بول دي مان ..جاك دريدا .. اللقاء التاريخي بين الأدب والفلسفة ؟
يعتبر بول ديمان ثالث أعمدة المدرسة التفكيكية , على حين يعتبر ميشيل فوكو العمود الأول , بينما دريدا العمود الثاني , وكل هؤلاء مختلفون عن بعضهم البعض , فالأول كان يهتم بتواريخ المؤسسات والأنظمة المعرفية , بينما اهتم الأخر إلى حد كبير بالموضوعات السياسية , على حين كان اهتمام الثالث بالنصوص والنقد الأدبي ..
وعلى أية حال فإن جميع هؤلاء الثلاثة الفلاسفة كانوا مكملين لبعضهم البعض , باعتبار أن التاريخ والسياسة والأدب قد أدخلت ضمن الدرس الفلسفي بفضل هؤلاء .. لكنه ومن الناحية الترويجية لهذه الفلسفة فإن بول ديمان سيكون له الفضل في ذلك فهو ومع كونه -كعقل مفكك – جاء بعد دريدا , إلا أن الباحث : ريتشارد دورتي – من جامعة فيرجينيا – أكد أنه : لولا انتماء بول دي مان إلى هذه المدرسة التفكيكية لما أمكن لهذه المدرسة أن تنتشر ..
فماذا – ياترى – فعل بول دي مان هذا , ومن هو , وما علاقتة بهذه المدرسة التفكيكية وبجاك دريدا تحديداً ؟
يعتبر بول دي مان بلجيكي الأصل , وهو من الذين هاجروا إلى أمريكا للدراسة في جامعة هارفارد , ثم أصبح أستاذ كرسي النقد المقارن في جامعة ييل عام 1971م , قام ديمان بمناقشاتٍ نظريةٍ عديدة , أثرت في طبيعة النقد الأدبي وغايته آنذاك , كان ذلك قبل احتكاكه بعمل دريدا , و يعتبر دي مان – مع كونه ناقداً أدبياً – ممن تأثر بالعلوم الفلسفية وخصوصاً فلسفة نيتشه وهوسرل وهيدجر , وهذا لم يكن معهوداً من قَبلُ لدى النقاد الأمريكيين , ثم إن هذا الاطلاع على تلك الفلسفة , وتأثره الكبير بها ,كان له بالغ الأثر على فكر بول دي مان .
لقد تعرف بول دي مان على جاك دريدا من خلال عدة زيارات قام بها الأخير إلى جامعة “ييل” في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات .. التقى خلالها بول دي مان وطلابه , الذين استطاعوا في فترة قصيرة أن ينفخوا الروح في المنهج التفكيكي وأن يجروا تغييرات مهمة بقيادة “دي مان” حيث نشأت بسبب ذلك منهجية تفكيكية دي مانية مغايرة ..
ومع ما في ذلك من تمرد واضح عليها أقصد التفكيكية الدريدية من قِبل الدي مانيين , إلا أن الأمر لم يبدو مؤسفاً بالنسبة لدريدا , ذلك أن المدارس الفلسفية المهيمنة – والتي ينتمي إليها دريدا – لم تكن مناصرة لنظريته التفكيكية , بالقدر الذي كانت تفعله وبتأييد كبير مدارس النقد الأدبي في أمريكا وهو الأمر الذي أشعل في نفس دريدا فتيل الأمل ..
أضف إلى ذلك أن “مدرسة ييل ” الأدبية التفكيكية عندما تهتم بدريدا فهذا انتصار بالنسبة له هو, ومكان خصب لإشاعة أفكاره , والتعرف – من قبل المدرسة الدي مانية – عليه عن قرب , ثم إن دريدا – وهذا شيء مهم – كان ميالاً إلى الأدب الذي ينتمي إليه دي مان , بخلاف الذين يدعون أن دريدا وقف ضد الأدب , فهو لم يكن ضده كنص إطلاقاً , وهو قد طبق على النصوص الأدبية الشعرية تحليلاته الفلسفية في عدة مناسبات , من ذلك على سبيل المثال قصيدة ” لحظة الموتى ” لموريس بلانشو , لكن البعض يرى أن ذلك ليس كافياً أقصد حبه للأدب فكيف يطبق دريدا فلسفته على فن لم يقرأه وهو الأدب فالحب شيء والاطلاع شيء آخر . في الحقيقة أن جاك دريدا لم يكن فقط محباً للأدب , فهو – كما تقول منى طلبة – كان مولعاً به وقارئاً نهماً , وكان لأدباء من أمثال سارتر وروسو وأندريه وفاليري أثر كبير في تكوينه الفلسفي على حد تعبيرها , وهي تؤكد – أعني منى طلبة – بأن هذا الولع سوف يؤثر في فلسفة دريدا من وجهين : الأول : أسلوب كتابته الفلسفية , والثاني قراءته للنصوص . كان دريدا إذا فيلسوفاً وأديباً وفق ما يفهم من نص منى طلبة ..
إننا وبعد أن حاولنا أن نخلق شيئاً من أوجه الشبه بين دريدا وبول دي مان , استطعنا أن نخلص إلى نقطة تقارب أزعم أنها مهمة , وهذه النقطة هي التي من أجلها نشرت الموضوع , وهي تتلخص في كون بول دي مان التفكيكي يعتبر ناقداً أدبياً قد عشق الفلسفة وأغرم بها , وبالمقابل أيضاً جاك دريدا التفكيكي الذي يعتبر فيلسوفاً هو قد عشق الأدب وأغرم به ..فمن هنا أي من خلال هذه النقطة يجب أن نؤكد وجود أو حصول ذلك العرس التاريخي الكبير بين الفلسفة والأدب أو بين الأدب و الفلسفة ..