الرأي

الخائفون من جثث الشهداء

سقوط النظام المخلوع كشف لنا هول المصيبة التي وقع فيها السودان،فقد ترك خلفه مجموعة من البشر الذين تحولوا بل حولهم إلى حيوانات متوحشة يتعاطون القسوة والسادية والظلم كما يتعاطون الشاي والقهوة،وقد فقدوا الإحساس لدرجة أنهم أصبحوا على استعداد دائم لإهانة البشر وإذلالهم وظلمهم أحياءً كانوا أم أمواتاً،لا شيء يمنعهم لا أخلاق ولا ضمير ولا دين ولا حتى عقل،المؤسف أنه مكنهم في مؤسسات الدولة العدلية والقانونية والأمنية بل حتى الطبية للأسف،المفارقة أنهم لا يخافون ارتكاب أبشع أنواع الظلم ولكن يخافون العدالة،لا يخافون القتل ولكن يخافون من جثث قتلاهم .
عندما ثار الشعب وأراد استرداد دولته التي تحولت إلى غابة،تنفست مؤسسات الدولة الأمنية كل أشكال السادية والظلم وغياب الضمير والإنسانية وارتكبت جريمة فض الاعتصام ضد أبرياء لم يرتكبوا جرماً يستحقون عليه أي نوع من العقاب،ثم أصبح شغلها الشاغل إخفاء الحقيقة وإنكارها وتأخير العدالة،ناسين أن (كاتل الروح ما بروح).
مواصلة لمسلسل الوحشية والتجرد من الضمير والإنسانية، كشف أطباء شرعيون عن عمليات تلاعب في أرقام جثامين في إحدى مشارح العاصمة الخرطوم، ودفن جثث بدون عملية الاستعراف، واحتجاجاً على ذلك قدموا استقالاتهم عن لجان التشريح المُشكلة بواسطة النيابة العامة وعلى رأسهم كبير الأطباء الشرعيين دكتور عقيل سوار الدهب.وقالوا في خطاب الاستقالة إنهم اكتشفوا “عملية تغيير ديباجات (أرقام) الجثامين بطرق مختلفة في مشرحة التميز، مما يعني إمكانية استبدال هذه الجثامين مع مفقودين ليتم دفنهم خارج إطار القانون.
الأطباء لم يتهموا جهة والأمر لا يفوت على فطنة المواطنين طبعاً، فالذي يستطيع أن يدخل مشرحة المستشفى دون أن تقف الإدارة في وجهه ويفعل ذلك بلا شك جهة فوق القانون ومتعودة على الظلم وإخفاء الحقائق،ولكن فات عليها أن الحقائق لا تموت.أي نعم قد يتأخر ظهورها ولكنها ستظهر بطريقة لا يتوقعونها،وأحياناً كثيرة السعي لإخفاء الحقيقة يؤدي لظهورها فالله سيستدرج الظالمين من حيث لا يعلمون .
أيها القاتلون الساعون إلى دفن الحقيقة نعلم أنكم الآن مرعوبون من جثث قتلاكم،ولكن ليس لأن ضميركم قد فاق وأصبح يعذبكم، أو لأن صوت الإنسانية داخلكم يدفعكم نحو الاعتراف والاعتذار وتحمل المسؤولية،فذلك دليل عافية النفوس المريضة وأنتم نفوسكم غير قابلة للتعافي،لذلك لن تسعدوا بحياتكم التي أصبحت مرهونة بالحقيقة، ومن اليوم الذي ستتحقق فيه العدالة ويطالكم القانون وهي آتية لا محالة،وهاهم أساتذتكم في قبضتها رغم مرور 30 سنة على ما فعلوا.صحيح تأخر الحساب كثيراً لأن السلطة بيدهم ولكن العدل ثقيل على الظالمين في أي وقت،أما أنتم فلن يتأخر الأمر إلا قليلاً.
إن كان من وصية نوصي بها هؤلاء القتلة الخائفين من جثث شهداء ثورة ديسمبر، فإنكم لن تسلموا من الخوف منهم،فإن تخلصتم من جثثهم سيتلبسكم الخوف من قبورهم، واجهوا مصيركم بنفس الشجاعة التي ارتكبتم بها القتل، وتحملوا ثقل العدالة لأنكم ستكتشفون في النهاية أنه أخف بكثير من ثقل الظلم والخوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى