الرأي

التجديد والترقيع

لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ. (متى 9: 16)

تبدأ ظاهرة التجديد غالبا في هامش الحرية، أي المجال الأضيق والباهت نوعا ما، متى ما تباينت الأراء بتجاذبات بين مع ومتحفظ وضد، مع زيادة التفاعل في الهامش ترتفع الأصوات ليترتد نتيجة صداه بنفور المركز المحافظ للعتيق؛ مما يؤدي إلى ردود أفعال تصدر منها تضيق هامش الحرية، أو العمل على القضاء والتخلص عليها، عندذاك تبدأ المواجهة التي تولد الصراع، بشعور المنتصر من قبل القوة العتيقة لهيمنتها على القاعدة المسيطرة لمقاليد التحكم في زمام الواقع، السبب الذي يجعل مناصري القديم يشعرون بقوة نفوذهم، إلا أنه لن يصمد كثيرا لأن عوامل الزمن جعله مهلهل ومهترئ قابل للتمزق والتقطع. حينها يشعر بالخطر ويلجأ للمساومات بمحاولات حيل البقاء، إما بمحاولات ترميم الثغرات، أو إدراك القليل من الجديد لترقيع الخرق، المحكومة بالوهن والضعف لعدم تحمل القديم خشونة ومتانة الجديد. وبما أن الترقيع هو عملية لإصلاح ثغرة مُهدِدة، عيب أو فتحة يتم تحديده لتحسينه، بمميزات يتقارب مع فكرة التجديد للتكامل مع الشكل العام، حتى لا يكشف ما يُستَر أو يُخفى؛ إلا إن عملية ترقيع القديم بالجديد، تعتبر مغامرة محكوم عليها بالخيبة.
لذلك قال السيد المسيح: ” لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ. لأن القماش الذي لم يمر عبر يدي المفصل، في تجهيز عملية الخياط هو أقسى بكثير، بخلاف ما تكررت عملية غسله وارتداؤه؛ لم يدرك مرحلة لم المرونة بعد، النتيجة ستؤدي إلى تمزيق حواف الفتحة، أو الخرم المراد خياطتها وتلصيق القطعة عليه. أو كما في اللغة العربية رقَع الثَّوبَ أي أصلحه بإضافة رُقعة، سدّ خرقَه. وكلمة (رُقْعَةً) في الأصل اليوناني حرفيا تعني “الصفع أو الكف” يقصد به معنويا “تلصيق” الرقعة لإصلاح التمزق، إن كان عن طريق خياطة الرقعة على جانبي الفتحة التي تمزقت أو تثبيتها بمادة لاصقة . فالاسم اليوناني επιβλημα (epiblema) يصف الرقعة التي تربط جانبين متباينين من التمزق، أو رقعة لإصلاح التمزق. ومتى فشلت عملية الاصلاح يؤدي إلى تلف أكثر مما أوسع ( بالوس πολυς) أي كثيراً مستنزفا أذا جاز التعبير. من حيث الجوهر وأهمية القديم كأساس للتجديد، فقد أوضح السيد المسيح أنه لا ينبغي تدمير القديم، ولا حتى استبداله أو محاولة التخلص منه أو إصلاحه فلن يفلح أي عملية اصلاح، بل يتم الوفاء بجميع متطلباته حتى آخر ذروته، لأن الحصاد ينتهي اكتماله وقت جمع البذور. لتتحول إلى عبر ودروس. تأتي الحياة الجديدة بفيض تجديد من الحرية، مع عدم تلاشي أي شيء من عظات الماضي. بالنتيجة يظهر التجديد، من خلال تحدي العتيق بفكرة تركز على الابتكار الدائم، لتثير الرغبة و القلق من أجل إيجاد حلول إبداعية، والحصول على أكثر الأفكار والرؤى فعالية. الجدير بالملاحظة أن الأفكار الجديدة عادة ما تواجه عقول مغلقة، مما يتحتم عليها خوض معارك طويلة الأجل، هكذا كانت معظم الأفكار الحديثة حتم عليها اجتياز ظروف قاسية، مع التمسكك بشجاعة في الفكر والسلوك، والدفاع دون خوف في مواجهة تداعيات الاعتداء، لتجد لها مكانة دائمة في واقع الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى