الرأي

المشروع الوطني لبناء الدولة السودانية..(1)

نضال عبدالوهاب ..
مُقدمة ضرورية :
يتفق جميع السودانين تقريباً على مجموع الفشل الذي صاحب مسيرة بناء واستقرار السودان ما بعد الاستقلال، والذي بدلاً أن يكون واحداً من أهم دول العالم على الأقل في إفريقيا لما يتميز به من سمات وموارد طبيعية واقتصادية وبشرية وموقع جغرافي مثالي يقع في قلب إفريقيا تماماً، ولما له من تاريخ حضاري عريق جداً ولما به من تنوع مناخي وسكاني وكل مقومات الدول الناجحة العظيمة، بدلاً من كل هذا تحول السودان إلى واحدة من أفقر دول العالم اقتصادياً ودائماً ما تحتل أسفل القائمة في مقاييس التدهور في التعليم والصحة والتنمية، بل حتى في النزاهة والشفافية وحقوق الإنسان.
أصبحت دولة تنتشر فيها الحروب الأهلية وتسودها النزعات الانفصالية والتي كان أبرز ملامحها انفصال ما يُعادل ثلث مساحته الجنوبية وبكل ما فيها من موارد اقتصادية وبشرية عظيمة وتاريخ مشترك.
فقد السودان في تلك الحروب الأهلية الممتدة ومنتشرة فيه سواء في الجنوب أو دارفور والشرق وجنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق، ما قبل الاستقلال مباشرة منذ العام (1955) مروراً بكل فترات الحكومات المتعاقبة فيه وإلى قيام ثورة ديسمبر العظيمة وسقوط نظام الإسلاميين في (2019) أكثر من أربعة ملايين مواطن سوداني وتم تشريد مثلهم تقريباً ما بين دول الجوار أو الذين آوتهم معسكرات النزوح.
نشأت فيه الكثير من الأجيال بلا آباء أو أسر بفعل هذه الحروب المُدمرة واللعينة، والتي امتدّ أثرها في استنزاف مستمر لاقتصاد الدولة وغياب للتنمية وتوقف للمشاريع في أغلب مساحة السودان كنتيجة مباشرة لهذه الحرب وعدم الاستقرار، وغيرها من الآثار السلبية والنفسية التي ترسخت في كل من عاشها ووقع ضررها المباشر عليه من ضحاياها الكُثر الذين يُعدوا بالملايين من أطفال وبنات وأبناء ونساء ورجال الشعب السوداني.
كانت كل تلك الحروب نتيجة مباشرة وانعكاساً حقيقياً للفشل الذي تحدثنا عنه في بداية هذه المُقدمة في إدارة السودان ولغياب الرؤية الواضحة لحُكمه وبنائه حتى يستوعب كل التنوع الموجود فيه وليستثمر كل الشعب هذا التنوع لخلق دولة عملاقة وقوية ورقم لا يمكن تجاوزه في إفريقيا وكل العالم.
إذاً نحن أمام محاولة جادة وحقيقية لوضع حلول مُستدامة توقف وإلى الأبد آلة الحرب وتصنع استقراراً وسلاماً دائماً فيه، وتمضي نحو البناء والتنمية واستنهاض كل طاقات الشعب بمختلف إثنياتهم وقبائلهم ولغاتهم ودياناتهم ومواقعهم الجغرافية فيه وأقاليمهم من أجل مستقبل أفضل لهذا الوطن العظيم السودان.
أهم ملامح المشروع الوطني السوداني:
1/هو مشروع يُشارك فيه كل السودانين دون أي تمييز.
2/مشروع يقوم على وحدة الدولة السودانية واتحاد كل أقاليمه.
3/يقوم على مبدأ نظام الحُكم الديمقراطي.
4/يقوم على مبدأ فصل الدين عن مؤسسات الدولة السياسية.
5/تتبنى فيه الدولة السودانية نظام الحُكم الفدرالي بإعطاء الولايات والأقاليم فيه سُلطات فدرالية واسعة وحقوق وتشريعات خاصة بها.
6/تعتبر كل الولايات الفدرالية تابعة لسلطة المركز التي يحددها الدستور.
7/ لا يحق لأي من ولايات السودان الفدرالية الانفصال عن الدولة السودانية بنص الدستور.
8/يتمتع كل المواطنين السودانين بحقوق متساوية وفقاً للدستور ودون أي تمييز بسبب اللون أو النوع أو العرق أو اللغة أو الدين أو المنشأ الجغرافي داخل حدود دولة السودان.
9/القوات المُسلحة السودانية تتكون من بين مجموع كل السودانين بشكل قومي وعقيدة سودانية خالصة غير جهوية أو عنصرية أوقبلية أو دينية، وتكون مهمتها الأساسية وواجبها حماية البلاد وشعبها وتأمين حدودها والدفاع عنها في حالة أي اعتداء خارجي وتخضع لسلطات السُلطة المركزية للدولة الموحدة، وليس من مهام القوات المُسلحة والجيش حُكم البلاد تحت أي مسوق وبنص الدستور ومواده ومبادئه.
10/ليس من سلطات الولايات الفدرالية أن يكون لها جيش، ولكن يمكن أن تكون لها شرطة خاصة بها تخضع لسلطات الحكومة المركزية وتحت إشرافها وقوانينها بنص الدستور.
11/في ظل النظام الديمقراطي لكل الدولة يكون القضاء مستقلاً بنص الدستور، ويحق لكل المواطنين السودانيين اللجوء للقضاء والتظلم وأخذ الحقوق وفقاً للدستور والذهاب في كل درجات التقاضي وفقاً لهيكلة القضاء ومؤسساته العدلية.
12/في النظام الديمقراطي تعتبر المحكمة الدستورية العُليا هي أعلى سُلطة قضائية بنص الدستور وقرارتها مُلزمة ونهائية.
هذه الملامح أعلاه تُعتبر في معظمها مبادئ فوق دستورية للمشروع الوطني لبناء الدولة السودانية، حيث تكون غير قابلة للإلغاء أو التعديل وتحفظ بالتالي لكل أجيال المستقبل وطن خالي من المُشكلات أو هيمنة وتغول مجموعات من الشعب على بقية الأقاليم أو الشعوب التي تعيش فيه.
هوية الدولة السودانية في المشروع الوطني السوداني :
هي هوية متعددة بنص الدستور تحمل صفة (السودانية) بنص الدستور.
نوع نظام الحُكم الديمقراطي في السودان :
نظام برلماني نيابي متعدد يتم اختياره (بالانتخاب الديمقراطي الحُر) ويتكون من ممثلين لكل الولايات الفدرالية السودانية لديه سلطات التشريع المركزية للقوانين في الاقتصاد والتعليم والصحة والعلاقات الخارجية.
وبالضرورة هذا لا يتعارض مع السلطات الفدرالية الداخلية للولايات وتشريعاتها الخاصة بنص الدستور.
الحكومة المركزية في المشروع الوطني:
يتم اختيارها وفقاً لنتائج الانتخابات الديمقراطية الحُرة من الأحزاب والقوى السياسية والمرشحين الأعلى نيلاً للأصوات وفقاً للعملية الديمقراطية.
الحكومات الفدرالية والولائية يتم تكوينها واختيارها أيضاً بالانتخاب الحُر والديمقراطي وتخضع للقوانين المركزية العامة والفدرالية الداخلية وتكون صلاحياتها فقاً للدستور.
ونواصل في تفاصيل المشروع الوطني لبناء الدولة السودانية خاصة فيما يتعلق بالمبادئ فوق الدستورية فيه وأهمية فهم لماذا هي الأفضل لتماسك واستقرار ووحدة السودان وتقدمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى