ثقافة ومنوعات

“الديمقراطي” تحاور منعم شوف وتفتح معه العديد من الملفات.. (2)

الفنون والثقافة خطوط الدفاع الأولى ضد الشمولية والديكتاتورية

منعم إبراهيم، منعم شوف، الاسم الذي ما أن يطرق سمعك حتى تبدأ في استدعاء كامل الحواس ما ظهر منها وما خفي. إذ لا تسعفك الحواس الخمس لإدراك الدقائق واللطائف التي تحيطه وتشكّل مسيرته المهنية ومسيره الإنساني ليفضي كل منهما للآخر، لذا تستدعي الحواس الاستثنائية السادسة وربما السابعة للولوج إلى عالم هذا الفنان المثقف والإنسان الاستثنائي، منعم شوف.

أجرته – إيمان آدم خالد

*هل سعت (شوف) الجماعة، لتحقيق وجود مغاير عجز عنه الدرس الأكاديمي والإجابة عن أسئلة وجودية مقلقة تتجاوز حدود الممكن وترفع عبرها سقف الحريات وتتجاوز التابوهات؟

– طبيعة العمل في المعهد/ الكلية، تختلف اختلافاً كبيراً عن طبيعته في جماعة مسرحيَّة كجماعة (مسرح شوف) مثلاً، ففي الكلية بطبيعة الحال يزدحم الجدول بتدريس مناهج التمثيل والإخراج والتاريخ ونظريات الدراما، بالإضافة للفلسفة وعلم الجمال واللغات الحيَّة، ولا مجال للتجريب فيه على الإطلاق خاصة في سنوات كورسات الأساس. أذكر في سنتنا الأولى درسنا حوالي (17) مادة وأكثر من (700) ساعة كانت فقط لكورسات التمثيل العملي. وبطبيعة الحال وبعد انقلاب يونيو 1989 وبدون الخوض في تفاصيل، تغيَّرت كثيراً من المناهج في قسم الدراما، وتمّ استبعاد مواد كالفلسفة وعلم الجمال وتذّوق الفنون، وهذه كانت تساهم بشكل كبير في تمرين ذهنية الطالب وتبني عقله كمشروع فنّان، كذلك تمّ استبدال بعض من طاقم التدريس بآخرين منتمين لمشروع الإحياء الثقافي، وجاء مهندس المشروع نفسه عميداً للكلية، وأقحمت مواد في الدراسات الإنسانية ذات طابع ونفس إسلامي.

كلية الموسيقى والدراما

أما في جماعة (مسرح شوف)، فمعظم العمل الدؤوب تمّ في فترة الثلاثة أعوام التي كان فيها المعهد مغلقاً، فكان هناك متسع من الوقت لتنتظم بجانب تمارين التمثيل والإخراج العملي محاضرات في تاريخ ونظريات الدراما، وجلسات مشاهدة أسبوعيّة بالمراكز الثقافية للدراسة والتحليل، ساهم فيها أصدقائي من الخريجين وزملاء دفعتي. أيضاً هذا المتسع من الوقت جعلني أعمل مرة أخرى (بمهلة شوية) على مشروعي الصغير في الإخراج، وكنت قد أنجزته في السنة الثالثة على عجل.

العمل مع (مسرح شوف) كان محرضاً لفعل شيء مختلف وأكثر دقّة مع براحات الوقت والمكان لتحليل نص القدّال وتحديد مواضع النبض الدرامي على جسده، والإنصات بتركيز شديد على الأصوات التي تخرج من هذا الجسد. (مسدار أبو السرة لليانكي) أكسبني إلى حد كبير قدرات في تحليل هذا النوع من النصوص السودانية، وفتح شهيتي لتناول نصوص أخرى كان للقدّال فيها نصان آخران وهما (أحلام الحزن الفرعوني) التي أعدها وأخرجها ماهر حسن سيد لمسرح جامعة الأحفاد، و(بين الخليفة وأمونة بت حاج أحمد) التي أخرجتُها لـ (مسرح شوف)، و(سيناريو البحث عن يابسة) لعاطف خيرى التي قدمتها في امتحانات التخرج كدراما إذاعية.

المسرح السوداني

(مسرح شوف) عمل مجرّب على هذا الشكل من الشعر السوداني للفرصة الكبيرة والمتاحة في هذا النوع من النصوص في خلق نص بصري موازٍ للنص المكتوب، يتقاطع ويلتقي معه بإيقاع يضبطه المخرج والممثلون والمشاهد نفسه باعتباره جزءاً أصيلاً من شروط العملية المسرحية وليس متلقياً فقط. (مسرح شوف) أقامت ورشة عمل مجدولة لوقت طويل لمجموعة من القصائد وعملت على مسرحتها وخلق نصوص موازية لها، أشرف عليها الأستاذ عبدالمجيد حسن، تنوعت فيها النصوص الشعرية واختتمت الورشة بعروض جيدة استطاعت أن تحقق بشكل بديع نصوصها الموازية، ولكنها بالتمرين المتواصل وتبني أساليب أخرى متنوعة ظهرت في (مسرح شوف) نصوص الكتابة المشهدية أو الكتابة أثناء معالجة الفكرة بالتمثيل العملي كتجربة مسرحية (الأبواب) التي خلق فكرتها وصاغ مشاهدها أمين صديق، فقدراته كشاعر ساهمت بشكل كبير في نجاح التجربة.

وتحضرني أيضاً تجربة المخرجين حاتم محمد علي وأمير عثمان مع عثمان البشرى، وكيف أن نص (فيما يخص البحر للبحر الذي فيما يخص البحر) خضع لمعالجات صبورة ومتأنية بين الشاعر والمخرجين، أيضاً تجارب عبدالوهاب نصر ومحمد نور الدين وإيمان إبراهيم النوش، كلها تجارب خلقت مشاهدة ممتعة وكرَّست محاولاتها لتحقيق التجربة المسرحية ذات الدلالات البصرية المكثفة حتى تشير إلى واحد من أهم أسباب تكوينها في البيان.

سودان بكرة قناة الثورة الأهلية..

* ‫التمثيل، الإخراج، وما ينجزه منعم على قناة سودان بكرة أيهم أكثر التصاقاً به؟

– الآن، سودان بكرة هي مشروعي مع الزملاء المؤسسين، هي سكوني وحراكي اليومي، هي حالة تواصل مع المشاهد مغايرة عمَّا تعودت عليه أنا كمشتغل ولسنين طويلة بالمسرح والفيديو. هي قناة للتدريب والتجريب بامتياز، إنها صناعة للتلفزيون لا تشبه التجربة التقليدية المعروفة لهذه الصناعة، عملية ضخمة ولكنها رشيقة وخفيفة، وبتمويل شعبي يغطي فقط تكلفة القمر، يحركها عدد قليل جداً من العاملين والمتطوعين تتقاسمهم أطراف الأرض بينما تتقاسمهم في آنٍ واحد القناة مع أسرهم وأطفالهم وعوالمهم الخاصة. ولكم أن تتخيّلوا حالة كونك لاعباً في (نُصْ) هذا المشهد العجيب دوراً يكاد لا يلحظ والحراك الثوري على أشدّه، والمجموعات الضخمة ترسم حركتها صوب القصر على إثر سماع زغرودة يتردد صداها في الفضاء كصافرة إنذار وكومبارس العسس المسكين لا يحسن تصويب البمبان لأنه لم يراجع أحوال الطقس وحركة الرياح كما يجب.

تاني مسرح أكتر من دا تلقاهو وين؟!

*سودان بكرة قناة الثورة الأهلية.. الثورة التي أضحت حالة اجتماعية ثقافية باهرة؟

-يرد في ديباجتها (أي قناة سودان بكرة الرسمية) الآتي: منصة إعلامية سودانية مستقلة غير ربحية معنية بالتحول الديمقراطي وتحقيق قيم الثورة السودانية وتعزيز دور الصحافة الشعبية. سودان بكرة صوت خرج من رحم ثورة الشعب المجيدة، وهي نتاج لعمل دؤوب ومثابر لمجموعة من المهندسين السودانيين عملوا لسنوات وبهدوء ودون ضجيج قبل الميلاد الأول وإبان انتفاضة سبتمبر 2013، ثم الميلاد الثاني في مارس 2019، صوت خرج بإمكانياتٍ محدودة وموارد شحيحة ولكن بجهد صميم. نحن ندرك جيداً أن القناة بشكلها الحالي دون طموحنا جميعاً لكننا آثرنا أن نبدأ بما لدينا من موارد لتنمو هذه البذرة الواعدة برعايتنا لها جميعاً بدلاً عن الانتظار في هذا الظرف الدقيق من تاريخ الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى