تقارير

بعد تخصيص مليار متر مربع لتركيا 23% من الأراضي الزراعية في السودان تم بيعها أو  إيجارها لمدد طويلة للأجانب

 

تقرير- إسماعيل الباهي

إعلان تركيا توصلها لاتفاق مع السودان لتخصيص 100 ألف هكتار (مليار متر مربع) من الأراضي الزراعية أثار موجة رفض واسعة في الأوساط السودانية لاعتبارات تتعلق بغياب الشفافية عن هذا الاتفاق الذي يبدو أنه امتداد لسياسات النظام المخلوع، الأمر الثاني يرتبط بالموقف التركي من دعم عملية التحول الديمقراطي في السودان في ظل استضافتها لقيادات النظام البائد ومنصاته الإعلامية التي تعمل على عرقلة مسيرة الانتقال انطلاقاً من الأراضي التركية.

حدود السلطات

هناك اتفاق بضرورة وجود استراتيجية واضحة فيما يلي السياسة الخارجية متفق عليها بإجماع وتنفذ بالتزام كامل من كل المسؤولين، إلا أن النقطة المهمة تتعلق بحدود السلطات التي رسمتها الوثيقة الدستورية لكل مؤسسة، لا سيما وأن العسكريين في مجلس السيادة واصلوا التمدد في مجال السلطات والصلاحيات، ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان يتحرك كرئيس فعلي للبلاد أكثر من كونه رئيساً لمجلس السيادة منح صلاحيات محددة.

عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صدقي كبلو يقول لـ(الديمقراطي) إن مجلس السيادة الانتقالي يبدو أنه يستمرئ التدخل في شؤون مجلس الوزراء، ويتخذ قرارات غير متفق عليها وطنياً مثل مسألة تركيا ومن قبلها إسرائيل.

ويمضي كبلو إلى أن هذه المسألة تحتاج لوقفةلتحديد المسؤوليات وهي أمر مهم لأن الشباب ضحوا بأرواحهم من أجل السلطة والحكومة المدنية، وهي بالنسبة لهم مجلس الوزراء. كما يلفت إلى أن سلطات رئيس الجمهورية السابق المتعلقة بالجهاز التنفيذي كلها للوزراء ومايفعله رئيس مجلس السيادة من سلوكيات تعد غير دستورية. ويؤكد بقوله رغم افتخار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بالشراكة بين المكونين إلا أن هناك انتهاكاً وتغولاً عليه.

القيادي بالمؤتمر السوداني مهدي رابح يقول لـ(الديمقراطي) إن سلطات الرئاسة، بالأخص في كل الفضاء المدني تم نقلها عبر الوثيقة الدستورية إلى رئيس الوزراء ومجلسه، وبالتالي فليس لدى مجلس السيادة صلاحية التصرف في الأراضي لأي غرض كان والخطوة التي قام بها السيدرئيس مجلس السيادة، وإن قام بها منفرداً دون استشارة مجلس الوزراء، يجب أن تخضع للمراجعة والتدقيق من قبل السلطات المختصة وعلى رأسها مجلس الوزراء، ذلك طبعاً في سياق ينسجم مع منهج سياساتنا الخارجية الرامية إلى تحقيق مصلحة البلاد وبناء علاقات متوازنة مع كل الدول الصديقة في محيطنا الإقليمي والدولي، والتي تعتبر تركيا من أهمها بكل تأكيد.

مصداقية تركيا

العلاقات السودانية التركية تاريخية إلا أن أنقرة التي كانت تراهن على النظام السابق وكانت تطمح لتعزيز العلاقات من خلال رفع الميزان التجاري والحصول على مواقع استراتيجية مثل ميناء سواكن تسعى لاستعادة تلك العلاقات متجاوزة الخط الفاصل بين الثورة وما قبلها، دون أن تقدم عربوناً يؤكد صدق دعمها للسودان في مرحلة الانتقال سواء من خلال تسليم المطلوبين على أراضيها أو إبعادهم على أقل تقدير،أو حتى محاولة إسكات أو إبعاد المنصات الإعلامية التابعة للفلول التي تتخذ من تركيا مقراً لها لاستهداف الانتقال ومحاولة عكس عجلة التغيير.

مدير مركز الدراسات السودانية د. حيدر إبراهيم يقول:”زيارة تركيا لم تضع في الاعتبار مصالح الوطن ولم تحترم كرامته لأن تركيا تحتضن عناصر معارضة للتحول الديمقراطي في السودان، فقد وجد الإسلامويون الذين نهبوا أموال الشعب السوداني ملاذاً آمناً في اسطنبول وأودعوا هذه الأموال في البنوك التركية بأسعار فائدة مريحة مغرية وينشط الإعلام الإخواني من تركيا ويهاجم ويهدد الحكومة الانتقالية”.

وليس بعيداً عن ما سبق يقول كبلو إن الطريقة المتبعة لتخصيص الأراضي السودانية للأجانب وتركيا في الوقت الحالي وفي عهد النظام السابق تعد طريقة خطأ وانتهاكاً للسيادة الوطنية، لافتاً إلى أنه ليس هناك سبب للاستثمار الأجنبي في السودان والأراضي الزراعية بدلاً من الاستثمار في النفط والمعادن، لفائدة الطرفين.

ويعتبر عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي صدقي كبلو تركيا رغم أهميتها كبلد ولكن العلاقة الخاصة معها تدخلنا في مشاكل لأنها جزء من محور مهتم برعاية الإسلام السياسي وهذا ضد ثورة ديسمبر التي نهضت ضده.

ويصف كبلو الاتفاق الزراعي الأخير مع تركيا بأنه طعنة في ظهر السودان ولثورته وهي تمثل ملجأ لكوادر الإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني المحلول، بخلاف الاستثمار ويجب أن تكون العلاقة في حدها الأدنى.

الخبير القانوني الصادق علي حسن قال إن لتركيا مصالح مشتركة مع الأنظمة التي تنهج مسار الإسلام السياسي، ويضيف إن القيادة الحالية للبلاد في نظر تركيا هي امتداد للنظام البائد، لذلك تحرص دولة تركيا على إنشاء التزامات معها لضمان ترسيخ أقدامها التي وضعتها بالبلاد في ظل النظام البائد، مبدياً تأسفه البالغ في أن يتم التصرف في الأراضي السودانية بذات عقلية النظام البائد، وفي ظل حكومة ثورة ديسمبر المجيدة، وكأن البلاد لا زالت رهينة للعقلية التي كانت تدير البلاد في حقبة نظام المعزول البشير.

تجريب المجرب

أبرز ما تم الإعلان عنه من زيارة البرهان يتعلقباتفاق لمنح الأتراك أراضٍ زراعية دون تفاصيل واضحة حول شروط الاتفاق ومكاسب السودان، الأمر الذي يعيد للأذهان الاتفاقات السابقة لنظام المخلوع البشير بتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي لفترة زمنية تصل لقرن من الزمن، لبعض المستثمرين دون دراسة أو فوائد منظورة.

وكيل وزارة الزراعة عبدالرحمن عبدالرحيم هتر قال في حديثه لـ(الديمقراطي) إن السودان طرح 240 ألف فدان للاستثمار الزراعي لتركيا منها 30 ألف فدان بمخطط الدبة الزراعي لصالح الشركة السودانية التركية، بموجب قانون الاستثمار العام 2021 على أن تقوم الشركة بمسؤوليتها المجتمعية بالمنطقة مع توفير350فرصةتدريبية.

وكيل الزراعة أعلن إلغاء اتفاق سابق مع تركيا تم في عهد النظام السابق تم بموجبه تخصيص 2 مليون فدان توزعها وزارة الزراعة التركية للمستثمرين الأتراك دون تدخل من الجانب السودان، مضيفاً:”تم تكوين لجنة لمراجعة الاتفاقية لأنها مجحفة وتم نقاش بين الجانب السوداني والتركي وتم إلغاء الاتفاقية على أن تظل الشركه السودانية التركية للإنتاج الزراعي”.

وأشار هتر إلى أن الشركة السودانية التركية للاستثمار شراكة بين البلدين بنسبة 20% للسودان و80% لتركيا وتعمل في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني، مشيراً إلى مقترح بإنشاء منطقة حرة خالية من الأمراض بولاية شمال كردفان مضيفاً:”نتطلع لتطوير إنتاج التقاوي والقطاع البستاني”.

الخبير القانوني الصادق علي حسن يقول في حديثه لـ(الديمقراطي):”في وثائق الأمم المتحدة الأرض ليست مجرد سلعة، وإنما عنصر أساسي من عناصر وأعمال حقوق الإنسان، وترتبط بحقوق كثيرة منها حق السكن، والأمن الغذائي والحقوق المتفرعة عن الانتفاع بالأرض، كحق الزراعة والري”. ويواصل الخبير القانوني حديثه ويقول ووضعت الأمم المتحدة ما أسمتها الأرض والحوكمة وحماية وتعزيز حقوق الإنسان في الأرض في عام 2012م. واعتمدت لجنة الأمن الغذائي العالمي الخطوط التوجيهية العالمية بشأن الحوكمة المسؤولة لحيازة الأراضي، الغابات، في سياق الأمن الغذائي الوطني، وفي المعايير القانونية الدولية، وفي القانون الدولي الإنساني، والقانون الإنساني الدولي، والجنائي الدولي، إلى جانب الحقوق المرتبطة بحقوق الشعوب الأصيلة أو القبلية. والقضايا المرتبطة بمنازعات الأراضي، وما بعد تسوية النزاعات المحلية، وقضايا اللاجئين والنازحين داخلياً، كما ترتبط قضايا الأراضي بالهوية.ولكل ماسبق ذكره يقول حسن إن التصرف في الأراضي في الظروف الحالية مثل ما أعلن عنه نائب الرئيس التركي بحصول بلاده على مائة ألف فدان _ينبئ عن تفريط واستسهال في منح الأراضي بما يضر بمصالح البلاد الاستراتيجية، كما يمس جوانب وحقوق عديدة من حقوق الإنسان، والأجيال المتعاقبة.

ويضيف أن القانون نظم كيفية التصرف في الأراضي بقيود وشروط معينة، ولكن الموروث من قانون الاستثمار من النظام البائد سهل منح الأراضي للأجانب، بغطاء الاستثمار، ومن دون مراعاة لمصالح الدولة الاستراتيجية، وأمنها الغذائي الوطني، لافتاً إلى أن أي تصرف في الأراضي بذات النهج الموروث، يهدر المصلحة العامة للبلاد، بخاصة قد تستغل الأراضي في أغراض غير المعلن عنها، وذلك ما قد يحدث في الغالب الأعم.

القيادي بالمؤتمر السوداني مهدي رابح قال إن قانون استثمار الأراضي الاتحادي استنته قيادات الإنقاذ من أجل فتح باب واسع جديد للفساد الممأسس أصلاً، وهو من إبداعات العقلية الإسلاموية (الكليبتوقواطية)- اللصوصية-، ويتعارض مع الدستور والقوانين الدولية بل مع معايير الدولة العصرية الحديثة، كما أنه يستند في جوهره على مبدأ قروسطي بامتياز يتمثل في أنه، وبما أن الأرض بالضرورة هي ملك لله سبحانه وتعالى، وبما أن الله قدر للبشير أن يحكم البلاد فهو بالتالي بمثابة وكيله في الأرض له حرية التصرف فيها كما يشاء باسم مؤسسة الرئاسة.

رابح يقول للأسف الشديد تباطأت الحكومة الانتقالية في إيجاد معالجة لهذا القانون المعيب والذي في تقديري لا يقل خطورة عن قانون النظام العام الذي وجد اهتماماً كبيراً منذ بداية الفترة الانتقالية وتمت معالجته، موضحاً فإنه ينتهك مبدأ سيادة الدولة وملكيتها لأهم مواردها وهي الأرض، وإعطاء حرية التصرف بها لأشخاص أو جهات من أجل مكاسب شخصية أو سياسية ضيقة، أي من أجل شراء الولاءات أو تمتين تحالفات مشبوهة لا تتسع لها أجهزة الدولة وقنواتها الرسمية الخاضعة للرقابة بمستوياتها المختلفة، الرسمية منها والشعبية.

وفي السياق يصف الكاتب الصحفي زهير السراج اتفاق تخصيص الأراضي لتركيا بأنه نفس السياسة الخاطئة التي كان يتبعها النظام البائد ورئيسه المخلوع في توزيع أراضي السودان على الدول والمستثمرين الأجانب، ونتج عن تلك السياسة احتكار مساحات ضخمة من الأراضي الزراعية الخصبة لشركات أجنبية بدون أي منفعة للسودان”.

ويوضح السراج في مقال أن ملايين الأفدنة في السابق مُنحت لدول وشركات خليجية وعربية لم تستثمر منها الحكومة البائدة إلا القليل، واحتفظت بغالبها بدون استثمار للحصول بضمانتها على قروض مالية من البنوك الخليجية، وإيداعها في حسابات استثمارية في بنوك (هونج كونج) والتربح منها، بينما أخضعت القليل الذي استثمرته لشروطها ومزاجها.

ويضيف السراج لولا سقوط النظام البائد لتم تنفيذ الاتفاقيات السرية التي عقدها مع دولة الصين لاستئجار نصف مليون فدان في مشروع الجزيرة، ومائتي ألف فدان في الشمالية لمدة 99 عاماً، مقابل الديون الصينية على حكومة السودان التي تبلغ حوالي (11 مليار دولار) عجزت الحكومة السودانية عن سدادها، ولم يستفد منها السودان بشيء وذهبت لجيوب اللصوص.

الخاسر الأكبر

يكشف تقرير لمنظمة قرين (GRAIN) المختصة في كشف الأراضي الزراعية المنهوبة في العالم، الأراضي التي خصصت لجهات أجنبية بواسطة النظام البائد في عام 2016 فقط، كانت 780 ألف هكتار للإدارة التركية العامة للأعمال الزراعية، 132 ألف هكتار لشركة وفرة المصرية، 100 ألف هكتار لشركة حصاد القطرية، 87 ألف هكتار لشركة GLB اللبنانية، 55 ألف هكتار لشركة أمطار الإماراتية، 40 ألف هكتار للشركة السودانية المصرية للتكامل، 40 ألف هكتار لاتحاد الفلاحين المصريين، 29 ألف هكتار لصندوق أبوظبي للتنمية، 25 ألف هكتار لنادك السعودية، 20 ألف هكتار لشركة جنات التابعة لاستثمارات الراجحي السعودية، 12 ألف هكتار لشركة مجموعة بينسو البرازيلية، و(10 آلاف) هكتار لشركة المراعي السعودية.

كما تكشف دراسة علمية أجراها بروفيسور (باولو دودوريكو) بجامعة فرجينيا أن 23 في المائة من الأراضي الزراعية في السودان تم بيعها أو إيجارها لمدد طويلة جداً لمستثمرين أجانب، وهي تبلغ حوالي 10 في المائة من جملة الأراضي المستولى عليها على نطاق العالم، وأن السودان هو أكثر الدول في العالم تم الاستيلاء على أراضيها الزراعية (بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، إندونيسيا والفلبين).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى