تقارير

الموازنة الجديدة.. أرقام ومواقف

تقرير ــ القسم السياسي
استعرضت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي؛ أهم بنود، ومرتكزات الموازنة مع شركاء السلام، وقوى الحرية والتغيير ــ خلال الاجتماعات المستمرة ــ والتي تضمنت جلسة، عُقدت ــ ظهر أمس ــ برئاسة وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة، هبة محمد علي أحمد، وحضور العديد من الخبراء الاقتصاديين، من أطراف شركاء السلام، وذلك في إطار وضع اللمسات الأخيرة على موازنة العام المالي 2021.
وأكد الاجتماع؛ أهمية تضمين “جميع بنود اتفاقيات جوبا للسلام في الموازنة العامة”، وتطرق الاجتماع ــ أيضاً ــ لكافة بنود الموازنة، وخاصة التفاصيل الاقتصادية، لتنفيذ اتفاقيات السلام، وتمويل صناديق السلام، والمفوضيات المختصة، وتوظيف كافة موارد السودان لمصلحة جميع السودانيين. كما أكدت وزيرة المالية المكلفة؛ أهمية الإيفاء بمتطلبات السلام ــ كما وردت في اتفاقيات جوبا ــ كإحدى أولويات الموازنة، وتحسين معاش الناس في كافة انحاء البلاد.
وفي غضون الأيام المقبلة؛ تتجه الحكومة الانتقالية، لإجازة أول موازنة، بعد إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بزيادة في الإيرادات، وعجزٍ أقل من موازنة العام السابق. وتشهد مسودة الموازنة؛ اعتراضات على الأموال الضخمة، المخصصة لقطاع الأمن والدفاع، مقابل ضعف الأموال لقطاعي التعليم والصحة، الأمر الذي قاد لعرقلة إجازتها قبل نهاية العام 2020. وتهدف الموازنة ــ في مجملها ــ لتحقيق معدل نمو موجب للناتج المحلي الإجمالي، وتخفيض نسبة العجز الكلي، في الحدود الآمنة. كما تشدد على ولاية وزارة المالية على المال العام ــ بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش والأجهزة الأمنية ــ إضافة لسيطرة البنك المركزي على النقد الأجنبي.

عرض وإجازة
وقالت وزارة المالية ــ في بيان: “قُدِّمت المسودة الأولى للموازنة؛ على لجنة القطاعات الوزارية يومي 29 و30 ديسمبر الفائت، للنقاش حولها”. وأضافت: “ستُعرض الموازنة على مجلس الوزراء في 5 يناير، ومن ثم على الاجتماع المشترك بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء في 10 يناير، وعلى قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة، وشركاء السلام، قبل إجازتها النهائية من قِبل المجلس المشترك”.
في الأثناء؛ تعالى الرفض من قِبل قوى الحرية والتغيير للموزانة ــ بصيغتها الحالية ــ وأبدت اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير العديد من الملاحظات، ظهر بعضها في بيان صحفي، رافض لزيادة أسعار الكهرباء، التي تضاعفت بنسبة 500% مع حلول العام الجديد، وذلك رغم عدم إجازة الموازنة. ومن المنتظر؛ أن تجتمع قوى الحرية والتغيير، مع رئيس الوزراء، ووزيرة المالية، للتوصل لتفاهمات حول الموازنة.
ويبدو تحفظ قوى الحرية؛ من قرار وزيرة المالية، بتشكيل لجنة عليا، ضمَّت وحدات الحكومة المختلفة ــ بما في ذلك وزارة المالية ــ إلى جانب ممثلين من اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، ولجان المقاومة وشركاء السلام. إلا أن القرار لم يفعَّل، ولم يتم إشراك ممثلي قوى الحرية، وشركاء السلام، ولجان المقاومة، في النقاش على مستوى اللجان القاعدية، ومراجعة موازنة الوحدات الحكومية مع وزارة المالية.

ملامح الموازنة
وبحسب مسودة موازنة العام 2021 ــ تحصَّلت “الديمقراطي” على ملامحها الرئيسة ــ فقد استهدفت الموازنة ــ في الإطار الكلي ــ سعر الصرف للدولار، بمبلغ 55 جنيهاً، والدولار الجمركي بسعر 15 جنيهاً، ومعدل نمو بنسبة 1%، وتضخم في إطار حاجز الرقمين 95%، ونمو في عرض النقود، بنسبة لا تزيد عن الـ30%، واستدانة من النظام المصرفي، في حدود الـ52 مليار جنيه.
وتوقَّعت الموازنة؛ ارتفاع إجمالي الإيرادات لـ899,714 مليار جنيه، وإجمالي المصروفات لـ896,754 مليار جنيه، وأشارت إلى أن متوسط الزيادة في الإيرادات العامة 77%، من بينها الضرائب المباشرة، وغير المباشرة، بزيادة بنسبة 60%، بينما بلغت الزيادة في المصروفات نسبة 53%، وتوقَّعت زيادة صافي رصيد التشغيل لـ2,961 مليار جنيه، وحدوث عجزٍ كلي في الموازنة بمبلغ 73,562 مليار جنيه.
وأشارت لزيادة الصرف على قطاعي “الدفاع والأمن”؛ بزيادة ميزانية وزارة الدفاع من 32,918 مليار جنيه في 2020، إلى 89,818 مليار جنيه في 2021، بزيادة بنسبة 173%. وزيادة الميزانية المخصصة للدعم السريع من 14,500 في 2020، إلى 37,010 مليار جنيه، بنسبة زيادة 155%، وزيادة ميزانية وزارة الداخلية من 17,370 في 2020، إلى 52,535 مليار جنيه في 2021، بنسبة زيادة 202% .وقد ارتفع بند الطوارئ؛ إلى 33.777، بزيادة 138%، يشمل الأوامر المستديمة لقطاع الدفاع واللأمن، وهي مبالغ تُصرف بأوامر دون تفاصيل، وغياب تام لتفاصيل الأداء الفعلي.
وأظهرت المسودة؛ زيادة كبيرة جداً، في بند المصروفات للقطاعات غير الإنتاجية، قطاع الأجهزة السيادية، بزيادة ميزانية المجلس السيادي الانتقالي، من 2,513 مليار جنيه، في ميزانية 2020، الى 5,680 مليار جنيه، بنسبة زيادة 126%. وزيادة ميزانية مجلس الوزراء؛ من 298 مليون جنيه، إلى 2,628 مليار جنيه، بنسبة زيادة 782%. والهيئة القضائية من 3,660 مليار جنيه، إلى 10,700 مليار جنيه، بنسبة زيادة 192%، وتخصيص مبلغ 22,100 مليار جنيه لجهاز المخابرات. فضلاً عن زيادة ميزانية وزارة الخارجية؛ من 182 مليون جنيه، إلى 328 مليون جنيه، بنسبة زيادة 80%.
أما الصرف على القطاعات التنموية؛ فقد شهد زيادات في بعضها، وخفض في البعض الآخر، بزيادة قطاع الصحة من 21,049 في 2020، إلى 42,385 مليار جنيه في 2021، بزيادة 105%. وحدد لقطاع التعليم؛ مبلغ 6,235 مليار جنيه، مقارنة بميزانيته في العام 2020، والبالغة 14,869 مليار جنيه، بنسبة 58%، وإجمالي القطاع الزراعي 11,320 في 2021، مقارنة بـ6,148 مليار جنيه في 2020، بنسبة 84%. أما قطاع البني التحتية؛ فتم رصد ميزانية بمبلغ 3065 ملياراً، في 2021، مقارنة بميزانية 2020، والتي بلغت 1,927 مليار جنيه، بنسبة 59%. بينما قفزت ميزانية التنمية الى 78,363 في 2021، مقارنة بـ57,975 ملياراً في 2020 .
واستهدفت الموازنة؛ الحصول على منح بمبلغ 192,655 ملياراً، مقارنة بالمستهدفة في 2020، والمقدرة بـ105,875 مليار جنيه، بزيادة 82%.
وأكدت تلقي الحكومة لوعود؛ انعكست على الإيرادات في الموازنة، في شكل منح نقدية للمشروعات التنموية، بمبلغ 52,408 مليار جنيه، ومنح عينية بمبلغ 115,940 مليار جنيه، باجمالي 164,348 مليار جنيه .
وشهدت البنود الممركزة؛ وشراء السلع، والخدمات، زيادة بنسب عالية، حيث رُصد لبند الطوارئ مبلغ 33,777 مليار جنيه في 2021، مقارنة بـ14,220 مليار جنيه في 2020، واحتياطي سلع وخدمات؛ بمبلغ 7,500 مليار جنيه، مقارنة بـ1,510 مليارات جنيه، في 2020، بزيادة 400%.
وأشارت الموازنة؛ لارتفاع مبيعات المشتقات النفطية “بنزين، وجازولين”، بعد رفع الدعم الكلي عن الوقود إلى مبلغ 296,730 مليار جنيه، كإيرادات في الموازنة، بزيادة بلغت 616% من العام 2020 .
ووجهت اللجنة الاقتصادية لـ”قوى الحرية والتغيير”؛ انتقادات كبيرة لمشروع موازنة 2021، خاصة فيما يلي تضخم الصرف على القطاعيْن السيادي والأمني، وخلو الإيرادات من مدفوعات منظومة الصناعات الدفاعية، وعائدات لجنة إزالة التمكين، فضلاً عن تضخم الصرف على القطاعات غير الإنتاجية، علاوة على أن القطاعات التنموية، لم تجد حظها في الزيادة، مقارنة بالقطاع السيادي، والأمن، والدفاع. بل؛ إن الصرف على قطاع التعليم، تراجع عن الموزانة السابقة، بنحو سالب 55%. وسعت اللجنة الاقتصادية؛ لتخفيض ميزانية الحكم السيادي في بندي “البنود الممركزة ــ وشراء السلع والخدمات”، وزيادة ميزانية التنمية، والتعليم، ودعم صندوق بناء السلام.
من الملاحظات التي أُثيرت ــ في أروقة قوى الحرية والتغيير ــ على الموزانة، ما يتصل بالتزام الحكومة ببناء السلام، إذ أن المبلغ المرصود في موازنة 2021، وهو 13.311 لا يعكس الإلتزامات الواردة في نصوص الإتفاقية، وعدم ترك الأمر لدعم الأصدقاء والمانحين. وتبدو تحركات للدعوة لتخصيص ما لا يقل عن 7% من الإيرادات العامة للولايات المتأثرة والواردة في إتفاقية السلام لصندوق بناء السلام.
وتأتي موازنة العام 2021؛ في ظل التدهور المستمر لقيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، والذي بدوره أدى لارتفاع كبير في معدلات التضخم، وزيادة أسعار السلع الأساسية، التي يحتاجها المواطن في معاشه اليومي. وتوقَّعت وزيرة المالية؛ هبة محمد علي، أن تحقق موازنة العام 2021، معدلات نمو للناتج الإجمالي، تكون كافية لخفض معدلات البطالة، وتقليل التفاوت في توزيع الدخل.
واستبقت قوى الحرية والتغيير؛ إجازة الموازنة، وقالت إنها لا تتضمن تحرير الخبز، والأدوية، وغاز الطبخ، والكهرباء، مع إبقاء الدولار الجمركي عند سعره الحالي.

تقديرات وتحديات
وتأتي موازنة العام 2021؛ في ظل التدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية، مقابل العملات الأجنبية، والذي بدوره أدى لارتفاع كبير في معدلات التضخم، وزيادة أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن في معاشه اليومي. وتوقعت وزيرة المالية؛ هبة محمد علي، أن تحقق موازنة العام 2021، معدلات نمو للناتج الإجمالي، تكون كافية لخفض معدلات البطالة، وتقليل التفاوت في توزيع الدخل.
ويقول عضو اللجنة العليا للموازنة؛ عادل خلف الله ــ في تصريحات صُحفية ــ أن الموازنة تستند على تقديرات حقيقية، تأخذ في الحسبان، التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن تعود على الاقتصاد، بعد إزالة السودان من قائمة الإرهاب. وأوضح أن الموازنة؛ تستهدف تحقيق التوازن التنموي، وتخصيص موارد لمشروعات، تتوزَّع بطريقة عادلة على جميع ولايات البلاد.
وأقرَّت الموازنة ــ بحسب الاتفاق الذي تم في اجتماعات اللجنة العليا ــ عدم زيادة الدولار الجمركي، أو اللجوء لتعويم العملة الوطنية، والإبقاء على سعر الصرف في حدود الــ55 جنيهاً. وتتضمن الموازنة زيادة أفقية ورأسية في الضرائب، على القطاعات الإنتاجية، والتجارية، وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة، التي استفادت من النظام المعزول.
وأشار خلف الله؛ إلى أن إقرار الضريبة التصاعدية هو لمواجهة تبعات سياسات الإصلاح الاقتصادي، الذي تتحمَّل تبعاتها الفئات الضعيفة، وذوي الدخل المحدود. وأكد عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير ــ التحالف الحاكم في السودان ــ أن موازنة العام 2021، لا تتضمن أية مواصلة لسياسات التحرير الاقتصادي، ورفع الدعم عن المحروقات، وأسعار الدواء، والكهرباء، وغاز الطبخ.
في الأثناء؛ طالب حزب الأمة القومي، الحكومة بالشفافية، والوضوح مع المواطن السوداني، والبناء على توصيات المؤتمر الاقتصادي الأخير.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية لحزب الأمة القومي؛ صديق الصادق المهدي، في برنامج “حديث الناس”، الذي تبثه قناة النيل الأزرق: من المفترض؛ أن نعمل على تشكيل اقتصاد البلاد، وترتيب الأوضاع للعهد الجديد. مؤكداً أن النخبة السياسية ــ الآن ــ تعاني من ترتيب الوضع المعيشي، والوضع الأمني. داعياً للتوافق بين جميع أطراف العملية السياسية، لإدارة الاقتصاد السوداني لفائدة المواطن .
وأكد المهدي؛ ضرورة التدرج في مسألة الاصلاحات الاقتصادية، التي ينادي بها صندوق النقد الدولي، لاعتبارات تتعلَّق بالمستوى المعيشي في البلاد، وقدرته على تحمُّل هذه الإجراءات الاقتصادية. منادياً باصلاحات؛ تتوافق مع إجراءات رفع الدعم. مشيراً إلى استفادة موازنة 2021م، من الرهان الخاسر للدعم الخارج على موازنة 2020م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى