تقارير

باعة بالسوق العربي يفترشون الصبر في نهارات رمضان

فضل الإسكافي: النظام السابق سييء جداً قسم البلاد وفتن القبائل
بائع الحقائب: لا تغيير في الوضع الاقتصادي
تاجر أحذية يتساءل: لماذا أوقفوا ضريبة الرخصة التجارية؟
سائق كريز: التعريفة يفترض أن تكون أعلى بسبب أسعار الإسبيرات
زبون: من الضروري ضبط أسعار السوق وتفعيل نظام التسعيرة
**

استطلاع – طلال الخضر
وجدته نائماً على كنبة متواضعة، يجلس عليها في العادة زبائنه، تبدو عليه إمارات التعب، لكني ما إن سلمت عليه، بعد أن استيقظ؛ حتى جلس وابتسامة رضا تشع من وجهه. اسمه فضل حسن إبراهيم، يعمل (إسكافي) جوار مسجد جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. بادرته بالسؤال: كيف رمضان، وكيف ماشي الشغل؟ فقال: الشغل يوم جيد ويوم سيئ، يوم بصل يوم عسل، لكن الصحة والعافية أهم.
وعن أحواله قال: أنا مؤجر بيت وعندي أربعة أطفال يدرسون في مختلف المراحل الدراسية كلهم أعيلهم بعملي هذا، وحين عرجت به عن أحوال البلد عامة، خاصة بعد الثورة، قال فضل القادم من مدينة الجنينة للبحث عن الرزق والاستقرار في الخرطوم: شخصياً رغم الحالة السيئة أرى أن الحكومة الحالية أفضل من السابقة، النظام السابق سيء جداً قسم البلاد وفتن القبائل مع بعضها.
أخبرني فضل مازحاً أنه لولا أنه نهار رمضان لأحضر لي شيئاً أشربه، ربما شاي ساخن، وعصير كركدي مثلج.
مضيت متمهلاً في طريقي أتأمل حركة المتسوقين القليلين، وشبح الركود العام يخيم على الأرجاء، عدم ثبات الأسعار، وارتفاعها المتوالي كل يوم يجعل المواطنين يترددون في الشراء، لعدم ثقتهم في الأسعار المتصاعدة، وأيضاً بسبب التآكل الكبير في القوى الشرائية بسبب التضخم الكبير الذي تعاني منه البلاد، إذ بلغ (342%). استطلاع عينة صغيرة من صغار الباعة قد تعكس صورة مقربة للوضع العام بالنسبة للمواطنين (باعة ومشترين)، لاسيما أن شهر رمضان من الشهور التي يستبشر بمقدمها الجميع، ويراه التجار موسماً جيداً للبيع والشراء، إلا أن الجولة الصغيرة التي نفذتها أوضحت عكس ذلك.
ركود وعزوف
واصلت جولتي الصباحية مستطلعاً، الباعة والفريشين الجائلين في منطقة السوق العربي، وحول ميدان جاكسون للمواصلات، لاحظت أن الحركة خفيفة وأرجعت ذلك إلى أن الناس لا ينشطون عادة في صباحات رمضان، وأنا أتحرك بين الباعة لفت نظري بائع كان يجلس على كرسي في منتصف الشارع، لا يستظل من حر الشمس إلا بقبعة كاب يرتديها على رأسه، أمامه طاولة ليست بالكبيرة فيها “زبيب وعصائر وقمر دين”، أخبرني أن اسمه محمد أحمد يوسف بلة، وقال لي باختصار شديد وهو يجيب عن أسئلتي: لا يوجد شغل، حركة الناس كما ترى قليلة جداً.. ولا تغيير في الوضع الاقتصادي، صافحني بقوة وهو يبتسم في وجهي ابتسامة كأنه يقول لي (الحال يغني عن السؤال)، تركته في جلسته تلك تحت أشعة شمس الصباح ومضيت نحو بائع أحذية، ذكر لي أنه رقيب في المعاش من القوات السودانية المسلحة، وأن اسمه آدم محمد معلا، محله عبارة عن طاولة كبيرة جزء منها تحت ظل مشمع مثبت ببعض أعواد القنا يقي رأسه أشعة الشمس، بينما الجزء الأكبر من محله يقبع تحت هجير الشمس، رأيته يتفاوض مع عدة زبائن حول أسعار (الشباشب)، لاحظت الدهشة على وجوه الزبائن جراء تغيير الأسعار وارتفاعها، وسمعته يخبرهم أن أسعار السوق كلها نار، يضع الزبائن (الشباشب) التي أرادوا شرائها على الطاولة وينصرفون من دون أن يشتروا شيئاً. قال لي بعد أن جلست على كرسي بجواره: ليت كل أيامنا رمضان، ثم أضاف: يفترض أن يشعر بنا المسؤولون ولو قليلاً بدلاً من أن يكتفوا بالجلوس في مكاتبهم المكيفة، ناس المواصلات لا أحد رقيب عليهم، أنا كل يوم أدفع 800 جنيه مواصلات فقط، الحمد لله لا وجود “لكشة” الآن، نحنُ وقفنا ضدهم، وأخبرناهم أن هذا رزق أولادنا ولن نفرط فيه.
صمت لبرهة ثم سألني مندهشاً: لماذا ضريبة الرخصة التجارية متوقفة؟ فهذا مصدر دخل جيد للدولة؟ فبسبب غيابها يكسب المستوردون المليارات. شكرته ومضيت في طريقي.
الرازق الله
رأيت محمد عثمان يجلس داخل مركبته الكريز، على وجهه تبدو آثار النوم لوقت متأخر والاستيقاظ مبكراً مثلما يفعل الكثيرون في شهر رمضان، وجدته ينتظر دوره ليملأ عربته بالركاب، سألته كيف العمل في رمضان، ولماذا أسعار المواصلات غالية. قال: المعايش على الله، والرازق الله، ليست أسعار المواصلات فقط الغالية كل شيء غالٍ، الآن لو أردت أن تشتري كيس سلطة وعيش فستحتاج إلى ألف جنيه. يفترض أن تكون تعريفة المواصلات أعلى من ذلك، لأن أقل عطل يحدث بالمركبة يكلفني إصلاحه 5 آلاف جنيه، وكثيراً ما أصلح عربتي بالدين. تركت سائق الكريز منتظراً الركاب، وتوجهت نحو محل لبيع الشنط. رأيت بائع الشنط يتحدث مع رجل أعمى يحمل عصى المكفوفين بيده، سألت البائع عن سير العمل، أجابني باقتضاب: الوضع سيء، لا أحد يشتري الجميع يشكو من الغلاء، وحين سألته عن اسمه رفض أن يخبرني، وقال إنه غير مهم، ههمت بالانسحاب من المكان إلا أن الرجل الأعمى أوقفني قائلاً إن لديه شيئاً يريد قوله عبر وسائل الإعلام، عرفني بنفسه قائلاً: أنا جامع محمد عليو، عضو في الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال “الجبهة الثورية” مسؤول عن المعوقين، جئت من مصر منذ ستة أشهر، كنتُ غائباً عن البلاد لمدة 8 سنين، منذ وصولي سمعت الناس يشتكون من ارتفاع الأسعار، في رأيي يفترض أن يكون هناك نظام تسعيرة، وأن تكون الأسعار مضبوطة ومكتوبة على ورق في البضائع.
وافقته الرأي حول ضرورة ضبط أسعار السوق وتفعيل آليات ونظام التسعيرة، وقبل أن أودعه سألته عن رأيه في اتفاق السلام الموقع أخيراً، فقال: حتى الآن السلام تم على الورق فقط، الحكومة لم تقم بعمل الترتيبات الأمنية، ولم تكون المجلس التشريعي، المجلس التشريعي سيكون صوت الشعب، وسيقوم بعمل قوانيين لضبط الأسعار، يجب تكوين المجلس التشريعي الآن قبل بكرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى