الرأي

القراي.. تعليم الأخلاق أم تعليم النفاق

 

استنكر مجمع الفقه الإسلامي الأحاديث الشريفة الواردة في منهج التربية الإسلامية للصف الأول، وقال إنها كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق فقط، وقالوا إن هذا ليس كتاب أخلاق وإنما كتاب دين.

وعلق الدكتور عمر القراي مدير المركز القومي للمناهج أنهم رفضوا مقترح مجمع الفقه الإسلامي.

وفي حقيقة الأمر أن طلب مجمع الفقه ليس شيئا شاذا، وإنما هو امتداد لسياسات الإنقاذ التعليمية.

إن منهج الإنقاذ التعليمي قد ألغى أبواب تدريس الأحاديث الشريفة، فاختفت أحاديث كانت تدرس في منهج التربية الإسلامية قبل الإنقاذ. فقد تم تقليص الأحاديث التي تدعو إلى مكارم الأخلاق، وتم التركيز على أحاديث الفقه!

إن استنفار الطلاب لخوض الحرب الأهلية الدائرة في السودان كان أحد الأهداف المقصودة لتعليم الإنقاذ.

قال الدكتور محمد الحسن أبو شنب، أحد عرابي مناهج الإنقاذ في مقال له بمجلة التأصيل، الصادرة في ديسمبر 1994م، قال “إن أحد الموجهات التي وُضعت لتكون أساساً لتخطيط المناهج أن تفسح الخطة الدراسية المساحة الزمنية الكافية للمناشط التربوية خاصة في مجالات التدريب العسكري والدفاع الشعبي… على أن تعتبر هذه النشاطات جزءاً أصيلاً في المنهج وتكون مقوماً أساسياً في تقويم الدارس”.

وقد جعل المسؤولون أداء الخدمة الإلزامية شرطا ضروريا للقبول بالجامعات السودانية؛ بل وأكثر من ذلك فقد أغرت وزارة التعليم العالي، في إطار المساعي لاستدراج الطلاب للمشاركة في الحرب، أغرت الطلاب المشاركين بفرص إضافية؛ فقد جاء في دليل القبول لمؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي الجامعي ٢٠٠٣ – ٢٠٠٤، على سبيل المثال، تحت عنوان “قبول الدبابين والمجاهدين” النص التالي : (الدبابون والمجاهدون الذين شاركوا في نفرتين أو أكثر يتم قبولهم على نظام الدراسة على النفقة الخاصة مجاناً إذا استوفوا نسبة المنافسة التي يتم القبول بها في المنافسة على النفقة الخاصة للكلية المعنية التي تحدد بواسطة الإدارة العامة للقبول).

إنّ الهدف الذي سيتحقق تلقائيا، والذي يبدو أن المسؤولين لا يكترثون إليه، أو ربما يرغبون. فيه، هو غرس النفاق في نفوس الطلاب.

لأنّ بعض الطلاب سيدخلون معمعة الحرب فقط لنيل فرصة في مؤسسات التعليم العالي، وكان يجب أن يُساعد الطالب ليتعلم أنّ من جاهد من أجل درجات يحصل عليها أو جامعة يدخلها فجهاده إلى ما جاهد إليه .

وقطعا الذين يخططون لمناهج كهذه أرسخ في النفاق، الذي يقودون إليه الطلاب.

لذلك لم تخرج حروبات الإنقاذ الجهادية عن حرب السودانيين في جنوب السودان ولاحقا دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

انشق القيادي بالحركة الإسلامية داؤود يحيى بولاد وانضم للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق. كان بولاد رئيسا لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في السبعينات، وانشق في مطالع التسعينات عندما وجد الدم أثقل من الدين عند الإسلاميين، وحارب إخوان الأمس وحاربوه.

وقد روى عبد المحمود الكرنكي، وهو من الإسلاميين البارزين، أنه قد تم أسر بولاد بواسطة الإسلاميين واغتالوه بعد أسره، وألبسوه صليبا وهو قتيل، لاغتياله مرة أخرى. إن من يفعل ذلك لا بد أن يقصي مكارم الأخلاق من الدين ومن مناهج الدين.

هذه هي نوعية الجهاد التي عملوا على غرسها في التلاميذ. إنها أخلاق الغدر والتشويه والكذب مع سبق الإصرار والترصد.

لا شك أن عددا مقدرا من الإسلاميين قد ذهب إلى حرب الجنوب عن صدق، ظانا أنها حق وأنها جهاد إسلامي، بعد أن تم تضليلهم.

كما أن هنالك عددا مقدرا ذهب إلى تلك الجنوب ليلتقط الصور الفوتوغرافية ويسجل فيديوهات بغرض التلميع ومن ثم يصعد عبر سلم السلطة أو الثروة أو كليهما.

ومع ضمور فكرة “الوطن” عند الإسلاميين مقابل الانتماء العابر للحدود اختلط حابل المصالح الشخصية بنابل الولاءات غير الوطنية؛ تقلصت أرض الوطن باحتلال حلايب والفشقة، ولم يحرك نظام الإنقاذ ساكنا، بل لم يصدر منه ما يدل على شعوره بجرح كرامة الوطن لأنهم بلا أخلاق.

وقد أفضى ذلك في نهاية الأمر إلى أن نظام الإنقاذ لم يحارب عدوا خارجيا قط، بل أصبح يصدر الجنود السودانيين للقتال كمرتزقة في اليمن وغيرها.

يحدث ذلك كأنه شيء طبيعي بسبب ترسيخ مبدأ المصالح الشخصية تحت راية الجهاد في المنهج التعليمي. بل يتنافس كثيرون للحصول على فرصة الارتزاق في اليمن كأحد أبواب الغنى. ولا شك أن تجار الحرب يجلسون على قمة هرم السلطة في السودان الآن. بل ولغت بعض حركات الكفاح المسلح في ورطة الارتزاق هذه.

ومن علامات النفاق الأخرى التي مارسها نظام الإنقاذ، ما يتعلق بحق غير المسلمين في التعليم.

جاء في مرشد المعلم لكتاب الصف الأول – الصادر 1996م – أنّ المخطط العام لمنهج الصف الأول يتضمن في بنده الأولَ ٢٥٪ تربية إسلامية وما تبقى للغة العربية والرياضيات في البندين الثالث والرابع.

ويُلاحظ أن البند الثاني المتعلق بالتربية المسيحية لم تكتب أمامه نسبة؟! وهي قطعاً لا يمكن أن تقارب ال 25%، فإذا وضعنا في الاعتبار أنّ المنهج محوره العقيدة؛ اتضح أنّه بالنسبة للمسيحيين بلا محور!! فلماذا كتبوا “التربية المسيحية” إذا؟

إنه الخداع لعدد مقدر من السكان الذين هم شركاء أصيلون في الوطن.

إن هذا النوع من الغش لا علاقة له بالدين الإسلامي الذي علمنا أن (من غشنا فليس منا) أو كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى