الرأي

السلام والكهرباء وعاطفة الدولة

(1)
• يحتل السودان المركز الأول في إنتاج الصمغ، الثالث في البامية، والرابع في الفاصولياء والذرة البيضاء؛ والسابع في حجم الثروة الحيوانية؛ عالمياً، وكثير من المحاصيل والخضروات؛ يمثل فيها السودان رقماً مهماً في الإنتاج؛ رغم ذلك لا تنعكس هذه الأرقام على اقتصاد السودان الذي يتدهور بمعدل غير مسبوق، ومخجل.
• يمثل نمطا الإنتاج الزراعي والرعوي أهم مصادر سبل كسب العيش لنحو 61 في المائة من السكان، أو كان الأمر كذلك حتى مجيء الإنقاذ ومن بعد ذلك لم تعد الإحصاءات حقيقية، ومنطقية. لكن ظل التضخم يلتهم حيوات السودانيين بعد العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان؛ وتسخير الناتج القومي بالكامل لحروب سفيهة شنتها الدولة في مناطق متعددة من السودان للتغطية على الأصوات التي نادت بحقها في التنمية المتوازنة وعدالة توزيع السلطة والثروة في السودان.
• ظلت الحرب تأكل المستقبل والحاضر في السودان؛ بينما واصل العسكريون الذين أصروا على حكم السودان بالقوة يواصلون نظرتهم الأحادية في (فرض هيبة الدولة) كما يبررون لعمليات الإبادة والقتل التي تمت ممارستها في قرى وأرياف ومدن السودان المختلفة منذ استقلال السودان؛ وفشلت النخبة السودانية في وضع التنمية كأولوية بانحيازات أيدولوجية وحزبية وتواطؤات مهلكة تمت بينهم والأنظمة الشمولية التي كانت تتكون من مجالس عسكرية يسندها سياسيون ومدنيون؛ رغم مواصلة الشعب السوداني هباته وثوراته؛ لكن الدائرة الشريرة ظلت تواصل النمو وتتطور حتى قيام ثورة ديسمبر والتي انتهت إلى فترة انتقالية بتسوية سياسية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير؛ لتواصل المؤسسة العسكرية فرض وجودها ورؤيتها لحكم السودان رغم قانونها ولوائحها التي تمنع ممارسة السياسة بالأساس.
• ظلت الحرب هي البطل الرئيس لتاريخ السودان الحديث؛ وقد شكلت المجازر الدموية الفصول الأهم في تاريخنا المعاصر والقديم أيضاً؛ رغم الطيبة والنزوع إلى السلم؛ التي تجلل سمت الشخصية السودانية.
• تحليل نشوب الحروب والنزاعات في السودان يقود إلى سياسات الاستعمار بخلق المناطق المقفولة، فشل النخبة في بناء مشروع وطني، التدخل الخارجي الذي يعتبر عاملاً مهماً في استمرار الحرب وبسط أجندته الساعية إلى تسخير الموارد السودانية واستغلالها وتأخير السودان عن التطوُّر والنمو.
• لا حل أمام السودان إلا بسلام حقيقي، تخلع فيه القوى السياسية كافة ومؤسسات الدولة وحركات الكفاح المسلح قبعات الاستعلاء الوهمية والاشتراطات المستحيلة؛ لبناء دولة سودانية على أساس المواطنة والحقوق والمؤسسات؛ لا دولة الحزب أو الطائفة أو العرق؛ والتفرغ أخيراً لدفع استحقاقات البناء والتغيير والتنمية والديمقراطية.
(2)
• عدم استقرار التيار الكهربائي في السودان على مر التاريخ يفصح عن حجم الأزمة في إدارة الموارد؛ وضعف الرؤية الاستراتيجية التي تمتعت بها الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان؛ بإصرارها على إنتاج الكهرباء بالتوليد المائي فقط؛ رغم الفرص الهائلة التي أتيحت للسودان بعقد شراكات ضرورية مع دول عظمى لإنتاج الطاقة الكهربائية؛ واستمرارها، عبر بناء محطات توليد حرارية تغطي كافة السودان؛ وتحصيل جزء من مبالغ الاستهلاك لتسديد هذه الفواتير باتفاقات مجزية ومعقولة. لكن العقل الأبله للمسؤول يجعله يتفق مع شركات تؤجر الخدمة الكهربائية كما في حالة الشركة التركية التي كانت تمد بورتسودان بالكهرباء من على متن باخرة ترسو قرب المدينة؛ أو محطات في دارفور توقفها الشركة حالما تتأخر الدولة في تسديد الفواتير (الإيجارية)؛ كما حدث مؤخراً وغرقت كافة ولايات دارفور في ظلام دامس استمر لأسبوع كامل.
• أفصح وزير الطاقة المكلف في المؤتمر الاقتصادي الأخير أن الطاقة الكهربائية المنتجة في السودان تغطي فقط 36% فقط من السكان؛ وأقر الوزير بأن التطور في قطاع الكهرباء بطيء وغير نوعي، ووصف ذلك بأنه فارق كبير يجب معالجته ووضعه في عين الاعتبار برصد ميزانيات.
• استمرار طريقة رزق اليوم باليوم في التعامل مع المشاكل المزمنة هو ما أوصلنا إلى استدامة هذه الرداءة التي ترافق قطاع الخدمات كافة في السودان؛ وكأن الخطط الاستراتيجية والتفكير المؤسسي قد هاجر من أرض السودان منذ أزل؛ لنواجه ذات الأزمات في كل عهد، دون سعي لحلها ولو بخطة تنتهي في عشر السنوات القادمة.
(3)
• يعتبر خالد عمر “سلك” من جيل السياسيين الشباب الذين ساهموا في مقاومة نظام الإنقاذ؛ رفقة كثير من زملائه الذين وصل بعضهم إلى مواقع متقدمة في تنظيماتهم السياسية وفي السلطة الانتقالية الآن مثل محمد الفكي سليمان عن التجمع الاتحادي ومحمد حسن التعايشي مستقلاً في المجلس السيادي؛ ومحمد فاروق سلمان نائب حزب التحالف السوداني وغيرهم؛ وقد دفع ضريبة النضال اعتقالاً سياسياً لفترات طالت وقصرت؛ كما غيره ممن تصدوا للعمل العام في أزمنة الرعب والتنكيل.
• يختلف الناس في تقييمهم لتجربة خالد عمر السياسية وشخصيته؛ لكنهم يتفقون على أنه لعب دوراً في تقديم خطاب سياسي مشرق وفصيح إبان حراك ثورة ديسمبر؛ ساعده في ذلك تواجده خارج السودان أثناء اندلاع الثورة، وقد ساهم في التصدي للخطاب الحكومي الذي كان يحاول دمغ الثورة بالاتهامات وتقديمها للعالم على أنها محاولات تخريبية محدودة يقوم بها بعض شذاذ الآفاق.
• لكن محاولة التبرير للدفع بخالد سلك إلى التشكيل الوزاري القادم بحجة “حب الجماهير” له؛ هي أكثر خطابات السياسة بؤساً؛ فمتى كانت الدولة تُشيّد بالحب والعاطفة عوضاً عن الكفاءة والتأهيل والاقتدار، رغم أن التكريس لخلق رموز ونجوم من القادة السياسيين ظل هدف مطابخ العملية السياسية في العالم؛ لكن تظل المؤهلات المطلوبة لبناء وتشكيل الحكومات هي سيرهم الذاتية وخبراتهم الضرورية للعمل، وحتى في الأداء السياسي السوداني الذي اقتصر على الخطابة فقط دون إجادة صنع قرار سياسي إيجابي وفعال؛ نجد أن خالداً فشل في قيادة حزبه المؤتمر السوداني للقيام بعملية سياسية ينقذ بها بناء تحالف قوى الحرية والتغيير من التصدُّع وانتهائه إلى تحالف لأربعة أحزاب فقط تختطف القرار السياسي وتزيد من احتقان العملية السياسية؛ بل لعب المؤتمر السوداني نفسه دوراً سلبياً ومظلماً في تشكيل خارطة سيئة للتمثيل السياسي لكتلة نداء السودان ومن ثم اختطافه رفقة حزب البعث للمجلس المركزي للحرية والتغيير وقراراته.
(4)
أحلم بمجلة أطفال، سودانية، غنية بالقصص المصورة والمحتوى الفني والأدبي المدهش والغني بالثقافة السودانية والعالمية؛ تساهم في جعل القراءة جزءاً من العيش كشرب الماء، وتساهم في بناء الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى