الرأي

المخلوع… فوراً إلى الجنائية الدولية

الطيب النضيف المحامي
أوكامبو (الله يطراه بالخير) كان جاداً وملتزماً بتصحيح القانون أكثر من حكومة الثورة! كان حريصاً على الحقوق الجنائية لضحايا دارفور أكثر من حكومة الثورة! فتح البلاغ وباشر بالإجراءات الجنائية ولم تباشرها حكومة الثورة! أصدر أوامر القبض ضد المخلوع وزبانيته قبل عشر سنوات ولم تقيضهم له حكومة الثورة! وقف معهم “وشال همهم” أكثر من وقفة و”شيل” حكومة الثورة! خليفته في منصب المدعي العام جاءت للسودان لتحرك ساكن الإجراءات ولم تحركها حكومة الثورة! معقول دي حكومة ثورة!؟
مما تخاف حكومة الثورة؟ وعلى ماذا تخاف؟ هل يخشى حمدوك ومجلس وزرائه والنائب العام من الجنرالات؟ هل يخافون من الكباشي والبرهان أم يخافون من مليشيات الكيزان (المدسوسة)؟ وإن قاموا بتسليم المخلوع فهل سيكسبون أم يخسرون؟ وإن كانت الأخيرة فما هي نوع الخسارة التي ستلحق بهم؟ وهل يخشون الاغتيالات أو التصفيات الجسدية التي تجيدها مليشيات الكيزان متعددة الأسماء ومتعددة الأنشطة؟
وعلى ماذا يخافون؟ إن الإنسان عندما يخاف يراعي مصالحه.. فما هي مصالح السادة الوزراء التي يخشون عليها إن قاموا بتسليم المخلوع؟ في الحقيقة ليست لديهم مراكز اقتصادية أو مالية يخشون أو يخافون عليها، إذن مما يخاف وزراء حكومة الثورة. كيف يغمض لهم جفن والقتلة منعمون مرفهون في سجن كوبر! انظروا إليهم أثناء جلسات بعض البلاغات هذه الأيام.. أين الحس الثوري، أين الهم والواجب الثوري للحكومة.. أين الحمية والالتزام الذي قطعوه للثوار بتسليم المخلوع إلى “لاهاي”! إن حكومة الثورة تدخل عامها الثالث ولم تفعل شيئاً في هذا الملف الحساس، ما هذا التلكؤ والبطء القاتل المريب!
لقد استكانت حكومة الثورة ونامت على عسل المناصب والحقائب الرسمية بجوار القتلة والسفاحين وبجوارهم القادمون الجدد “ناس اتفاقية سلام جوبا” الذين هم (يا كيزان يا أولاد عمهم)! حيث استعجل المكون العسكري التوقيع معهم، وحجز لهم كراسي السلطة والثورة.. ولا عزاء للحلو ومحمد نور! لأن ــ ناس جوبا ــ أقرب سياسياً وفكرياً للمكون العسكري، وبالتالي الكيزان من جماعة الحلو ومحمد نور، كما ساهم في إبطاء تكوين المجلس التشريعي وإنقاص نسبة قوى الحرية والتغيير فيه لصالح جماعتهم أمثال جبريل إبراهيم وغيره، وللمكون العسكري نصيب الأسد في إرهاق أعمال السلطة التنفيذية وتشتيت جهودها حتى تفشل.
إن مجرد التفكير في محاكمة المخلوع داخلياً يعتبر خيانة عظمى للثورة ولشهدائها الذين مهروها بدمائهم الطاهرة، وافدوا التغيير بأرواحهم الغالية، ولكن حكومتنا خذلتهم فلم تغير لهم شيء!
هناك سببان اجتمعا لتسليم المخلوع فوراً للجنائية الدولية.. الأول سبب أخلاقي والتزام سياسي للثورة، والثاني سبب قانوني، والأخير هو أن جرائم دارفور تعتبر ثلاثية الأبعاد (إبادة جماعية، جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية) وبهذا الوصف لا تعتبر جرائم تقليدية أو عادية مما ألفه الناس من جرائم وحوادث، فهي جرائم في غاية الخطورة والقساوة والفظاعة لما فعله جنود وضباط ومليشيات الكيزان، وتم ذلك بعلم المخلوع، فقد قام هؤلاء (النازيون الجدد) أو (قرشيو الشمال) في الأعوام “2000 إلى 2004” بأعمال القتل والحرق والاغتصاب والتطهير العرقي والتهجير القسري لمجموعة /عات من السكان المدنيين المحليين في دارفور.
إن الأفعال أعلاه تدخل تحت اختصاص قانون نظام روما (روما إستاتيوت) ولا تقع تحت قانوني الجنائي الوطني ذلك بحسبان أن تلك الجرائم وقت وقوعها لم يجرمها القانون ولم يكن منصوص عليها فيه، إن الطريقة التي اتبعها المخلوع وزبانيته في إبادة أهالي دارفور كانت بصورة ممنهجة وفي إطار هجوم واسع النطاق، مما يجعل القانون الجنائي الدولي منطبقاً عليها.
والجنائية الدولية اختصاصها فردي وشخصي، وحسب المادة “35” (من نظام روما إن اختصاصها ينعقد على الأشخاص الطبيعيين لا الأشخاص الاعتباريين.. فالأخير من اختصاص محكمة العدل الدولية وهو الفرق بين المحكمتين، فمحكمة العدل الدولية تخاطب المتهم بصفته الوظيفية والاعتبارية في دولته أو تخاطب الدول والحكومات بصفتها الاعتبارية.. بينما الجنائية الدولية تخاطب المتهم باسمه (فقط)، كما أنها لا تعتد بمسألة الحصانات ولا المراكز الوظيفية للمتهم في دولته مهما علت، ومرتكب الجريمة الدولية لا حصانة له ويعتبره قانون روما مسؤولاً بصفته الشخصية.. وبالتالي إن جرائم دارفور الثلاثة التي تحكمها المواد “6 و7 و8” لا تسقط بالتقادم وذلك حسب نص المادة “29” منه.
إن حكومة الثورة لم (تبيض وجهها) حتى الآن رغم أن البلاغ “أصلاً فتحه أوكامبو” ضد المخلوع وباقي الـ”51″ متهماً.. والمعلوم أن البلاغ ذهب إلى “لاهاي”، وفي سابقة قضائية، وذلك عن طريق مجلس الأمن عندما أصدر قراره الشهير “1593” بإحالة انتهاكات جرائم دارفور لمدعي الجنائية الدولية عام 2005، فالأمر إذن لا يكلف حكمومتنا شيء سوى تسليم المخلوع إليها بقبول الاختصاص حسب المادة “12” منه، كما وأن الأمر برمته ليس جديداً فقد سبق وأن وقَّع السودان على ميثاق روما الأساسي في (8/9/2000) ولكن المخلوع لم يصادق عليه تحسباً لمثل هذا اليوم.
لن يغفر التاريخ للحكومة تقصيرها هذا، ولن يعذرها أحد، ولن يشرفنا ولن يشرف الجندي السوداني أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة مجرماً دولياً ونتستر عليه “كمان”! أما دفاع الكباشي والبرهان وجنرالات اللجنة الأمنية عن شرف الجندية وغيره من معسول الكلام فهو دفاع عن المخلوع “الكوز” وليس المخلوع الشخص، إنهم يدافعون عن زعيم التنظيم. زعيم الحركة الإسلامية، ولو كان أي شخص غيره لبادروا بتسليمه “من زمااان”.
من ناحية أخرى لا يعيب العدالة شيئاً أن نراها تطبق من بعيد، من “لاهاي”، فيكفي تسجيل الجلسات وعرضها بالتلفزيون القومي تماماً مثل ما يحدث الآن لجلسات محاكمة مدبري انقلاب 1989 عندها يرى ذوي الضحايا وكل الشعب السوداني أن العدالة تطبق ويشاهدونها أمامهم. إن الانسياق وراء أشياء مثل محاكمته داخلياً أو مختلطة ستجهض الفكرة من أساسها وستفتح الباب ــ وفعلاً فتحتوا ــ واسعاً للكسل والتراخي في تسليمه إلى “لاهاي”، وهذا ما يقصده الكيزان وممثليهم “الفوق” من الجنرالات ونجحوا في ذلك. وما دامت حكومتنا متساهلة في أشياء جوهرية وثورية فعلى لجان المقاومة والقوى الثورية الحية أن تجهز نفسها لحسم هذا الملف بيدها، لا بيد غيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى