الرأي

انتهاكات خلال التظاهرات

على الرغم من استمرار فعاليات المرحلة النهائية للعملية السياسية، تتزايد الانتهاكات في حق المتظاهرين السلميين الرافضين للانقلاب، فيسقط القتلى والجرحى خلال التظاهرات. ولربما كان استمرار هذه الفعاليات، هو ما يحفز تزايد مثل هذه الجرائم من فلول النظام البائد، وأعداء العودة إلى الوضع الانتقالي، سعياً لنسف الجهود الرامية للحل السياسي الذي يفُضي إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بعد نهاية الفترة الانتقالية، في ظل قيادة مدنية يبتعد فيها العسكر عن ممارسة العمل السياسي.
لا مناص من تحميل السلطة الانقلابية كامل المسؤولية عن تلك الجرائم، والحديث بالصوت العالي عن ضرورة الوقف الفوري لكافة أشكال الانتهاك ضد المتظاهرين السلميين.
خلال تظاهرات الحادي والعشرين من فبراير الماضي، تم حصر (54) حالة إصابة، من بينها (4) حالات إصابة في الرأس بعبوات الغاز المسيل للدموع، و(10) حالات إصابة بالقنابل الصوتية، وإصابتان بالرصاص المطاطي، وحالات إصابة متفرقة في الجسم نتيجة التصويب المباشر لعبوات الغاز، والرشق بالحجارة، والتدافع، وحالات الاختناق.
فيما تم حصر (71) حالة إصابة خلال تظاهرات الثامن والعشرين من فبرايــر، من بينها حالة إصابة بالرصاص الحي في الصدر، أسفرت عن ارتقاء روح الشهيد (إبراهيم مجذوب). بالإضافة لحالة إصابة بالسلاح القاذف، وحالة إصابة في العين برصاص مطاطي، وحالة دهس بعربة تتبع للقوات النظامية، و(3) حالات إصابة في العين بعبوات الغاز المسيل للدموع.
قوى الحرية والتغيير شددت في بيان لها في الثامن والعشرين من فبراير الماضي، على ضرورة تقديم الضابط قاتل الشهيد (إبراهيم مجذوب) للمحاكمة العلنية المفتوحة أمام القضاء الطبيعي وليس أي قضاء خاص، سواء أكان عسكرياً أو إدارياً، وجاء في البيان: “يعزز هذا الحادث قناعتنا الراسخة بضرورة الإصلاح الأمني والعسكري للقوات النظامية وعلى رأسها الشرطة، وتأسيسها على عقيدة جديدة تقوم على احترام القانون، وحماية وخدمة المواطن”.
بينما أعربت دول أعضاء الترويكا (سفارات النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) في بيان مشترك لها، عن قلقها العميق إزاء استمرار قتل المتظاهرين السلميين، ونوه البيان إلى أنها الوفاة رقم (125) منذ أكتوبر 2021.
من الواضح أن الانقلاب فشل فشلاً واضحاً في التعامل مع الملفات الأمنية الموكولة إليه كسلطة أمر واقع، سواء فيما يتعلق بجرائم قتل المتظاهرين، أو الوضع الأمني في السودان ككل.
فقد جاء في تقرير قدّمه الأمين العام للأمم المتحدة عن الوضع الأمني في السودان وأنشطة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية نُشر الأسبوع الماضي، أنه تم تسجيل (623) حادثة أمنية، في ولايات: (النيل الأزرق، جنوب كردفان، غرب كردفان، جنوب دارفور، شمال دارفور ووسط دارفور)، خلال الفترة من الحادي والعشرين من نوفمبر من العام الماضي، وحتى الثامن عشر من فبراير الماضي.
وأدت الاشتباكات القبلية – بحسب التقرير – إلى مقتل (111) شخصاً، بينهم (7) نساء وطفل واحد، وإصابة (100) آخرين بينهم (3) نساء و(3) أطفال. كما لَقي أكثر من (300) شخص مصرعهم في (18) حادثة خلال الفترة المشمولة بالتقرير.
من نافلة القول، إن الحديث عن أي حل سياسي في المدى القريب يتنافى مع ما يصاحب التظاهرات السلمية من انتهاكات تصل لدرجة القتل على طريقة (الإعدام)، كما في حادثة مقتل الشهيد (إبراهيم مجذوب)، في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وتوجه أصابع الاتهام للعسكر بغض النظر عن واقع مؤسسات تطبيق القانون الغارقة في نظام الإنقاذ البائد، وأعداء الانتقال؛ ومهما يكن من أمر، فإن التظاهر السلمي حق انتزعه السودانيون عنوة واقتداراً، في ديسمبر المجيد، وليست هناك إمكانية ولا استعداد للتخلي عنه كواحدة من امتيازات الثورة في سودان ما بعد الإنقاذ.
وعلى الرغم من التعاطي بإيجابية – مؤخراً – من جانب (طرف من العسكر) مع حادثة اغتيال الشهيد، والتعهد بالعمل على الإيقاف الفوري لكافة الانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، وإيقاف اعتقال السياسيين، فإن العبرة دوماً بـ (الأفعال).
أما الابتزاز الذي يستخدمه الفلول في إشعال النزاعات القبيلة، وإذكاء نار الكراهية بين المجتمعات المحلية في المدن والأطراف، فتُسأل عنه ذات السلطة الانقلابية التي أعادتهم إلى مؤسسات الخدمة المدنية والحكم المحلي، بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.
حفظ الله السودان وشعب السودان..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى