السودان وتغير المناخ.. الحرب التي يجب أن ننتصر فيها
تقرير- محمد عبد العزيز
توقعت الأمم المتحدة ارتفاع متوسط درجات الحرارة في السودان إلى ثلاث درجات مئوية بحلول عام 2050، وانخفاض نسبة هطول الأمطار إلى (4%) خلال كل عقد.
يتذيل السودان قائمة التصنيف العالمي للغذاء، والدولة السابعة التي تأثرت بصدمات التغير المناخي، والدولة رقم (14) في الجاهزية لتلك الصدمات. كما يصنف بأنه يقع في حد الفقر المائي بحسب نصيب الفرد من المياه، والذي يصل لنحو ألف متر مكعب سنوياً بالرغم من تعدد مصادر المياه.
وقالت نائبة الممثل الخاص للأمين العام، المنسقة المقيمة، ومنسقة الشؤون الإنسانية، خاردياتا لو ندياي، في رسالة، اليوم «الأحد»، بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، إن السودان سيشهد زيادة في وتيرة موجات الجفاف والفيضانات على حد سواء، ما يؤثر في التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، ويلحق أضراراً بالنساء والفتيات أكثر من غيرهن. ويصادف الاحتفال باليوم العالمي للبيئة هذا العام مرور خمسين عامًا على انعقاد أول مؤتمر دولي حول البيئة عام 1972 في ستوكهولم، كما يصادف الذكرى الخمسين لتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
يتأثر أكثر من ثلاثة مليارات نسمة حالياً من نظم إيكولوجية متدهورة، كما أن التلوث مسؤول عن حوالي تسعة ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام. ويواجه أكثر من مليون من الأنواع النباتية والحيوانية خطر الانقراض، وكثير منها سينقرض في غضون عقود.
يتم الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في الخامس من يونيو، ويحمل احتفال عام 2022 شعار “لا نملك سوى أرض واحدة”، يهدف للدعوة إلى إحداث تغييرات تحويلية في السياسات والاختيارات لتمكين العيش في وئام مع الطبيعة بصورة أنظف وأكثر مراعاة للبيئة وأكثر استدامة.
أرض واحدة
أوضحت السنغالية ندياي أنه بعد مرور خمسين عامًا، ظل شعار “لا نملك سوى أرض واحدة” موضوعاً للاحتفال باليوم العالمي للبيئة هذا العام، في ظل الأزمات الثلاث التي تهدد الكوكب وهي: تغيير المناخ، التلوث والنفايات، وفقدان التنوع البيولوجي.
واعتبرت ندياي أن التصدي لحالة الطوارئ المناخية يمثل تحديًا عالميًا يتطلب حلولًا عالمية ومحلية، وأضافت: “في يوم البيئة العالمي، دعونا نعترف بقوة أثر العمل الجماعي في إحداث التغيير الجذري الذي يحتاجه كوكبنا للحد من تغير المناخ وتجنب الانهيار البيئي”. وأردفت: “”لا نملك سوى أرض واحدة، فلنعمل معًا على حمايتها قبل فوات الأوان”.
يُحتفل باليوم العالمي للبيئة لعام 2022 تحت شعار “لا نملك سوى أرض واحدة”، للدعوة إلى إحداث تغييرات تحويلية في السياسات والاختيارات لتمكين العيش في وئام مع الطبيعة بصورة أنظف وأكثر مراعاة للبيئة وأكثر استدامة. لا نملك سوى هذا الكوكب فهو موطننا الوحيد، وعلينا حماية موارده المحدودة.
وكان شعار “لا نملك سوى أرض واحدة” هو شعار مؤتمر ستوكهولم لعام 1972، الذي شهد إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وبعد مرور خمسين عاماً، مع الأزمات الكوكبية الثلاث، وهي: تغير المناخ، فقدان التنوع البيولوجي، واستمرار تعرض كوكبنا للخطر من جراء التلوث والنفايات، أصبح الشعار وثيق الصلة أكثر من أي وقت مضى.
تداعيات خطيرة
ارتفاع متوسط درجات الحرارة في السودان إلى ثلاث درجات مئوية بحلول عام 2050 –أعلى معدل في شرق أفريقيا- وانخفاض نسبة هطول الأمطار إلى (4%) خلال كل عقد، له تداعيات خطيرة على السودان، وستؤدي لانخفاض ناتجه المحلي بما يصل إلى (64%) بسبب التطرف في مستويات الأمطار والجفاف، وهو ما ينعكس على النشاط الزراعي والرعوي، وما يشكل الجزء الأكبر من دخل غالب السكان.
وتمتد التأثيرات لتصل للجانب الصحي مع تزايد الأمراض المعدية، خاصة الملاريا التي تتزايد مع ارتفاع درجة الحرارة.
حذّر تقرير عن محادثات “كوب26” المرتبطة بالمناخ في غلاسكو، من أن السودان على رأس الدول الـ (65) الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم. وبحسب التقرير ستشهد تلك الدول انخفاضاً في إجمالي ناتجها الداخلي بمعدل (20%) بحلول العام 2050 و(64%) بحلول 2100 إذا ارتفعت درجة حرارة العالم بـ (2.9) درجة مئوية.
مُدير البرنامج القطري للأمم المتحدة للبيئة، أتيلا أوراس، قال في تصريح لـ (الديمقراطي) إن التغير المناخي مهدد متعدد، وحالياً يعتبر مشكلة بيئية، لكنه أكثر من ذلك، فهو مشكلة تنموية، وتهديد أمني.
أوراس يشير إلى أن ما نراه في السودان من ارتفاع درجات الحرارة، والتغيير الكبير في معدلات الأمطار ومواسمها من زيادة ونقصان، زيادة الجفاف، زيادة الفيضانات، له تأثير كبير، وينعكس على حياة السكان المحليين سواء مزارعين أو رعاة مما يدفعهم للتنقل من مكان إلى آخر، ومن الممكن أن يكون هذا نواة للمشاكل.
جاء في الدراسة التي أعدّتها منظمة “كرستيان أيد” أنه حتى وإن تم الحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم لتبقى عند (1.5) درجة مئوية، أي الهدف الأكثر طموحاً ضمن اتفاقية باريس للمناخ، فإن إجمالي الناتج الداخلي لهذه الدول سيتراجع بنسبة (13%) بحلول 2050 و(33%) بحلول نهاية القرن الحالي.
وقالت مارينا أندريفيتش من جامعة “هومبولت” في برلين، التي لعبت دوراً أساسياً في صياغة التقرير، إن “قدرة الدول الواقعة في جنوب الكرة الأرضية على التنمية بشكل مستدام معرّضة للخطر الشديد”. أضافت: “تعد الخيارات في السياسات التي نقوم بها الآن مفصلية لمنع وقوع مزيد من الأضرار”.
أكثر هشاشة
منذ نحو عامين، حذرت مديرة مشروع تمويل التصدي لمخاطر المناخ بالسودان، راشدة حسن دفع الله، من تأثر البلاد بشدة جراء التغيرات المناخية، ما يجعلها في وضع أكثر هشاشة رغم ثراء مواردها. مضيفة أن الجفاف بات خطراً يهدد قطاعي الزراعي والرعي، لا سيما في المناطق الريفية بالبلاد.
وأضافت راشدة دفع الله: “زيادة موجات الجفاف والفيضانات ستؤدي إلى ضياع الكثير من الموارد، خاصة أن تغير درجات الحرارة وأنماط هطل الأمطار يضران بالمحاصيل الزراعية ومعدلات نموها”.
وفي أغسطس 2020، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقديم صندوق المناخ الأخضر منحة مالية للسودان بقيمة (25.5) مليون دولار، لمواجهة التغير المناخي. وتهدف المنحة الأممية إلى دعم قطاعات الزراعة والصحة والأمن المائي والغذائي، إذ يصل عدد المستفيدين منها حوالي (3.7) ملايين شخص في (9) ولايات سودانية، إلا أن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر تسبب في عزلة دولية، وفقدت البلاد للكثير من المنح والمساعدات.
وحذرت الناشطة السودانية في مجال المناخ، نسرين الصائم، أمام قمة المناخ المنعقدة في غلاسكو من الانقلابات العسكرية، وقالت إنها تعطل التنمية المستدامة، مشيرة إلى ما يحدث في السودان من أحداث، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على البيئة، ومشيرة إلى أن ذلك لا يقل أهمية عن الحرية والسلام والعدالة التي تطالب بها الشعوب.
وفي أبريل الماضي، قدر برنامج الغذاء العالمي أن عدد الأشخاص في السودان الذين يعانون من مستويات الجوع التي ستجبرهم على بيع الأصول الأساسية، أو الذين لن يكون لديهم المزيد للبيع، سيتضاعف بحلول سبتمبر إلى (18) مليونًا.
ويرى أتيلا أوراس أن تأثير تغير المناخ في السودان مختلف ليس له مثيل في مكان آخر، أو لتطبيق نموذج من دولة أخرى لخلق حلول. لذلك من المهم لفاعلين مختلفين أن يجلسوا مع بعضهم لتقييم الأوضاع وإيجاد حلول متكاملة لحل المشاكل. مضيفاً: “إيجاد حل واحد أو احتواء مشكلة واحدة لا تعتبر حلاً لتغير المناخ. تغير المناخ مشكلة تنموية ضخمة للسودان ودول الساحل، لا بد من مواجهتها بشكل شامل عبر كل القطاعات التنموية والأمنية، ويجب على كل السياسات أن تضع في الاعتبار قضية تغير المناخ”.
يستدل أوراس على حديثه بالإشارة للاستجابات أو الجهود المبذولة لحل مشاكل الفيضانات، ويقول: “هذه الاستجابات تحتاج استثمارات وتمويلاً، لذلك وباستناد للوضع الاقتصادي الحالي نرى أن إيجاد حلول للبنية التحتية ليس بالأمر السهل”.
ويرى أوراس أن تطوير أنظمة إنذار مبكر من الفيضانات والجفاف يساعد في خلق تأثيرات إيجابية على المدى القصير بالنسبة للقطاع الزراعي. مضيفاً: “تغير المناخ حرب لابد أن ننتصر فيها”.