الرأي

الاتحاد الإفريقي … المُواجهة وحُدود الخيارات

ناصر السيد النور

لعلَّ المصالح الاقتصادية العامل الأبرز في التكتلات الإقليمية التي تكونت في المنظمات ذات الطابع الإقليمي بقارات العالم، إلا أن المنظمة الإقليمية الإفريقية (منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً، الاتحاد الإفريقي حالياً) شكلت الوحدة هدفاً وصفة مقترنة بشعارات تنبتها الدول الإفريقية. فقد أسهمت الظروف التأريخية في بلورة مفهوم الوحدة والهوية الإفريقيتين، وظلَّت أحلام الآباء المؤسسين بالوحدة الإفريقية شعاراً أيدولوجيا في توجهات دول القارة يحكم علاقاتها ويوجه إلى حد ما سياساتها في خطابها السياسي العام. وذلك بحكم الحدود الجغرافية التي تشكلها القارة وثقافات البلدان ولغاتها ما يمكن أن يشكل إرثاً مشتركا. استدعى ترجمة هذه الأحلام أو الطموحات بالمعنى السياسي تكوين جسم ينفذ ويضع سياساتها العامة أو يعبر على الأقل عن صورتها في العالم

يشير المؤرخ الإنكليزي بول كينيدي في كتابه حول الأمم المتحدة   The Parliament of Man ” برلمان الإنسانماضي وحاضر ومستقبل الأمم المتحدةإلى أن الأمم المتحدة المنظمة الدوليةإنشاؤهاقد ورثت الكثير من ملامح تجارب التعاون الدولي في ذلك الوقت المبكر ممثلاً في عصبة الأمم. ويكاد هذا التوصيف ينطبق على قيام الاتحاد الإفريقي الذي لم يرث منظمة الوحدة الإفريقية فحسب، بل مشكلات الدول الإفريقية. في ذلك الوقت لم تكن دول العضوية  الصاعدة لتوها من الاستعمار قد تطورت دستورياً واستقرت نظمها السياسية وبنيتها الاقتصادية كدول ذات سيادة، ومن ثم تسنى لها الاضطلاع بدور أكبر يتخطى حدودها القومية إلى لعب دور إقليمي. فالدور الإقليمي لأي قوى صاعدة (دول ومنظمات) لا يتجاوز ميزان توازن القوى في سياق النظام العالمي الذي يضع القارة التي ليس لديها دور مؤثر في العالم في وضعية تبعية لقوى خارجية أكثر نفوذا

الاتحاد الإفريقي أو منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً الذي تولّد في العام 2002م في قمة ديربان بجنوب إفريقيا وحمل نفس صفة المنظمة السابقة التي خرجت في 1963م بقانونه التأسيسي بمواده الثلاثة وثلاثين الذي نصَّ على وحدة القارة الإفريقية وتضامنها كأولوية قصوى للقارة، بالإضافة إلى ما درجت عليها من أهداف تنموية واقتصادية. وبما أنّ المنظمة قد تكونت عقيب ما عرف وقتها بتصفية الاستعمار Decolonization  خاصة أن العديد من مناطق القارة كانت تخضع تحت الاستعمار والوصاية من قبل القوى الغربية، وظلت بعضها إلى وقت قريب تحت الوصاية وسياسة التفرقة العنصرية (الارباتيد) في جنوب إفريقيا؛ بل إن بعضها انفصل عن دول إفريقية كإرتيريا عن إثيوبيا وجنوب السودان عن السودان مؤخرا. فمنذ إنشائها إلى قيام الاتحاد الإفريقي ازداد عدد الدول المنضمة إليها من اثنتين وثلاثين دولة إلى أربع وخمسين دولة بانضمام دولة جنوب السودان في عضوية الاتحاد الحالية. وكغيرها من المنظمات الإقليمية في العالم الثالث ظلّ أداؤها في مستوى أداء الدول الإفريقية وما يعوزها من قصور في بناء الدولة State-building متجاذبة بين قوى دولية خاصة في مرحلة الحرب الباردة. أما المدى الذي استطاع الاقتراب من تحقيق أهدافه بالمعنى العام لا يحتاج إلى مؤشرات أو فرضيات تدعم ذلك، فعلى مدى الصراعات الداخلية، بين الدول الإفريقية التي كانت تفوق حجم آليات معالجات الاتحاد الإفريقي. فالاتحاد الإفريقي وكغيره من المنظمات ذات العضوية الدولية، لا يعمل إلا بدعم من دوله المكونة له للقيام بمهامه المنصوص عليها في ميثاقه.

وبما أن بنية الاتحاد الهيكلية تضم عدداً من المجالس بطبيعتها السياسية والإدارية والقانونية والفنية على قرار النظم المعمول بها دولياً في المنظمات فإن عوامل عدة تتعلق بجوانب اقتصادية وفنية تحول دون تنفيذ وتفعيل أدوار هذه الأجسام كالمفوضيات واللجان المتخصصة كالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان وغيرها. إلا أن أهم مقترح يتمثل في مبادرة التنمية الإفريقية NEPAD  (الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا ) 2001 التي  تهدف إلى التعامل مع مشكلات القارة بطريقة جديدة ومختلفة تقترح حلولا ملائمة لإزالة الفقر‏,‏ وتحقيق حياة أفضل لإنسان القارة من خلال تأكيد الملكية الإفريقية للنيباد‏,، ومسؤولية الحكومات والشعوب الإفريقية ـ كأولوية عن تحقيق أهدافها، من خلال مشاركة جادة وفاعلة بين الدول الإفريقية والسعي في الوقت نفسه لإقامة مشاركة بناءة مع الدول المتقدمة والمنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية المعنية‏,‏ تقوم على أساس من المسؤولية المشتركة والمحاسبة المتبادلة، وغيرها من المبادرة التي تبدو مثالية في طموحها الذي لا يتعدى بعض  أشواق القارة وأحلام قادتها في الوحدة والاندماج الاقتصادي ونتائج ذلك على واقع إنسان إفريقيا سواء بتحقيق أهداف الاتحاد الواردة في ديباجته التأسيسية أو ما تقتضيه ضروريات التنمية وواقع الحياة في إفريقيا. فإذا عنيت الدول الإفريقية بالتنمية الشاملة Inclusive Development في السابق فقد اتجهت إلى التنمية المستدامة Sustainable Development بأوسع مفهومها في التطور التنموي والاقتصادي الذي تطور خلال الحقب التالية لعصر العولمة

إن أكثر ما واجه آليات الاتحاد تمثلت في فرض تنفيذ قراراته على أرض الواقع لأسباب لوجستية خاصة تلك المتعلقة ببعثات حفظ السلام المُشكّلة من قوات الدول الأعضاء والمنتشرة في الصومال والكنغو والقوات الهجين المشاركة في صراع دارفور في السودان. لقد كانت مشاركات الدول الإفريقية في بعثات حفظ السلام تتم عبر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وببروز الاتحاد الإفريقي تشكلت بعثات ذات طابع عسكري وانتشرت في أكثر من بقعة ملتهبة في القارة، وهذا بدوره دور جديد لم يكن متاحاً في السابق مهما يكن مستوى فاعليته. فإن أكثر ما يواجه الاتحاد مشكلات المناطق الانفصالية والاعتراف بالدول الوليدة كقضية البوليساريو التي حصلت على اعتراف من الاتحاد على الرغم من تعقيد القضية بين المغرب والجبهة خاصة بعد عودة الأول بعد غياب دام لعقود إلى الحاضنة الإفريقية

إن التحديات وإعادة هيكلة الاتحاد الإفريقي تفرضها أسباب واقعية. فإذا لم يعد الاتحاد قابلاً للإصلاح أو مؤهلاً للاضطلاع بقضايا القارة، فما الذي يمكن أن يحل محله؟ الإجابة من المحتمل ليست مؤسسة أو منظمة بديلة، لكن بتفعيل الاتحاد الحالي ليكون ذا قدرة ووظائف متعددة من الممكن أن تقدم الحلول والبدائل لمختلف التحديات التي تواجهها كيانات القارة السياسية. فلا تسمح ظروف القارة الحالية بتكوين المزيد من المؤسسات أو المنظمات وإن بدا عدم فعالية المنظمة الحالية وهو واقـع الاتحاد الإفريقي اليوم. صحيح أن واقع القارة معقد ومختلف من أن تشرف عليه منظمة إقليمية واحدة؛ فقد ينتقد أداء الاتحاد ليس لتغيير نظامه المؤسسي ولكن لتنوع مؤسساته التي تقدم الحل على مـدى تقاطع القضايا. ومع وجود العديد من المنظمات ذات الطابع التعاوني في القارة كتجمع سوق الشرق والجنوب الإفريقي، ومنظمة الإيقاد في شرق القارة وجامعة الدول العربية، والاتحاد المغاربي، والمنظمات ذات الطابع التاريخي الثقافي، الكومنولث، والفرانكفونية وغيرها من الأجسام الأخرى كمنظمة المؤتمر الإسلامي

هناك عالم متعدد متنافس، ومؤسسات دولية متشابكة قد بدأ يأخذ شكله خلال العقود الأربعة الأخيرة، بالأساس في المجال الاقتصادي لكن مع زيادة التعقيدات حول كيفية حل مشكلات القارة السياسـية والاقتصادية والصحية. كل المؤسسات تواجـه ذات المخطط المتبادل تلك التي واجهتها دول القارة غداة استقلالها عن القوى الإمبرالية: مؤسسات تعتبر على نحو كبير شرعية (منظمة الوحدة الإفريقية) ليست رديئة، وتلك الفاعلة، لا يعتبرها الكثيرون شرعية، أوجدت الحاجـة لمؤسسات فاعلـة، وأنتجت نفسها في شكل جديد للتعاون الدولـي ممثلا في الاتحاد الإفريقي

ومع أزدياد الدواعي الأمنية ومكافحة الإرهاب، تمدَّد النفوذ الدولي في القارة مما عقد من مشكلاتها الأمنية المزمنة فبتدخل القوات والنفوذ الدولي الذي يراعي مصالح بعض الدول ( موارد القارة)؛ لايملك الاتحاد الإفريقي بقدراته المتواضعة مجابهة هذه الوضعية الجديدة التي تضع دول القارة رهينة بالقوى أو الجماعات التي تتخذ من أراضيها قواعد لتنفيذ عملياتها. ومن جانب آخر فإن هذا التغول قد أدى إلى تحالفات جديدة وانتشار لقوات على طول القارة مثل القوات الأمريكية في غرب إفريقيا USAFRICOM (القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا) ومنطقة القرن الإفريقي وما تشهده من عمليات على أراضيه الملتهبة في الأصل. وعليه، تبقى خيارات الاتحاد الإفريقي تحت اختبار صعب لم يستعد الاتحاد الإفريقي له. إذن ما يواجه الاتحاد الإفريقي محتمل الحدوث، وحدة التنافس محتملة على موارد القارة، وما بات يرتسم على خارطة القارة الجيوبولتيكية بالشكل الذي سيعيد تشكيلها على غير ما استقرت عليه لعقود.  

 

\\\\\\\ع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى