تقارير

بين التعويضات ودعم الديمقراطية.. الخرطوم وواشنطن..آن أوان التطبيع

تقرير- محمد عبدالعزيز
” لدى واشنطن فرصة نادرة لضمان تعويضات ضحايا تفجير السفارات 1998، ونافذة ضيقة لدعم التحول الديمقراطي الذي يقوده المدنيون في السودان بعد التخلص من شمولية الإسلاميين” هكذا لخص وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حيثيات الدفع بتشريع لإزالة اسم السودان من لائحة الدولة الراعية للإرهاب.
مصالح أمريكية
نهاية الأسبوع بعث بومبيو بخطابه إلى رئيس مجلس الشيوخ مؤكداً أن السودان لديه الأموال لتسوية القضايا المعلقة وأنه سيتم الإفراج عنها حال تحقق ثلاثة اشتراطات أجملها في توقيع اتفاق المطالبات الثنائية بين الولايات المتحدة والسودان ورفع الأخير من قائمة الدول الراعية للإرهاب علاوة على تمرير قانون الحصانات السيادية في الكونغرس وتوقيعه بيد الرئيس دونالد ترمب.
وقال “بناءا على وتيرة ومدة مناقشاتنا مع السودان، تعتقد الوزارة أنه من المحتمل جدا أن يتم الوفاء بالشرطين الأولين الموصوفين أعلاه بحلول نهاية أكتوبر”.
وأضاف “في حالة حدوث ذلك، فإن الخطوة الوحيدة بين المطالبين والتعويض الذي يستحقونه بحق هو سن تشريع قانوني للسلام القانوني. لهذا السبب، جنبا إلى جنب مع مصالح الأمن القومي الأمريكي المرتبطة بتجنب فشل الفترة الانتقالية في السودان الذي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى ظهور نظام إسلامي آخر أو انزلاق البلاد في صراعات وعليه فأنا أدعو  إلى إدراج تشريع السلام القانوني السوداني في مشروع التمويل”.
سفير السودان لدى واشنطن نور الدين يقول:”أحرزنا بعض التقدم، ونتمنى في نهاية المطاف التوصل لحل المعضلة”، ساتي الذي تم اعتماده رسميا نهاية الأسبوع الماضي كاول سفير سوداني في واشنطن لما يقارب ربع القرن، يضيف أن الأيام القادمة ستشهد توقيع اتفاقات ثنائية لإلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ناصر أبو طه يقول: إن رسالة وزير الخارجية الأمريكية تفتح الباب واسعا أمام التسوية بين الخرطوم وواشنطن، ويشير أبو طه في حديثه لـ(الديمقراطي) إلى أن الإدارة الأمريكية لا تقدم على شيء قبل دراسته والترتيب مع مختلف دوائر صنع القرار.
وكشف بومبيو عن خطة لإنشاء حساب خاص يتم من خلاله الإفراج عن الأموال المودعة من السودان إلى الولايات المتحدة لدفعها للضحايا من المواطنين وغيرهم بمجرد استيفاء تلك الاشتراطات الثلاث.
وأردف “كوزير الخارجية أطلب مساعدتكم في الشراكة مع الوزارة لاغتنام هذه الفرص من خلال تضمين تشريع السلام القانوني السوداني من الحزبين الذي صاغه السناتور كريس كونز في مشروع تمويل الحكومة القادم. يجب سن هذا التشريع في موعد لا يتجاوز منتصف أكتوبر من أجل ضمان أن يتم دفع تعويضات للضحايا بمجرد إلغاء تصنيف الدولة الراعية للإرهاب في السودان”.
وفي ظل عدم إفصاح الحكومة السودانية عن كيفية سداد مبلغ التعويضات، يرجح كبير الباحثين في المجلس الأطلنطي كاميرون هدسون حصول الخرطوم على قرض من بنك إفريقي إقليمي لدفع التسوية المقترحة، ويشير هدسون في حوار سابق مع المحرر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب إلا بعد التأكد من استدامة العملية الديمقراطية وعدم عودة الجيش للسلطة مضيفا:”سترغب الإدارة الأمريكية في ضمان استمرار التحول الديمقراطي وتقليص التهديدات المحتملة الناجمة عن العودة إلى الحكم العسكري قبل رفع التصنيف”.
ويضيف هدسون المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي:”من الواضح جدا أن الانتقال طويل الأمد في السودان لا يمكن أن ينجح ما لم يتم إصلاح قطاع الأمن. تظل الأجهزة الأمنية أقوى المؤسسات وأكثرها تمويلاً وتنظيماً في البلد بأكمله. وإلى أن يبدأ ذلك في التغيير، سيستمر القادة المدنيون في الخدمة طوع أمر العسكريين”.
تحديات وصعوبات
يبدو أن مراكز القوة في الولايات المتحدة تميل بشكل إيجابي نحو إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، إلا أن التحدي الذي يواجه الخطوة التي تتعلق برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلا أنه توجد القليل من السوابق فيما يتعلق بإبعاد دول عن هذه القائمة.
خلال الأسابيع الماضية بدا أن دعم الكونغرس من الحزبين يتزايد؛ لشطب السودان من قوائم الإرهاب الأمريكية، وعلى مدى أشهر، انخرط المشرعون والدبلوماسيون الأمريكيون في مفاوضات شاقة من وراء الكواليس مع الحكومة السودانية.
وقال مسؤولون ومساعدون في الكونغرس إن شخصيتين رئيسيتين – زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (دي، نيويورك) والسناتور بوب مينينديز من نيوجيرسي، كبير الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ – يعوقانه، ويضغط عضوا مجلس الشيوخ من أجل الصفقة لتغطية الضحايا والناجين من هجمات 11 سبتمبر 2001. كما أنهم غير راضين عن أن معظم موظفي السفارة الذين تضرروا من الهجمات، والذين كانوا من مواطني الدول المضيفة، سيحصلون على مبالغ أقل من المدفوعات للمواطنين الأمريكيين.
في المقابل يشدد رئيس لجنة الشؤون الخارجية السابق بالكونغرس إد رويس لـ(فروين بوليسي) على ضرورة تمرير التشريع. رويس الذي يمثل الآن بعض عائلات ضحايا تفجيرات عام 1998 يقول:”إن الانتقال الديمقراطي في السودان معلق بخيط رفيع وإن البلاد بحاجة إلى أن تُرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب لدعم الحكومة السودانية سياسيا وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية التي في أمسّ الحاجة إليها”.
ويزيد أيضا “لا يوجد سبب مبرر لتسمية السودان كدولة راعية للإرهاب، وكبح اقتصادها فالناس بحاجة لفرصة مثل هذه على الأقل تعزز من قيم الديمقراطية وتحث على الإيمان بها”.
سفير السودان لدى واشنطن نور الدين يؤكد ضرورة أن ينجح السودان في وضع الإدارة الأمريكية والكونغرس في مسار واحد بهدف رفع السودان من لائحة الإرهاب بقرار من الإدارة الأمريكية وتسوية الجوانب القانونية والقضائية وتمرير القانون عبر الكونغرس. ساتي يشدد على أن نجاح السودان يستند على ساقين (البيت الأبيض والكونغرس) لافتا لظهور بعض التعقيدات المتصلة بدعاوى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ساتي يقول:” ابن لادن خرج من الخرطوم قبل 6 سنوات من 11 سبتمبر ولاتوجد بينات على ضلوع النظام السابق في تلك الهجمات بحسب التحقيقات الأمريكية”.
مكاسب ونجاحات
تتطلع إدارة ترمب إلى إزالة اسم السودان من لائحة الداول الراعية للإرهاب بعد تسوية مع ضحايا الهجمات على السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا 1998 والمدمرة كول 2000 تقدر بنحو 335 مليون دولار، في المقابل، ستزيل واشنطن تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب وتستعيد في نفس الوقت الحصانة السيادية من أي مسؤولية إضافية في المحاكم الأمريكية.
ويضمن الاتفاق بين الخرطوم وواشنطن لضحايا هجمات 9/11 استمرار ملاحقة السودان في المحاكم الأمريكية بموجب تشريع منفصل، وهو قانون العدالة ضد الدول الراعية للإرهاب.
سيمثل تأمين الصفقة نجاحا آخر في السياسة الخارجية لإدارة ترمب قبل الانتخابات الأمريكية نهاية العام الجاري.
محرر الشؤون الدبلوماسية والأمن القومي في فورين بوليسي روبي غرامر يقول إن وزير الخارجية الأمريكية يسابق الوقت لإنجاز صفقة دبلوماسية قبل انتخابات نوفمبر، غرامر يضيف:”بومبيو يؤمن بأن الطريق معبد ويمكن تحقيق الأمر قبل انقضاء الشهر المقبل، لكن هناك أيضا عقبات ماثلة”.
عملية رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب تقوم على مراحل تبدأ بطلب الرئيس الأمريكي للمخابرات المركزية بإجراء مراجعة واتخاذ قرار بأن السودان لم يعد يرع الإرهاب الدولي، ويجب عليه بعد ذلك أن يخطر الكونغرس بنيته لحذف السودان من القائمة، عندئذٍ يصبح الأمر بيد الكونغرس الذي يمكن له عرقلة جهود الرئيس إذا لم يوافقوا على تقييمه. ومع ذلك، هناك حرية تقديرية واسعة في تحديد العناصر التي تدعم الإرهاب، ولسوء الحظ، يمكن وضع مطالب أكثر تعقيدا على السودان إذا اختارت الإدارة أو الكونغرس.
يعلق هدسون على هذه النقطة ويقول:”يبدوا هذا وكأنه تحريك للمرمى، لكن يجب أن يدرك الناس أن القرار سياسي في المقام الأول سيما وأنه لا توجد معايير قانونية واضحة”.
هدسون يشير إلى أن 60 في المائة من سكان السودان البالغ عددهم 42 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 24 سنة، بما يعني أنهم ولدوا بعد فرض العقوبات الأمريكية التي جعلت من السودان دولة منبوذة، مضيفا:”هؤلاء الشباب هم من قاموا بإشعال ثورة للمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والوظائف وعدم  هذه الثورة يعني انتصار العناصر المستفيدة من النظام السابق من العسكريين والإسلاميين”.
**
تسلسل تاريخي
* أدرجت الإدارة الأميركية السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993.
* خضع السودان منذ العام 1997 لعقوبات اقتصادية أمريكية.
* في إبريل 2006 اعتبر النزاع المسلح في دارفور تهديداً إضافياً للأمن القومي الأميركي وسياسة واشنطن الخارجية، ووسع بموجبه حالة الطوارئ الوطنية لتشمل حظر ممتلكات لأشخاص مرتبطين بالنزاع.
* أصدر الرئيس باراك أوباما في 13 يناير 2017، ما أطلق عليه الإجراءات الإيجابية من حكومة السودان، ونص على إلغاء بعض العقوبات على السودان.
* استكمالاً لما بدأه أوباما، أصدر الرئيس دونالد ترمب في أكتوبر 2018، قراراً رفع بموجبه الحظر التجاري الأميركي، بيد أنه أبقى عليه ضمن قائمة (الدول الراعية للإرهاب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى