السودان: محاولات “الفلول” لقطع الطريق أمام العملية السياسية الجارية

القسم السياسي
أربع سنوات مرت على ثورة السودانيين التي طوت صفحات “نظام المخلوع” الذي حكم البلاد لثلاثة عقود، حتى بات من أسوأ الأنظمة الدكتاتورية التي مرت على تاريخ السودان، لما مارسه من انتهاكات لحقوق الإنسان ونهب موارد البلاد وتدمير اقتصادها، تحت عباءات الدين.
وفي ظل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي الذي نفذته اللجنة الأمنية لـ “نظام المخلوع”، فُتحت أبواب الآمال لفلول النظام وإمكانية العودة إلى سدة الحكم، خصوصاً أنه أعاد الكثيرين من أنصار “البشير” إلى مؤسسات الدولة، بعد أن قامت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بفصلهم من الخدمة في الفترة الانتقالية المنقلب عليها آنذاك.
وبعد مرور أكثر من عام على الانقلاب، بدأت عملية سياسية في محاولة لإعادة البلاد إلى المسار المدني الديمقراطي، ولكن “الفلول” باتوا يسابقون الخطوات لإسقاطها بتحركاتهم التي انكشفت منذ أن جعلت العملية السياسية قضية تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م واحدة من أهم أولوياتها عقب الاتفاق الإطاري المبرم في 5 ديسمبر الماضي مع قادة الانقلاب.
يقول شهاب الدين الطيب، القيادي بقوى الحرية والتغيير، إن محاولات الفلول لم تنقطع طيلة الفترة الانتقالية المنقلب عليها، إنهم يعترضون مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، ويحاولون زراعة الفتنة بين الجيش والقوى المدنية، إلا أنهم فشلوا في ذلك. يضيف لـ “الديمقراطي” أن الفلول يسعون لإحداث وقيعة أخرى بين الجيش والدعم السريع، وتظل محاولاتهم مستمرة لتقويض الانتقال حتى لو تطلب الأمر قيادة البلاد إلى حرب أهلية لإفشال العملية السياسية.
ويعتقد شهاب أن الوصول إلى الاتفاق النهائي سينهي هذه المحاولات، مشيراً إلى أنه يجب أن يكون الجميع مدركاً أن النظام البائد يحاول بأي شكل من الأشكال تقويض النظام الديمقراطي من خلال تخريب العملية السياسية الحالية، خصوصاً بعد فشلهم الآخر في إحداث وقيعة بين الجيش والدعم السريع، لذلك نعتقد أنه يمكن أن يخرجوا بشكل آخر لقيادة الناس للعنف أو خلافه.

ومنذ انطلاقة العملية السياسية، يتحرك “الفلول” لتوظيف جميع أذرعهم بما فيها الأذرع العسكرية. وفي توقيت سابق، كانوا قد أطلقوا حملة تطالب بإطلاق سراح “المخلوع” وأعوانه المعتقلين على خلفية تدبيرهم وتنفيذهم لانقلاب 30 يونيو 1989، معتبرين أن الحملة هي البوابة الرئيسية لتنفيذ أجندتهم المعادية للثورة.
وينظر مراقبون إلى أنه إذا استمر ما أسموه بـ “التشرذم” فإن “الفلول” سيعملون على إحداث حالات من الفوضى بالبلاد، إلى جانب عملهم الممنهج الذي يدعون عبره إلى ضرورة اندلاع حرب أهلية في البلاد إذا اقتضى أمرهم التحالف مع “الشيطان” نفسه حتى لا تكون هنالك دولة سودانية حقيقية تستعيد مسارها في الانتقال الديمقراطي.
ظل “الفلول” منذ فترة يقودون حملات إعلامية ممنهجة ومنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعمل على تصوير العملية السياسية على أنها فاشلة بهدف خلق حالة من العداء ضدها، إلى جانب عرقلة عملية التوقيع النهائي لها، وأيضاً ظلت تعمل على رفع وتيرة الكراهية بشكل كبير، إلى جانب عملهم في تضليل الرأي العام بأخبار كاذبة عن الجيش والدعم السريع لدفعهم للمواجهة وإحداث الفوضى.
يرى عروة الصادق، القيادي بقوى الحرية والتغيير، أن “الفلول” الآن يعملون في كل الاتجاهات لإحداث أكبر عملية تجريف داخل المؤسسات التي بدأت فعلياً بالقوات النظامية ومؤسسات الخدمة المدنية وسلطات المركز والولايات. ويضيف في حديثه لـ “الديمقراطي”، أن الفلول جعلوا من موارد الدولة وآلياتها معيناً للاستقطاب القبلي والجهوي والمناطقي، واتخذوا من علاقاتهم بالدولاب سبيلاً للتمويل والتسلح، وكل ذلك تحت مرأى ومسمع سلطات الأمر الواقع.
وفي ذات السياق، يرى الأستاذ الجامعي، د. بكري الجاك، في حوار سابق لـ “الديمقراطي” أن “الفلول” يعملون الآن على إحداث حالة من الفوضى في البلاد تساعدهم في عملية المواصلة في نشاطهم “الإخراجي”، في محاولات السيطرة على الدولة من جديد بشكل المؤسسة العسكرية الأخطبوطي وغيرها من الخيارات التي قد تساعدهم في مخططهم لإفشال العملية السياسية.
يعمل تنظيم الحركة الإسلامية الإرهابي في السودان تاريخياً على إعاقة حركات التغيير، لأنهم لا يريدون وجود عملية تغيير طويلة الأجل في البلاد تقبر مشروعهم الذي يسعون لتطبيقه، لذلك ظلوا يخلقون العديد من الكتل المعادية لعملية التغيير منذ وقوع ثورة ديسمبر.
ويؤكد عروة لـ “الديمقراطي” أن كل تحركات “الفلول” مقدور عليها متى ما توفرت الإرادة لتفكيك بنية هذه المنظومة التي تريد العودة بعقارب الساعة إلى الوراء، وهو أمر يستحيل حدوثه في ظل إرادة جارفة لقوى سياسية حية وعزيمة شعب رمى بـ “الفلول” وأيديولوجيتهم في سلة المهملات إلى الأبد. هذه العملية السياسية يمكن أن تتم عرقلتها، ولكن لن تتوقف وستبلغ غاياتها.
بينما يطالب ديمقراطيو قوى الثورة بضرورة الإسراع في بناء جبهة وطنية عريضة للدفاع عن العملية السياسية والاتفاق الإطاري، إلى جانب المسيرة الديمقراطية لثورة ديسمبر، وذلك من خلال التنسيق والعمل على استنهاض الشعب والعودة إلى حركة الجماهير الواسعة التي ظلت تسيطر على المدن وشل حركة الدولة، حتى يمكن بناء حكومة مدنية، وإجراء الإصلاح المطلوب في جهاز الدولة والعمل على حمايته من الضربات المتوالية وحماية الديمقراطية.
تحاول الحركة الإسلامية الآن إعادة عملها المنظم الذي كان قد فعلته في السابق من خلال إعاقتها تنظيم النقابات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب محاربتها للحركات المستنيرة تحت مسمى “الإلحاد”، كما أنها ما زالت حريصة على إعاقة ثورات السودانيين وتدمير حركة المقاومة المدنية حتى لا يتحقق أي تغيير جذري في البلاد يقود إلى ديمقراطية مستدامة.
اخبار السودان-الفلول وعرقلة العملية السياسية الجارية-الحركة الاسلامية-ثورة ديسمبر-المسار المدني الديمقراطي-الجيش والدعم السريع