تقارير

الطوارئ من الفاشر إلى مدني.. اعتقال الثورة المضادة

الديمقراطي- أم زين آدم
القصة الشعبية الأكثر ذيوعا بمدينة الأبيض، أن والد أحد التلاميذ ممن شارك في أعمال السلب والنهب في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة الأسبوع الماضي، أرجع جوال الدقيق الذي أخذه ابنه أثناء أعمال الشغب إلى صاحب المتجر المنهوب في السوق، واعتذر عن سلوك الابن المشين، ونفى أن تكون أسرته جائعة وفي حالة مسغبة وعوز. وقال إن ابنه غرر به من قبل رفقاء سوءؤ.
بداية ونهاية
انتهت قصة التلميذ برد جوال الدقيق إلى صاحبه، بيد أن تداعي الأحداث تلك لم ينته بعد، وثمة خيوط متناسلة ومتشابكة تقود إلى رفقاء سوء أكبر، حسبما أوردت صحف الأمس عن إصدار (77) أمر قبض من النيابة العامة ضد منسوبي النظام البائد. وجاء في متن الخبر أن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 ومحاربة الفساد، دونت بلاغا بالرقم (1977) لسنة 2021 ضد عناصر من النظام المباد، متورطة في أحداث الفوضى الأخيرة، وقالت اللجنة إنها تمتلك معلومات تؤكد تورطهم في عمليات الحرق والنهب التي صاحبت الاحتجاجات الأخيرة في القضارف والأبيض والرهد وأم روابة والفاشر ونيالا والضعين. ووفقا لذلك سيتم التعامل مع المتورطين في تلك الأحداث بموجب المواد (13 ,14) من قانون تفكيك التمكين والمواد (35 و36 و37) من قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال لسنة 2014 ، والمواد (50و51) من القانون الجنائي لسنة 1991 تعديل 2020.
شهدت تلك المدن أعمال شغب وعنف غير مسبوقين، في شوارع لا تزال تهتف باسم ثورة ديسمبر المجيدة، ورايات المطالبة بالقصاص لشهدائها ترفرف عالية في فضاء البلاد من أدناها إلى إقصاها، شعارها (الجوع ولا الكيزان)، بيد أن هؤلاء أشعلوا النيران في دواوين الحكومة وأتلفوا مستندات رسمية، ونهبوا الأسواق، تحت لافتة ثورة الجياع، فجاءت المقارنات واسعة في منصات التواصل بين سلوك من خرج في ثورة ديسمبر ومن خرج في نهار فبراير بذريعة الجوع، بسبب الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار السلع الضرورية، وندرة رغيف الخبز، وهي واحدة من أسباب اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة؛ بيد أن الشوارع لم تشهد أعمال لصوصية طوال فترة الثورة العارمة من ديمسبر إلى أبريل وما تلاها.
وميض تحت الرماد
القضارف بالرغم من التوتر في المنطقة مع إثيوبيا ونزاع الحدود، وهي على مرمى حجر منه إلا أنها كانت مستقرة وهادئة قبل الأحداث الأخيرة، وروى شهود عيان أن ما حدث كان أبعد من التصور، إذ اندفع المحتجون من أطراف المدينة، وسرعان ما سرت أعمال الشغب والحرق والنهب، وثمة أصوات ارتفعت بالمطالبة بإقالة الوالي حماد سليمان، واتجهت حكومة الولاية إلى إغلاق السوق لمدة (48) ساعة لاحتواء الشغب وبسط هيبة الحكومة وإعادة الاستقرار، واليوم عاد الهدوء مجددا إلى المدينة، وأفاد الصحفي سليمان مختار أن هناك استقرارا في المدينة نتج عن الإجراءات التي فرضتها الولاية بتأمين المنشآت، والقبض على عدد من المتفلتين ومثيري الشغب، من بينهم (30) دون سن الـ(18) عاما، محتجزون بالحراسات، بجانب قائمة من خمسين من منسوبي النظام البائد متهمون بالتورط في أعمال الشغب التي شهدتها المدينة، ألقى القبض على عشرين منهم من بينهم عبد القادر محمد علي رئيس حزب المؤتمر الوطني السابق، ومعتمدين ودستورين. ويرى مختار أن الاحتجاجات التي شهدتها القضارف كانت موضوعية بيد أنه تم استغلالها من منسوبي النظام البائد.
من القضارف إلى الفاشر، القصة لم تنته، فعلى خلفية تداعيات مقتل المزارع مهدي مطر، في الخامس من فبراير الجاري، بمنطقة كيلو (17) شرق مدينة الفاشر، على يد رعاة أبالة، عمدوا على إدخال الإبل داخل مزرعته، وكان مصير المزارع حين احتج على ذلك رصاصة أردته قتيلا، احتج أهل القتيل وجمعوا الإبل الراعية في المنطقة، وتم إدخالها إلى مدينة الفاشر بقصد معرفة الجناة، وأعلنت السلطات إلقاء القبض على ثلاثة رعاة على خلفية الجريمة، بيد أن مسلحين حضروا إلى منطقة الإبل المحجوزة، وذهبوا بها بالرغم من حراسة المكان من قبل القوات المشتركة، مما أوغر صدور أهل القتيل فأغلقوا الطريق القومي في مدخل المدينة، وتجمعوا للاحتجاج ضد ما اعتبروه تسترا من الحكومة على الجناة، وأصيب (13) من أهل القتيل واسعفوا إلى المستشفى، وعلى خلفية تلك الاحتجاجات روت الإعلامية عائدة عبد القادر في حديثها مع (الديمقراطي)، أن هناك من تسلل بين المحتجين وعمد إلى استغلال تلك الأحداث حيث وصلوا إلى أمانة الحكومة، وإلى مبنى النيابة العامة وديوان شؤون الخدمة وتم إحراق الثلاثة مكاتب الأخيرة تمام وإلحاق تلف كبير بالمستندات، بجانب حرق خمسين عربة حكومية، ولا تزال اللجان تعمل على حصر الخسائر، وفي مؤتمر صحفي أوضح والي الولاية محمد حسن عربي إن ما حدث عمل مرتب ومنظم، وهو عمل سياسي غير سلمي، قائم على الإخلال بالسلامة لإفشال الفترة الانتقالية. ويرى مراقبون أن الوالي عربي له ضلع فيما جرى لجهة احتفاظه بكوادر المؤتمر الوطني ومنسوبيه، في أهم مواقع الحكومة في مقدمتها وزارة المالية، وديوان الزكاة والتأمين الصحي ومفوضية العمل الإنساني، بكامل صلاحياتهم.
الضعين شرقا
المهندس علي السنوسي الناشط السياسي وعضو منظمة إنهاء الإفلات من العقاب، في قصته لـ(الديمقراطي) قال إن ما حدث في ولاية شرق دارفور فيه جانب من الموضوعية وفيه أيضا استغلال كبير ومنظم من قبل منسوبي النظام البائد، وأن واقع شرق درفور مختلف لجهة أن الغلاء فيها مستفحل منذ فترة طويلة، وأن البضائع فيها أسعارها مضاعفة مقارنة مع ولايات دارفور مجتمعة، إذ تبعد الولاية من الطرق المعبدة والرئيسية للنقل، فأقرب طريق معبد لها من جهة الغرب طريق نيالا، ومن الشرق طريق الفولة، وطريق النهود من جهة الشمال الشرقي وأم كدادة شمالا وكلها طرق بعيدة، وترتب على بعدها مضاعفة الأسعار في الفترة الأخيرة، وأشار أن يلاحظ أن الأحداث تحرك في هذه الولاية من قبل أطراف على مستوى المركز يستغلون الأوضاع المتردية، وأوضح السنوسي لأن مسيرة الزحف الأخضر التي نظمت ضد الحكومة الانتقالية، رتبت من شرق دارفور انطلاقا من محليتي أبو جابرة وأم مطارق ببحر العرب، وبعد القبض على أنس عمر وسجنه انقطع الاتصال بين المحليتين والمركز. وقال إن الولاية لا تشهد أعمال شغب مثل التي جرت الأسبوع المنصرم في العادة، إلا على خلفية النزاعات القبلية المعروفة، بيد أن الانفلات الأخير بدأ بمحلية أم مطارق ووقعت أحداث التخريب، وهو عمل منظم حرقت فيه المحلية وديوان الزكاة حرقا كاملا ومبنى الإذاعة والأرشيف والعربات وملفات العاملين وهناك أجهزة بث واستقبال باهظة الثمن أحرقت تماما، وكذلك تم اتلاف ونهب مخازن السكة حديد ومخازن المالية وهي أكبر مخازن للدقيق في الولاية كما تم نهب ديوان الزكاة. وقال السنوسي إن أصابع الاتهام وجهت في نهب السلع للنازحين بمعسكر النيل شمال السكة حديد، وإن الوالي سعى إلى إقالة مدير المعسكر والذي تمسك بمنصبه بحجة أن تعيينه تم من قبل المجتمع الدولي (الخواجات). وأفاد السنوسي أن هناك خمسة أشخاص لقوا مصرعهم في تلك الأحداث وهم نظامي (ضابط أمنية تابع لشرطة المحاكم) وطفل وأربعة مواطنين، وبلغ عدد الجرحى (23)، فيما ألقت النيابة القبض على (15) متهما في الحراسة دون توجيه تهم، تم الإفراج عن كافة الطلاب الذين اعتقلوا لمشاركتهم في تلك الأحداث بعد كتابتهم تعهدات أمام النيابة. فيما تعكف اللجان في تقييم الخسائر والأضرار.
طوارئ واعتقالات
اتساقا مع ما وقع من عنف وشغب وحرق ونهب وسلب، أصدر والي الجزيرة عبد الله إدريس الكنين قرارا بإعلان حالة الطوارئ بالولاية ابتداء من منتصف ليلة الخميس الماضي إلى حين اشعار آخر، ودعا الأجهزة الأمنية والشرطية لاتخاذ الحيطة والحذر لحماية ممتلكات وأرواح المواطنين، وطالب المواطنين بالتبليغ الفوري عن أماكن تجمعات عناصر ومنسوبي النظام المباد، ومحتكري السلع، كما أعلنت ولاية سنار حالة الطوارئ تحسبا لتحركات عناصر النظام المباد لإثارة الفوضى والشغب، وقرر والي غرب كردفان حماد عبد الرحمن صالح اتخاذ إجراءات جنائية بواسطة النيابة العامة ضد المحرضين والمشاركين في أعمال الشغب من منسوبي النظام المباد. وأيضا اتخذت ولاية شمال كردفان إجراءات مطاردة أرباب النظام البائد المتورطين في أعمال الشغب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى