”إذا أرادت أي جهة تنوير لجان المقاومة بالراهن أو أي نشاط سياسي، فعليها بالشفافية في التعامل مع الجمهور وهذا هو خطابنا الذي لم نغيره”.
وفي أواخر نوفمبر رحل الإمام الصادق المهدي، ليترك فراغات كبيرة على عدة جبهات، منها جبهة حزب الأمة القومي. الذي ما يزال مجمداً لنشاطه في تحالف الحرية والتغيير، في ما عدا مشاورات وتنسيق في القضايا الكبرى والمهمة. وفي هذا يذهب عدد من المراقبين إلى أن الحزب سيتجه نحو فك تجميده، واستئناف نشاطه في التحالف. كما أن التحالف نفسه سيكون حريصاً على هذه العودة لما استشعر من فراغ برحيل الإمام كذلك، ومن حاجة للتماسك والوحدة. وأيضاً لما لحزب الأمة من ثقل شعبي وجماهيري معلوم. خاصة في هذا الوقت الحرج من عمر الانتقالية، والبلاد تشهد تحولات جديدة ومؤثرة كل يوم على الصعيدين المحلي والعالمي. وتقف أمام عتبة أحداث كبيرة، سيكون لها ما بعدها من قبيل تكوين “مجلس الشركاء” المثير للجدل، والذي يذهب كثير من المراقبين إلى أنه سيكون بمثابة جهاز يأخذ من سلطات مجلسي السيادة والوزراء والبرلمان المرتقب، ليُناقش قضايا هي من صميم اختصاص هذه المجالس، بما يجعل سلطاتها منقوصة لحد كبير. في وقت يؤكد فيه تحالف “قوى الحرية والتغيير”، وعلى لسان القيادي “خالد عمر”، أنه ما من سلطات سيادية أو تنفيذية أو تشريعية لهذا المجلس، كما هو منصوص عليه في الوثيقة المعدلة .ويبقى الأمر رهناً بالممارسة بالطبع، وما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف.
بقي أن نقول أن نوفمبر المنقضي شهد ارتفاعاً ملحوظاً، وفاجعاً في عدد الإصابات والوفيات جراء جائحة كورونا، شملت أطباء وسياسيين ومواطنين من مختلف المشارب. وسط استعدادات صحية متدنية، والتزام ضعيف جداً بالاحترازات الصحية الملازمة للجائحة، من تباعد اجتماعي، والتزام بلبس الكمامة وغيرها. ووسط غياب إحصائيات دقيقة تبين مدى انتشار الجائحة، وعدد الوفيات، ومعدل الإصابات والوفيات، وغيرها من المعلومات الضرورية لمكافحتها والسيطرة عليها. خاصة في ظل بُشريات بقرب توصل العالم للقاح وتنافس ثلاثة من كبريات شركات الأدوية في العالم على تصنيعه وتوزيعه. رحم الله موتانا، وحفظ الله السودان وشعب السودان. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى