القيامة ونبوات الفلاسفة

جاكسون يوكي
أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ (أيوب 19: 25)
تناول مؤرخي الفلسفة فكرة النبوة الفلسفية من خلال صياغة المفاهيم التي تكشف عن تشكيل الماضي القريب أو البعيد لمستقبل الفلسفة، و”النبوة الفلسفية” إذا جاز التعبير هي طريقة مناقشة المفاهيم لتشكيل مستقبل أو واقع محتمل، هذا ما سعى إليها قديما فلاسفة ما قبل سقراط (حوالي 470-399 قبل الميلاد)، في طرح أفكارًا وتفسيرات دينية عن الطبيعة والحياة؛ ما يمكن تسميته علوم الفلسفة الروحانية وبداية البحث العلمي والتفكير المنطقي. تجد سعى فكر الفلسفة اليونانية عن حاجة الروح، إلى التحرر من العالم المادي المعيوب، إلى العالم الأبدي بعد الموت. أشهر من كتبوا في هذا الصدد، الشاعر اليوناني القديم، هوميروس (لقرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد)، يكتب عن ملاجئ النفوس، كان يعتقد أن الأرواح التي تظهر هنا في الأجساد لها ملاجئ في مكان آخر. فيثاغورس (570 – 500-490 قبل الميلاد)، عالم رياضيات يوناني، آمن بالقيامة وجادل بأن الأرواح الطاهرة ستنضم إلى سكان العوالم العليا، في حين أن الأشرار سيظلون مسجونين على الأرض، والتي سوف تغلفها لهيب النار. برغم أن تصريحات سقراط فيها إشارات إلى الحياة عبر عوالم متعددة، لكنه يؤكد ذلك من خلال القيامة هذا ما كتبه أفلاطون (428/427-توفي مابين 348/347) ونسب إلى سقراط العديد من الحجج المتعلقة بالقيامة والحياة الأبدية، إذ تحدث سقراط عن أهمية مقاومة الرغبات الجسدية من أجل الفضيلة وسيعوض هذا الحرمان بحياة أبدية سعيدة؛ وبما أن الكون يحوي ثنائية متنافرة في تضاد متعاقب دون كلل، النور الظلام، الربيع والشتاء، النهار والليل هكذا تتبع بعضهما البعض كذلك الموت يطارد الحياة، فمن الطبيعي أن يلي الموت حياة أخرى أبدية.
تحدث كل من الفيلسوف هيراكليتوس وكزنوفانس حوالي 560-480 قبل الميلاد)عن القيامة كنتيجة للأخلاق السامية، إن الأخلاق الحميدة التي يسلك بها المرء، سيمكنه من العيش بعد الموت، ولا يمكن لمن خلق الكون بشكل جميل وكلله بحبه للإنسان، لن يعيده إلى الحياة مرة أخرى بعد أن جعله يموت، سيأتي ذلك اليوم الأخير بحسب هيراقليتوس (حوالي 535-475 قبل الميلاد)، بعد سقوط النجوم على الأرض في شكل دوائر من النار. حينذاك لا مفر للأرواح الشريرة التي ستبقى في هذه النار كعقاب، بينما الطاهرة تهرب منها وترتقي مقامها إلى مساكن أعلى. يقال والكلام للمفسر (John Gill) الفيلسوف الصيني كونفوشيوس قال: ” الكلمة ستتجسد وسوف تنهض من الأرض”.
عاش أيوب الصابر في فترة أقدم من هؤلاء الفلاسفة، كان يؤمن هو الآخر بقيامة جسده في يوم من الأيام وعقيدة القيامة العامة والمكافآت والعقوبات المستقبلية، كانت موجودة بين العرب منذ الأزل، بما أن أيوب ينتمي إلى احدى القبائل العربية القديمة، وكانت جزءًا من العقيدة العامة للقبائل المختلفة من حوله؛ لذا نجده يصرح وهو في قمة ألمه «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ». (أيوب 19: 25) وسط تشكيك أصدقائه يلمحون بأن سبب تشوش علاقته مع (يَهْوَه) هي سبب معاناته. ويصرح عن معرفته بأن لديه ولي بالعبري ( Goali) أو الفادي. كان الولي هو الاسم الذي يطلق على الأقارب الذين كانوا من واجبهم الفداء أو تقديم الفدية أو الانتقام لمن وقع في دين أو عبودية أو قُتل في نزاع عائلي. أيوب مطمئن، لأن وليِّهو سينتقم له من الموت، يؤكد بشكل قاطع أنه هو نفسه يعرف، على الرغم من أنه بدى كرجل يحتضر، وفي حالة يائسة من الحياة؛ يعلم أن لديه مخلصًا حيًا وقويًا للدفاع عن قضيته، مهما اتهمه أصدقاؤه بالنفاق، أو بعدم التقوى، قد لا يتمكن من دحض كل ما قالوه، إلا أن ثقته راسخة في الفادي سيأتي ليبرئه، وسيقف كصديق له ويعيده إلى أروع من رونقه السابق.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ! (كورنثوس الأولى 15: 13)