التنمية الريفية.. الغائب الحاضر
عبد الرحيم بلال
الخرطوم يونيو 2021
ورقة تم تقديمها في منبر حركة بلدنا بتاريخ ٦/٧/٢٠٢١
1. مقدمة
2. أهمية القطاع المطري التقليدي في التنمية الريفية في السودان
3. استنزاف الريف وتدهور القطاع المطري التقليدي
4. مناهج التنمية الريفية
5. التوصيات
6. المراجع
1. المقدمة:-
بدأ الاهتمام الواضح بالتنمية الريفية في دول العالم الثالت في بداية سبعينيات القرن الماضي، فعقد مجلس إدارة البنك الدولي في اجتماع مجلس إدارته في نايروبي فكانت التنمية الريفية والفقر في الريف موضوع اهتمام ذلك الاجتماع، وقبل ذلك بسبب انتصار الثورة الصينية الشعبية في عام 1947 بدأ التوجه والاهتمام في الخمسينيات بتنمية الريف خاصة في بريطانيا، وذلك بوضع أسس علمية لذلك في علم (تنمية المجتمع) (community development) والاهتمام بتعليم الكبار وتنمية المجتمع، فأُنشئ في السودان معهد تعليم الكبار وتنمية المجتمع بشندي لتخريج متخصصين في تنمية المجتمع.
لقد اهتم عدد من المانحين الأوروبيين ومن الولايات المتحدة بتمويل مشاريع التنمية الريفية في السبعينيات في السودان، ومن أهم هذه المشاريع والتي نفذتها هيئة المعونة البريطانية (ODA) مشروع غرب السافنا ومشروع تنمية جبل مرة وكان هناك مشروع تنمية جبال النوبة (من المانح؟) ومشروع تنمية النيل الأزرق بواسطة المعونة الأمريكية.
وفي بداية التسعينيات جاء مشروع تنمية المناطق المختارة (ADS) بتمويل من برنامج الأمم المتحدة للتنمية والذي توقف في العام 2001م لأن حكومة السودان لم تدفع ما يليها من التمويل.
الجدير بالذكر أن كل مشاريع التنمية الريفية هذه تمويلها خارجي، إذ أن التنمية الريفية لم تكن من اهتمام مختلف الحكومات في العهود المختلفة. كانت تنتهي بخروج المانحين الأجانب منها بل والأبشع من ذلك كانت توجه إليها هجمة شرسه من جهات حكومية مختلفة للاستيلاء على أصولها من مباني ومركبات.. الخ،
ولذلك لم يتم أي تقييم شامل يذكر لكل هذه المشاريع بواسطة جهات حكومية للاستفادة من الخبره فيها. هذا باستثناء بعض الأوراق العلمية هنا وهناك والتي يكتبها بعض الموظفين في الوزارات المختلفة عن هذه المشاريع (بعض أوراق ورشة التجارب والرؤى المستقبلية للتنمية الريفية المستدامة في إطار استراتيجية محاربة الفقر 16 – 17 أكتوبر 2001).
2- التنمية الريفية في السودان والقطاع المطري التقليدي
إن أي بحث للتنمية الريفية في السودان لابد أن يبدأ بفهم وضع القطاع المطري التقليدي في الاقتصاد السوداني لأسباب عديدة وأهمها أهمية هذا القطاع في التركيبة الاقتصادية السودانية واستنزافه وتدهوره بسبب ما يسمى بالإنحياز المديني في الفكر السياسي والتنموي في السودان كما جاء في عديد من الوثائق التنموية عن السودان.
تتضح أهمية هذا القطاع في الحقائق الآتية والتي وردت في كتاب استراتيجية تنمية وتطور القطاع الزراعي المطري التقليدي الذي صدر عن مركز مأمون بحيري للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا – الخرطوم أكتوبر 2013 م وهذا أول كتاب يصدر في هذا الموضوع في السودان وخارجه.
وقبل أن نذكر هذه الحقائق يجب أن نشير إلى أنَّ هنالك آراء مجافية للحقيقة والواقع تدعي أنَّ مشروع الجزيرة هو مشروع تنمية ريفية، وهذا خطأ كبير وسوء فهم للتنمية الريفية فمشروع الجزيرة الذي قامت بتأسيسه الإدارة الاستعمارية البريطانية في السودان لتمويل صناعة الغزل والنسيج في بريطانيا بالقطن طويل التيلة، لم يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي وهو من أهم أهداف التنمية الريفية الحقيقية.
● إن من أهم جوانب التنمية الريفية مشاركة المنتجين في اتخاذ القرارات فمشروع الجزيرة أبعد ما يكون من ذلك وقد أبعد الحيوان من الدورة الزراعية فكانت النتيجة سوء التغذية في منطقة المشروع وقد سمى أحد الباحثين الأجانب المشروع تنمية التخلف the development of under development)).
وفي نفس هذا السياق لا يمكن أن تكون مشاريع الزراعة المطرية الآلية الحديثة تنمية ريفية، لأنَّها بدأت بتمويل الجيش البريطاني في هذه المنطقة بالذرة ولأنها صارت موجهة لإنتاج محاصيل نقدية للسوق المحلية والسوق الخارجية، وذلك لمصلحة مجموعات مستثمرة ليست لها علاقة بالريف وسكانه بل هم من الغائبين (absentees) عن الريف من كبار ضباط القوات المسلحة المعاشيين أو غير المعاشيين وكبار موظفي الحكومة وكبار شيوخ القبائل والتجار.
إن أهمية القطاع المطري التقليدي تتضح في الحقائق التالية:
والأهمية لا تعني بالمعنى الإيجابي فقط بل بالمعنى السلبي أيضاً
● 65% من سكان السودان يعيشون على القطاع المطري التقليدي.
● إن الولايات التي تقع تحت هذا القطاع تتصف بأعلى مستويات الفقر والصراعات المسلحة. أهم هذة الولايات (دارفور الكبرى وكردفان الكبرى أن الفقر في دارفور 55.6% _ 69,4% من السكان و58,6% من السكان في كردفان.
● تساهم الزراعة التقليدية والتي تتركز في هذا القطاع بنصيب كبير في الدخل القومي بشقيها الحيواني والنباتي ويعود إليها أدني نصيب من ذلك.
● إن استعمال البذور المحسنة يزيد من الإنتاجية بنسبة 30_ 40 % وهذا القطاع محروم منها تماماً.
● مليون أسرة سودانية تمثل نحو 20% من إجمالي السكان وتعتمد على 50% في دخلها النقدي على إنتاج الصمغ العربي وهو من أهم منتجات القطاع المطري التقليدي.
● من مؤشرات تدهور القطاع المطري التقليدي أن صادرات الصمغ العربي تتدنى بنسبة 2.2% سنويا ما بين 1970_ 2005م.
1- تدني معدل نمو القطاع المطري التقليدي من 24.6% خلال تسعينيات القرن الماضي إلى 2.4% خلال الفترة من 2000م إلى 2008م بسبب تدني الإنتاجية وضعف التسويق.
2- نسبة المساحة المزروعة في القطاع المطري التقليدي من جملة المساحة المزروعة في الفترة 1980- 1986م كانت 55%، وفي الفترة من 2007 – 2012م زادت إلى 57.7% مما يدل على أهميته في الأمن الغذائي ومحاصيل الصادر. ومن هذه الأرقام يتضح أن التدهور المستمر في الإنتاجية في هذا القطاع، يعوض بالتوسع في المساحة وإهمال الدورة الزراعية، مما يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية.
3- مساهمة القطاع في تأمين الغذاء تدنى من 52% في العام 2004م إلى 46% في العام 2009م.
4- إن ثلاثة من تسعة من السودانيين قد عانوا من الجوع في العام 2009م، ولا شك أن أغلب هؤلاء الجوعى يعيشون على القطاع المطري التقليدي. هذا القطاع يعاني دائما من الكوارث الطبيعية (الجفاف والتصحر)… الخ والكوارث من صنع الإنسان فهو لذلك مرتع خصب للمجاعات والحروب والنزاعات.
5-فقد السودان نسبة تقارب 12% من ثروته الغابية خلال الفترة من 1990م إلى 2000م وهي من أهم مكونات القطاع المطري التقليدي.
3- آليات استنزاف وافقار الريف
1/ نزع الأراضي من صغار المنتجين في الريف والتضييق عليهم.
2/ مقص الأسعار: سلع الريف منخفضة الأسعار، سلع المدن والوارد مرتفعة في الريف حتى بعد خصم تكلفة النقل وغيره.
3/ العمالة الرخيصة من الريف في المدن والمشاريع الزراعية المروية ومشاريع الزراعة الآلية.
4/ آليات توزيع الثروة في الدولة ليست لمصلحة سكان الريف المنتج في النهج القطاعي المنحاز للمدن في التعليم والصحة والمياه والبيئة.. الخ.
5/ الضرائب المجحفة على إنتاج الريف (36 ضريبة ورسوم حسب البوني)
6/ آليات أخرى ليست لمصلحة سكان الريف.
– البحوث ليست موجهة إلى احتياجات سكان الريف
– مؤسسات التعليم الجيد في العاصمة والمدن الكبيرة
– كذلك المؤسسات الصحية الممتازة في العاصمة يأتي سكان الريف للعلاج في العاصمة بالرغم من التكلفة العالية لذلك.
– الخدمات الأخرى
– تهريب منتجات الريف وأهمها كان في الماضي الصمغ العربي والسمسم، وقد ازداد التهريب بدرجة كبيرة في الحاضر نتيجة لتهريب الذهب لصالح نخب تجارية في المدن.
نتيجة استنزاف الريف:
– توسع سكان الريف في الأراضي الهامشية
– إهمال الدورة الزراعية
– القطع الجائر للغابات
– الرعي الجائر
– التدخل السالب في تركيبة القطيع مثلا بيع الإناث
– الخضوع لتجار الشيل وبيع محاصيل أهل الريف بأسعار متدنية
– الهجرات المكثفة للمدن
4/ مناهج ومداخل التنمية الريفية
تذكر إصدارات منظمة العمل الدولية ثلاثة مناهج/ مداخل للتنمية الريفية كالآتي:
1. مدخل العامل الواحد
2. مدخل المشروع
3. مدخل المنطقة
4-1/ مدخل العامل الواحد
يجب أن يتم اختيار العامل الواحد على أسس علمية وعلى مشاركة وتوافق مع السكان المحليين.
● التمويل والائتمان.
● الإرشاد والتدريب.
● البحوث النباتية والحيوانية في مجال تحسين النسل والبذور وحصاد المياه.
● التأمين على المنتجين ومنتجاتهم ووسائل إنتاجهم.
● التنظيم: تنظيم المنتجين في تعاونيات واتحادات.. الخ، وتنظيم الدافعين عن سكان الريف.
4-2/ مدخل المشروع
مثال على ذلك مشروع تصدير اللحوم بدلا عن تصدير الماشية بإنشاء مسالخ في مناطق الإنتاج ووسائل نقل ومطارات مناسبة.
ومثال آخر لهذا المدخل مشروع إنتاج محصول معين في منطقة معينة في كل مراحل الإنتاج بدءاً بالبحوث ونهاية بالسلسلة التجارية للداخل أو الصادر.
4-3/ مدخل المنطقة
في هذه الحالة تحدد منطقة معينة وتشمل التنمية كل الجوانب من بحوث وإرشاد وإنتاج وتعليم وصحة وبنيات أساسية… الخ.
ومثال على ذلك مشروع المناطق المختارة (ADS) الذي ذكر آنفا.
على الباحثين وموظفي الدولة الناشطين في المجتمع المدني في المحليات والولايات وعلى المستوى القومي دراسة هذه المداخل في جوانبها المختلفة لتحديد المدخل المناسب لكل منطقة مثال لذلك:
1-إعداد المستفيدين من المدخل.
2- مدى وجوانب هذه الاستفادة في الدخل التدريب.. الخ.
1. الاستفادة في مجال التشغيل.
2. العائد غير المباشر مثلا في محاربة الفقر في المنطقة و…
3. حماية البيئة.
4. تحقيق السلام الاجتماعي والثقافي.
ويمكن إضافة عوامل أخرى من واقع المنطقة
5- التوصيات:
1. لابد من وجود استراتيجية وخطط للتنمية الريفية للدولة والمجتمع المدني.
2. لابد من تخصيص مؤسسة مؤهلة للمسؤولية عن التنمية الريفية.
3. توجيه البحوث إلى التنمية الريفية.
4. إدخال مناهج التنمية الريفية في كل المستويات ومراحل التعليم.
5. تقييم التجارب السابقة في التنمية الريفية.
6. يجب أن يقوم نظام الحكم على أهمية المجتمعات المحلية وكذلك النظام الاقتصادي.
7. تحفيز الكوادر المؤهلة للعمل في الريف بالطرق المختلفة.
8. بما أن التنمية الريفية تؤدي إلى فائض عمالة في الريف لابد من اتخاذ تدابير مناسبة لتشغيل هذا الفائض من العمالة سواء في الريف بالتصنيع الريفي أو التصنيع في المدن.