الثورات والاغتراب الروح
«لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». (متى 8: 20)
الاغتراب في المفهوم النفسي سمة أساسية من سمات الذات، بحسب المحلل النفسي جاك لاكان (1901- 1981)، ليس للمرء إمكانية الكمال أو التوليف، إلا من خلال الغرور، الأنا الآخر بالخيال والوهم. هذا يعني أن الإنسان يستطيع أن يستخدم الإمكنيات النفسية، ليفصل تفكيره من واقع، لا يريد أن يتأثر به، في سلوكه اليومي من خلال الخيال، أو حتى إيهام نفسه، بما يريده خلاف لما يعيشه. في كتابه بعنوان: ” الاغتراب، المشهد، والثورة”، كتب (نيل فولكنر) مستخدما نظريات، وأفكار بعض الكتاب، عن تأثير أزمات الماضي في الحاضر، ما يهم الموضوع هنا معنى الاغتراب، الذي يتجلي عندما يكون المرء مقيد بالاستهلاك، وينفق رأسماله في المنتجات الترفيهية الزائفة التي هي مظاهر التكنولوجيا، الاتصالات، والاجهزة الزكية، مما يضعف قوة الحياة، والقدرة النقدية وبالتالي يضعف الشعور بالحرية لا بل الخوف منها. ذكر فولكنر عن اغتراب من نوع أخر هو عندما لا تتحكم في وسائل الانتاج ولا في القيمة الزائدة، فالحل الوحيد هو أن تتحول إلى مغترب عن نفسك والآخرين للتجاوز هذه البيئة نفسيا لأنه لا يوجد بديل متاح، فيتحول المرء إلى فردانية نرجسية، ليسيطر هذه الظاهرة على المجمتع في خلق ذهن جماعي من نفس النوع. طبعا الكاتب ينتقد بروح ماركسية تأثير الهيمنة الرأسمالية على عالم اليوم؛ يعتبر كتذمر من أجل إحياء الروح الثورية، من خلال ضرورة التغيير الاجتماعي، ويرفض المفهوم التقليدي للثورة عندما يحدث تعارض مصالح بين الشعب وأنظمة الحكم (انتهى الاقتباس). لكن الثورات تولد من رحم المعاناة، قادة الثورة هم الذين يوجهون طاقاتهم الملهمة لخريطة الرؤية الثورية بالمهامات الاستراتيجية، من تحركهم ثوابت القيم والمبائ يعلمون ماذا سيفعلون عند مواجهة التحديات بحماس يواجه تقلبات الواقع لذا لا يستجيب للتأثيرات العاطفية التي تخبوا وتموت متى همدت تيارات المشاعر. كانت فعالة تصنع الشخصيات الثورية التي تنتج بدورها “زخم ثوري” يفرض بها التغيير على الواقع.
الثورات الكبرى في التاريخ هي التي امتد تأثيرها عبر القارات، لأنها أدت إلى تغير في النظم الاقتصادية والاجتماعية وبالضرورة المؤسسات السياسية. الثورة الفرنسية ركزت على الحرية العدالة والدستور، يعتبر أحد أشهرروادها (ماكسميليان روبسبير 1758 – 1794) أن الحرية والدستور هي أداة حرب ضد أعدائها والعدالة ترهبهم” كل هذا بمفهوم حداثي يرفض كل ما هو ماضي ، أو الأمور التي من ضمن أسبابها قامت الثورة الفرنسية، لذا ” دمروا الماضي لا تبنوا عليه ليس هناك ماضي” (جون كوريجليانو). بما أن تصريح الأخير كان من ضمن نقاط قوة الثور الفرنسية إلا أنها تحمل في داخلها ما يقتل الروح الذي صنعت أوربا الحديثة. الثورة في مفهوم الاشتراكيين ليس من أجل الإنسان هي مناهضة للرأسمالية والبرجوازية، وعدم التفكير في التقارب معهم، من خلال تطوير الطبقات الدنيا لمنافسة هياكل الطبقات الرأسمالية، لذا كثيرا ما تظهر أقوال فلاديمير لينين، في توجهات بوضع نظم مقيدة، لحرية البرجوازيين فبحسب لينين الحرية في مفهوم الرأسماليين، تشبه حرية مالكي العبيد، في الجمهوريات اليونانية القديمة، لذا من المهم أيضا وضع قيود ضرائب طاحنة ضد طبقاتها البرجوازية، والرأسمالية. هذا النوع من التوجه انتجت صراعات وتغييرات اجتماعية مستمرة، يستثمرها الايديولوجييين لمصالحههم، وتتبدى مظاهرها في الحروب الأهلية والتمردات، ووقودها القبلية والعنصرية واستغلال العقائد والطائفية. رأي فلاديمير لينين أن صرامة المبادئ المحددة في الطوائف تساعد في قيادة الثورات لذا لا بد من الاستفادة منها. إلا أن استغلال الطوائف والعقائد لغايات أيديولوجية تفرغها من أهدافها الأساسية لتمسى مجرد جسم، يوجه لأغراض وتحالفات تدخلها في صراعات أكثر ضررا لأهدافها. لتتحول إلى أهداف نفعية يتحكم بها طغاة، بلا أخلاق مناهضين للقوانين الإنسانية مما يجعلهم في حالة اغتراب عن حقيقتهم، ويدخلون اتباعهم في اغتراب اجباري. ثمة اغتراب أخر تنتجه هذه الحالة يرفض البحث عن المكانة بل يسعى لرفع مكان الآخر: «لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» إنه الاغتراب عن الاحتيال والخبث، للتفرغ التام لقضية ذات أهمية كونية وأبدية.