الرأي

العام الدراسي يواجه احتمال تأجيل آخر في السودان

تقرير- جمال عبدالقادر البدوي
شهد العام الدراسي الجديد 2020 في السودان، تأجيلاً متكرراً أكثر من مرة، منذ 27 سبتمبر إلى 22 نوفمبر، ثم العدول عن ذلك والإبقاء على الفصول النهائية في مرحلتي الثانوي والأساس، في 11 أكتوبر الماضي، وتأجيل آخر لبقية الفصول إلى أسبوعين آخرين، تبقى منهما أسبوع واحد لبداية فتح المدارس الشامل لكل الفصول، المنتظر أن يتم يوم الأحد 6 ديسمبر، فهل يصدق الأمر هذه المرة؟
مع اقتراب الموعد الجديد، بالظروف والملابسات نفسها، تصاعدت مرة أخرى وتيرة التكهنات بتأجيل جديد آخر، بخاصة بعد شراسة هجمة الموجة الثانية من جائحة كورونا، وإطلاق حزمة كبيرة من الإجراءات والاشتراطات الصحية بواسطة والي الخرطوم، والمطالبات المتكررة للمنصة السودانية لمكافحة كورونا بإعلان الإغلاق الكامل.
خطة عمل
في المقابل، تؤكد وزارة التربية والتعليم، استعدادها لفتح المدارس مع اتخاذ التحوطات كافة، التي تمنع تعريض حياة الطلاب إلى الخطر، وتنفي وجود أي اتجاه للتأجيل، لكنها تقول في الوقت نفسه، إنها خاطبت اللجنة العليا للطوارئ ووزارة الصحة الاتحادية، حول مدى إمكانية انطلاق العام الدراسي في ظل الأوضاع الصحية المتعلقة بالجائحة.
وكشفت الوزارة، وضع خطة احترازية للحد من تعرض الطلاب للإصابة بالفيروس المستجد، وذلك بتقليص طاقة المدارس بنسبة 50 في المئة، من خلال التناوب بين الفصول الدراسية، بحيث تعمل (أربعة فصول في المدرسة في يوم، والأربعة الأخرى في اليوم التالي)، لتصبح أيام الدراسة لكل الصفوف ثلاثة فقط بدلاً من ستة في الأسبوع، وذلك باستثناء الفصلين الثامن لمرحلة الأساس والثالث الثانوي، إذ تستمر الدراسة فيهما طوال أيام الأسبوع، مع التزام الوزارة توفير الكمامات لطلاب جميع الصفوف في المرحلتين عبر مخاطبة عدد من الجهات.
إقرار وزاري
وأقر وزير التربية والتعليم محمد الأمين التوم، بصعوبات عدة تواجه العام الدراسي، ووصفه بأنه يمثل عام التحدي للعملية التعليمية، نسبة للظروف والأوضاع الصعبة التي تعانيها البلاد من أزمة مواصلات، وأزمة الخبز والغلاء الفاحش للمعيشة، مؤكداً بالقول، “نحن مستعدون لفتح المدارس، إذا أكدت السلطات الصحية أن الوضع آمن، ولن نعرض الطلاب للخطر لحرصنا على سلامتهم”.
وكشف التوم، عن مشكلات في طباعة الكتاب المدرسي، على رغم إنجاز جزء كبير من كتب الصفين الأول والثالث أساس، مبيناً أن الوزارة تتابع موضوع الوجبة المدرسية بصورة يومية، وإذا فشلت في توفيرها في ظل أزمة المواصلات، فالعام الدراسي سيواجه صعوبات كثيرة.

الخطة البديلة
وحول ما راج عن بداية العام الدراسي في موعده المحدد، عبر المنصات الإعلامية، والقنوات الفضائية والبث الإذاعي المشترك عبر موجات (إف. إم)، أوضح وزير التعليم، أن ذلك لن يكون بديلاً عن العام الدراسي، لكنه يمثل الخطة (ب) في حال رأت وزارة الصحة أن الوضع الصحي لا يسمح بفتح المدارس، مشيراً إلى أن ما أسماه الخطة البديلة، وتسليم الواجبات المنزلية بداية السنة الدراسية.
وبينما ربطت تماضر عوض الكريم، وكيلة وزارة التربية والتعليم الاتحادية، بداية العام الدراسي الجديد بالوضع الصحي ومدى الالتزام بالاشتراطات الصحية، صححت ما تداولته وسائط التواصل الاجتماعي بشأن استخدام المنصات الإعلامية المتعددة للدراسة، بأنه فقط لمراجعة الدروس السابقة وربط الطلاب بالمدارس، وتنشيط ذاكرتهم، وليس استئنافاً للدارسة كما هو متداول.
وأكدت الوكيلة، أن 60 ألف جهاز راديو سيتم توزيعها على الطلاب في الأرياف للغرض نفسه.
انهيار النظام
من جانبه حذر الدكتور الأمين عبد القادر وزير التربية والتعليم الأسبق، في ولاية الخرطوم من مغبة انهيار النظام التعليمي والتربوي في ظل التحديات الكبيرة، والأزمة الراهنة التي يواجهها العام الدراسي، وعبر عن عدم تفاؤله بسلامة العملية التربوية في حال فتحت المدارس أبوابها في الموعد المحدد، مشيراً إلى أن هذه الأزمة ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى العام 2000، وترتبط بمديونيات السودان لدى مؤسسات ومصارف دولية مهتمة بتمويل التعليم.
وأوضح عبد القادر، أن كل يوم تأخير من العام الدراسي له تبعاته الآنية والمستقبلية، وأن هناك معوقات كبيرة تواجهه، بخلاف جائحة كورونا، أهمها الخلل الكبير في البيئة المدرسية، من حيث تكدس الفصول والضائقة المعيشية وانعدام المواصلات، ما يعد بيئة غير مواتية ولا تتناسب مع سياسة التعايش مع الجائحة، وتساعد على تسرب التلاميذ، إما تحت الضغوط الاقتصادية والأعباء التي تثقل كاهل أُسر الطلاب، أو مخاوف العدوى وما يترتب عليها من آثار قد تجعل المدارس بؤراً لتفشي الوباء.
صعوبات التعليم
استبعد الوزير السابق، نجاح التعليم عن بُعد كأحد الحلول البديلة، لأنه يفتقد أيضاً إلى البيئة التحتية الملائمة، نظراً لارتفاع تكلفته، فعلى سبيل المثال بلغ سعر جهاز “اللابتوب” 90 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 380 دولاراً بالسعر الموازي)، فضلاً عن مشكلات أخرى مرتبطة بعدم استقرار الكهرباء والإنترنت.
ونوه عبد القادر، إلى أن اعتماد المنصات الإعلامية لبداية العام الدراسي، سيجتزئ العملية التعليمية التربوية وينسف تكاملها لعدم توفر بقية أركانها، فهي وسائل مساعدة ومكملة، لكنها لن تحل محل المدرسة بأي حال، مقترحاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أن تعمل المدارس بنظام الفترتين الصباحية والمسائية، لحل مخاوف الاكتظاظ، على رغم كونها ستكون مرهقة لكل أطراف العملية التعليمية.
وأضاف، “بقيت من العام الدراسي في وضعه الطبيعي أشهر قليلة جداً، وقد أدى تأجيله المتكرر إلى ظواهر خطرة، أبرزها الزيادة في أعمار الطلاب بالنسبة إلى سن الدراسة، فضلاً عن ظهور مشكلات أخرى ترتبط بازدياد ظاهرة التسرب والعزوف عن الدراسة، سواء لأسباب اقتصادية نتيجة الضغوط المعيشية، أو لأسباب اجتماعية أو حتى نفسية”.
مشكلات متداخلة
في السياق، أبدى الدسوقي أحمد الشيخ، الموجه التربوي السابق، عدم تفاؤله ببداية العام الدراسي، وتساءل “كيف يبدأ العام الدراسي بعد أسبوع والكتاب المدرسي غير متوفر وتحتاج البلاد إلى طباعة ملايين الكتب، كما أن البيئة المدرسية بعد كارثة الفيضانات تحتاج إلى معالجات وإصلاحات كبيرة، بخاصة في المدارس الريفية، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الحالية، وعدم توفر متطلبات الحياة الضرورية التي لا تشجع الطلاب على المواظبة والتحصيل في ظل الظروف المعيشية التي تعانيها أسرهم”.
المدارس الخاصة
وجددت وزارة التربية والتعليم في بيان صحافي، تمسكها بإعلانها مجانية التعليم والكتاب المدرسي والوجبة المدرسية لتلاميذ الأساس، ومنع فرض أي رسوم دراسية في المدارس الحكومية، باعتباره أحد موجهات وأهداف ثورة ديسمبر باتفاق والتزام مكونات حكومة الفترة الانتقالية، مشيرة إلى تأكيد موازنة 2020 على كل ذلك، إلى جانب مضاعفة الصرف على قطاع التعليم في الدولة، من خلال تخصيص نسبة 2 في المئة بدلاً عن 1 في المئة من التحويلات الجارية للولايات.
على الصعيد نفسه، تدور مواجهة حادة بين وزارة التربية والتعليم والمدارس الخاصة، بسبب الرسوم الدراسية العالية على الطلاب، ومضاعفتها بنسبة أكثر من 250 بالمئة عن العام السابق، ما اضطر عددا من الطلاب للتحول عنها إلى مدارس حكومية، وتطورت تلك المواجهة إلى سحب الوزارة تراخيص أكثر من 200 مدرسة خاصة، وتحولت المواجهة المستمرة حتى الآن إلى ساحة القضاء.
الآباء والطلاب
ويشكو عدد من أولياء الأمور عدم قدرتهم على تحمل متطلبات الدراسة، من تكاليف المواصلات والوجبات والاحتياجات الدراسية الأُخرى، بعد تضاعف أسعارها بنسبة 220 في المئة، وأن بعض الأسر التي لديها أكثر من طالب، قد تضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة باستمرار طالب واحد فقط في الدراسة وتجميد دراسة الآخرين، بينما وصف بعض الطلاب الوضع الحالي بالصعب، ما قد يدفع بعضهم، إما إلى ترك الدراسة أو تأجيل العام.
*نقلا عن “اندبنت عربية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى