الرأي

العسكر يبحثون عن ضمانات بدل المواقف المشرفة   

العسكر بدلاً من أن يبدأوا مشواراً جديداً مع الشعب يغلق صفحات تاريخهم السياسي الأسود الحالك، ويستفيدوا من مناخ ثورة ديسمبر لأقصى درجة ممكنة، فعلوا العكس. استعدوا واستمروا في الظلم والقتل والتنكيل، وكل يوم يمر عليهم يزدادون طغياناً وتجبراً وتكبراً. فترتفع بذلك تكلفة ظلمهم وطغيانهم، ويزدادون عداء للعدالة، وإصراراً على تقويضها. فيزداد الشعب إصراراً على أن يدفعوا ثمن ما فعلوا، ويزداد كرهاً للشراكة السياسية معهم، وحقداً يصعب عليه القدرة على العفو.

الثورة السودانية- ديسمبر المجيدة 2018

يجب أن نوضح أن هذا الحديث موجه لفئة محدودة من العسكر، يمثلهم البرهان وأعضاء مجلسه ومؤيدوه من الجيش. رغم أن البقية تتحمل مسؤولية التعامل مع الموقف بسلبية، إذ كان يمكنهم الاتحاد ضدهم وإزاحتهم، وتسجيل موقف تاريخي يحرر السودان والشعب من استعباد هذه المجموعة، ويصحح مسار الجيش الذي انحرف.

المهم، قادة الجيش إياهم بعدما شبعوا من الظلم والقهر والقتل والأذى، وأيقنوا أن ضغط الشارع مستمر إلى الأبد؛ أصبحوا يبحثون عن مخرج. و(من قوة عينهم) يريدون ضمانات على بياض تبعدهم عن المساءلة، وكأنهم أبرياء. بل والمحافظة على وضعهم القديم كجزء من العملية السياسية والاقتصادية، مع استمرار الشراكة الملوثة بالدم والدموع والظلم. وكأن الذين قتلوهم ليسوا بشراً، وليس لهم أهل وأحباء قلوبهم مفطورة عليهم، وكأن السودان إقطاعيات مكتوبة باسمهم لا يحق لاحد أن ينال شيئاً من موارده. تخيلوا بعد كل ما فعلوه يريدون ضمانات على بياض، ولا يريدون حتى الاعتراف والاعتذار بما فعلوا لتهدئة التفوس، هل هناك ضلال أكثر من هذا؟!

نقول للسادة قادة الجيش الذين ضحوا بالوطن والشعب من أجل رغباتهم وأهوائهم المريضة: كفاكم ضغياناً وجبروتاً وسادية، يجب أن تخطوا خطوة نحو الشعب، وتقدموا الاعتذار والندم، وتطلبوا الصفح والعفو. وإن كنتم شجعاناً بما يكفي، انتظروا النتيجة وقرار الشعب ونفذوه، أو اهربوا واتركوا قيادة الجيش لغيركم غير المدانين مثلكم. ولكن أن يكتب لكم الشعب ضمانات على بياض؛ فهذا ظلم أكبر من جرائمكم، ولن يفعلها. فهو شعب يتمسك بالعدالة، لن يهزم، ولا بد منها وإن طال الزمن.

بالله عليكم أيها العسكر قادة الانقلاب، اتقوا الله، وابحثوا عن الإنسانية التي ضاعت بداخلكم، وانعشوا ضمائركم التي ماتت، وابدأوا بالاعتذار للشعب، واستعدوا للعدالة، وقدموا للعالم تجربة أفضل من تجربة رواندا وجنوب أفريقيا. أمامكم آخر فرصة لتسجلوا آخر موقف مشرف في الدنيا، وأعتقد أن هذا أفضل من أي ضمانات أخرى، إن كنتم تعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى