الرأي

السعداوي! رؤية شجاعة للجنس والدين

بثينة تروس
لقد انتقلت إلى حيث الرفقة العلوية الآمنة دكتورة نوال السعداوي في يوم يليق بعظمة منافحتها من أجل المرأة، عيد الأم، فتبعتها بركاتهن لمرقدها يجملنه سلاماً، وستظل باقية في العوالم النسوية الباحثة عن الحرية والحب والكرامة، تعلقنا بها كلفاً منذ كنا صبايا في مجتمع ذكوري للرجال فيه مطلق الحريات، بسند عرفي وديني يتمظهر شيوخه بلحاهم وأيديهم القابضة على موروث الكتب الصفراء المعنعنة الوصايا،جل همهم كيف لهم حفظ (البيضة من الحجر والإنتاية من الضكر)، وبحداثة سننا كنا نرقب باحات وأمزجة نسوية مجاورة طائعة بذكاء لتلك المنظومة خوف تجريم النوايا (واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، وأضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).  تقيم حفلات الختان للبنات وتشرف على المآدب وأصوات الزغاريد، وزواج اليافعات، يجتهدن في أن يجعلن عوالمهن، ساحرة مشتهاة  بطقوس الزواج، وتعليم الرقص، والحناء والزينة، وأبخرة الصندل وكل الذي تجوده صنع أيديهن في خلق خصوصية ساحرة، تستر أوجاع شراسة قوانين الأحوال الشخصية والنظم السياسية المجحفة، متشافيات بكل ما من سبيله التداوي للعلل النفسية بين الكبت وفض الكبت في عالم المحظورات الجنسية والمجتمعية، لقد سبرت نوال السعداوي أغوار هذه الأودية جميعها بمبضع المداوي الخبير بمكامن الأدواء وقلم سحري مبين، شرحت كل عوالمهن بالغوص في أعماق مشاعرهن، وحرضتهن على ثورة العقول، وحظينا في جيلنا بمتعة العلاقة الحميمة مع الكتاب، فتفتقت أخيلة وعينا برصد ما حولنا بدقة، لكن أخذت بتلابيب دهشتنا مدرسة نوال السعداوي نقراها ما بين السر والجهر تجلسنا على نور الإبهار، وتحملنا تحت طي جناح بساطها الذي نسجته بالمواجهة، والصدق، والتحدي، وشطط الثورة وعنفوانها، فتصدم حداثة سننا وعدم تجربتنا، تارة تسلحنا بجرأة اقتحام المعارك وأخرى تطوف بنا لتحيدنا  لنصرة جنسنا فنشهد نسيجنا عارياً  دون زيف، تجيب على ما يجري في أدمغتنا اليافعة التي تحارب الأفكار بعضها بعضًا، ما بين الحلال والحرام، وثقافة التعرف على الرغبة والجسد، والمسكوت عنه في تربية البنات، وسطوة النفوذ الأبوي والمجتمعي، ناقدة مكامن الضعف لموقع المرأة في الإسلام، أو بالأحرى في أحكام الشريعة الإسلامية! ومن عبارتها في مطابقة الحديث النبوي (عفوا تعف نسائكم) مقولتها (بدلاً من ترقيع غشاء البكارة في أجساد النساء، أليس من الأفضل تغيير مفهوم الشرف في عقول الرجال؟)  اقتحمت بأدوات المعرفة العلمية تابوهات التقاليد التي صفدت بأغلالها المرأة، وعلى الصعيد الآخر واجهت المثقفين والأكاديمية التي لم تقدرها قدرها (لا أهتم بالنقاد الأكاديميين أو الناس الذين يكتبون مقالات نقدية. لا هم ولا الحكومة سبق وأن قدروني بشكل كاف) 2015 فرانس -برست، وبصدقها كتبت مشخصة علاقة تلك الشريحة مع المرأة (يتشدقون بالدفاع عن النساء المقهورات، يكتبون عن حق المرأة، يتنافسون على إقامة علاقات مع المرأة المستقلة الحرة، بشرط (ألا تكون زوجة لأحدهم)..
قاومت تصورات المجتمع الذكوري وتوهم أن الدين (حليف للرجال) دون النساء اللاتي نصيبهم الاستضعاف حتى في دار الآخرة (تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ)! حرضت واستفزت السعداوي وعينا بأن لنا شراكة معهم في الله! بإدراكه سبحانه وتعالى عن الظلم وهو العادل، خلخلت ركائز الفكر القديم في ثوابتنا، عارضت التعدد في الزواج وعدم المساواة في الميراث، فسعينا جداً نحو الأفكار التي طرحت حلول للتعارض البادئ بين واقع المرأة المعاصرة والفهم الديني السلفي للمرأة ومن داخل الدين نفسه، بحسب ما طرحه الأستاذ محمود محمد طه في الفكرة الجمهورية.
كتبت السعداوي في 6 2فبراير 2007 (طوال عمري أتلقى تهديدات من الجماعات المتطرفة، وهذا ليس جديداً بالنسبة لي، فقد سبق أن وضعوا اسمي على قوائم الموتى في الثمانينيات والتسعينيات، وقبل 3 سنوات أخضعت لمحاكمة في قضية ردة وكفر، حينما طلبوا التفريق بيني وبين زوجي د. شريف حتاتة (1988). وفي يناير الماضي صادروا خمسة كتب لي في معرض القاهرة الدولي للكتاب..)  ومن ضمن تلك الكتب كتابها (الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة) وبسببه قام رجال الدين من الأزهر بتكفيرها وإخراجها من الملة، في مواصلة لمحاكم التفتيش الديني في العصور الوسطى، إذ أن تلك المؤسسات الدينية توقف بها الفهم في آيات الوصاية، وتجهل آيات الحرية  والاسماح في القرآن  ( وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ)   ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰٓ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِۦ ۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ) صدق الله العظيم
ولم تكن تكتب  د. نوال السعداوي لتسلي المراهقات وتفتح شهية الاطلاع على المستور  وإنما أسست للمصادمة الفكرية بمدرسة خاصة تحملت تبعات مسئوليتها بشجاعة، وعلى ضوئها حدثت  تغييرات حقيقية طالبت بتعديل قوانين الأحوال الشخصية وحرضت المجتمع النسوي بالنهوض من أجل إلحاق نسب الطفل لأمه وقد كان، ووافق مجلس الشورى المصري بالأغلبية على القانون بعد استعراض رأي الشرع الذي أعلنه د.إسماعيل الدفتار عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ود.حمدي زقزوق وزير الأوقاف  في عام 2008  (ومنح قانون الطفل الجديد للمرأة الحق في القيام بنفسها بتسجيل مولودها في مكتب الصحة ونسبته إلى أب مجهول، والذي يبقى عليه في وقت لاحق الإقرار بذلك أو نفيه، ورفع سن زواج الفتاة إلى 18 عاماً، وإجراء فحص طبي قبل الزواج، وتجريم ختان الإناث). وبالطبع كعادة الفقهاء في التجريم لنوايا المرأة لخصوا ذلك الحق في أنه يدعو لمشروعية الزنا وأبناء الحرام، بالرغم من أن محاكم الأحوال الشخصية في جميع البلدان الإسلامية تعج بأطفال تخلى عنهم آباؤهم السفهاء لعدم المسئولية وعدم الأخلاق والدين.
لم تهبْ مولودة الريف المصري د. نوال السعداوي أمزجة الرأي العام الذي يجعل من أعراف المجتمعات سيفاً مسلطاً ضد التحاور حول حقوق المرأة، وإنما جهدت لتحريك الثوابت من روافد المسلمات نقدت ارتداء الحاجب، وردت بذكاء على المحجبة التي عللت حجابها بمنع فتنة الرجل، بقولها (إذن المشكلة ليست في المرأة بل في عقل الرجل) ودعت (بسخرية) كل الرجال إلى تغطية أعينهم.) وفي دعوتها للمرأة الإنسان التي تعني بعقلها كانت صارخة التوجه ليس في قاموسها علل النفاق الاجتماعي كتبت (الراقصة ترى نفسها سلعة جنسية تريد أن تعرضها وتتاجر بها والمنقبة أيضاً ترى في نفسها سلعة جنسية لكن لا تريد أن تعرضها، فتخفيها عن الأنظار، المرأة الحقيقة ترى نفسها إنسان طبيعي لاتعرض ولا تخبئ نفسها بل تتصرف كإنسان)..
كانت محاربة يتفق الناس حول آرائها السياسية ويختلفون، دخولها السجن لمعارضتها الرئيس السادات كان مولد كتابها (مذكراتي في سجن النساء)1982 ولم تغب عن ثورة الربيع العربي، وتعتقد (أن مصر في وضع أفضل من دون وجود الأصوليين الإسلاميين في السلطة)، لقد كتبت ما يربو على الخمسين كتاباً تمت ترجمتها لثلاثين لغة، وبرحيلها فقدت النساء فارسة حقوق المرأة الشجاعة التي تحملت مسئولية أفكارها وأقوالها وأفعالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى