الرأي

الشراكة المرة

واحدة من أكثر القضايا التي تشغل بال الشعب بعد ثورة ديسمبر وتثير قلقه بل وتجعله يحبس أنفاسه في انتظار انقضاء الفترة الانتقالية بسلام، هي الخوف من شراكة العسكر التي فرضها وضع السودان المعقد والمعسكر، وما كان لهذه الشراكة أن تقوم لولا أن العسكر يمسكون البلد من (اليد البتوجع) وعليه أي محاولة لتحريرها بالقوة سيعرضها لخطر محقق، وفي الحقيقة الحصول على حكم مدني كامل الدسم بسرعة وبعد حكم عسكري أخذ أكثر من خمسين سنة من عمر السودان المستقل أمر صعب ويحتاج الى الحكمة والتريث، ولذلك علينا كشعب أن نصبر على جيشنا ونحتسب وجوده في الحكم حتى نصل الى ما نريد بأقل الخسائر.
السيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كثيراً ما تحدث عن العلاقة مع العسكر بأنها مهمة ولابد من تحمل مشاكلها ومعالجتها من أجل السودان، أبداً لم يسىء إليها رغم أنه أكثر الناس معرفة بمرارتها، أول أمس عاد ليؤكد على هذا الأمر مرة أخرى في اللقاء الذي أجراه معه التلفزيون القومي والذي تطرق لعدد من المواضيع التي تشغل بال المواطنين بما فيها العلاقة بين المدنيين والعسكر ولم يخرج رده عما كان يقوله، بل أكد أنهم يعملون على تطوير العلاقة بصبر نابع من رغبتهم في تجنيب البلد شر الانزلاق إلى مصائر شعوب حولنا لم تستطع إدارة هذه العلاقة بما يسمح بتطورها، والتطور هذا معناه وصول العكسر الى قناعة بأن هناك وضع طبيعي يجب أن تحكم به الدولة ووضع طبيعي يجب أن يعود إليه الجيش، وقال إن أي شخص يتخيل أن البلد يمكن أن تدار بفصيل واحد في هذه الفترة واهم ويبسط الأمور.
وحقيقة حديث حمدوك منطقي وعقلاني، ومن ينظر الى مصير ليبيا ودول أخرى يمكنه أن يتخيل حالنا إن لم يتنازل المدنيون من أجل أن يبقى العسكريون في الحكم وهم أصلاً مسيطرون عليها إلى حد كبير، وبما أن السودان بلد مليء بالجيوش التي خلفها النظام المخلوع؛ كنا سنكون نموذجاً آخر للدول التي تحكمها عدد من الحكومات تتصارع فيما بينها وتركت القضية الأساسية التي من أجلها ثار الشعب.
الأسئلة المهم التي تطرح نفسها لماذا لا يمنح المكون العسكري هذه العلاقة نفس الاحترام والتقدير كما يفعل المكون المدني؟ ولماذا لا يرى لها قيمة مثل حمدوك؟ ولماذا يصر دائماً على عدم رسم صورة مستقبلية لها ويسعى الى طلب التفويض من الشعب ويصف الشركاء المدنيين بالفشل وينتقدهم باستمرار بشكل مباشر أو غير مباشر؟ وليس حديث كباشي عن اتفاق السلام بأنه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق؛ إلا دليل على ضيق صدر العسكر بالشراكة، وهذا بلا شك ينم عن عدم تقدير للمصلحة العامة واعتراض عليها.
حقيقة أن تكون هناك شراكة بين عسكريين ومدنيين لإدارة الدولة سياسياً بلا شك ستكون (مُرّة) ولكن ليس أمرّ من الانزلاق الى الحروب أو العودة الى نقطة الانقلابات العسكرية.
خلاصة القول؛ لا يوجد حل يخرج البلد من مأزقها غير أن تستمر هذه الشراكة المرة وستزول مرارتها بالتدريج فيقتنع العسكر أن الأنفع لهم هو العودة الى ثكناتهم والالتزام بمهامهم المعروفة وحراسة الطريق الى الديمقراطية وحمايتها بعد الوصول وحماية الدولة، وحقيقة ليس هناك عمل أجل من هذا يمكن أن يقوم به الجيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى