الرأي

الإلفة والاحترام

«فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ:«لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ». (متى 13: 57)

هل الإلفة تقلل من البرتكول والمهابة؟. بحسب المثل الأنجليزي: “الألفة تولد الأحتقار”، المثير للجدل عن أصله التاريخي والجغرافي، قال البعض أنه مثل إنجليزي، مصدره اللغة اللاتينية من شاب اسمه بوبولس سيروس أصله سوري، عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، ابان الامبراطورة الرومانية. يقول البعض أن أصل المثل عثر في نص الحكمة الفيدية، (كتاب الفيدا) القديمة في اللغة السنيكريتية، الهندية القديمة قال الحكيم: “الألفة في هذا العالم تولد الاحتقار”، في كل الأحوال تم تكييفها لاحقًا في الثقافة الإنجليزية. طور البعض هذا المثل لتوضيح معناه من خلال قصة الثعلب والأسد يقال: عندما رأى الثعلب الأسد لأول مرة، كان خائفا بشكل رهيب، هرب واختبأ في الغابة. لكن في المرة الثانية اقترب، من ملك الوحوش توقف على مسافة آمنة وشاهده يمر. في المرة الثالثة اقتربوا من بعضهم البعض، صعد الثعلب مباشرة إلى عرين الأسد وقضى وقتا ممتعا في الحديث معه، سأله عن حال عائلته، ومتى يسعده برؤيته مرة أخرى؛ ثم يدير ذيله، وذهب عن الأسد دون الكثير من المراسم. الخلاصة “أن الألفة تجعل حتى أكثر الأشياء المخيفة تبدو غير ضارة تمامًا”. بالطبع عدم الإلمام يولد الخوف.
بحسب قاموس الكلمات الكلاسيكية القديمة الكلمة (يَعْثُرُونَ ἐσκανδαλίζοντο) من الأصل سكندالون (σκανδαλον) يصف نوعًا من الفخ الذي كان يستخدمه الصيادون، أصبح فيما بعد استخدم في وصف الفخ اللفظي، من مشتقاتها أتت الكلمة الإنجليزية افتراء، يقصد به الشيء الذي يسبب “الإساءة” أو التعثر كما في أسلاك الشرك. إلا أن الكلمة تعني حرفيا الصيد بجهاز ينبعث منه ضوء ليلي لجذب الكائنات البحرية، لجعلها متحمسة بالاقتراب من الضوء المفخخ. الصيد بالنار تعتبر عادة قديمة منذ عصور ما قبل التاريخ. ثمة جوانب تطبيقية تحذرية في فكرة الصيد والتعثر بالأضواء الفكرية الكاذبة من خلال خبراء لخلق قناعات مموهة، لتحويل رؤية العامة إلى ظلام لا حدود له، يتم تنفيذ ذلك في عصرنا الحالي من خلال الفضائيات الشهيرة عالميا، لجذب الفاتنين بطريقة لا شعورية، متى ما انعدم العمق الفكري. هل خدع صيادو التكنولوجيا مدمنيها؟!. أيضا تأتي كلمة (كَرَامَةٍ ἄτιμος ايتيموس) من لأصل الاسم ( تيمي τιμη) أي “الوقت” تعني حرفيا القيمة أو الغلاء، ويوصف بها أيضا شيئا عزيزا ذا قيمة، بما فيها القيمة المالية في سعر السلع التجارية. وتستخدم في الكتابات الكلاسيكية لتعني التكريم أو التبجيل، أو منح الجوائز عالية القيمة. تترجم في كتابات العهد الجديد بكلمة شرف، لذا ترتبط هذه الكلمة عادة بالاعتراف بوعي القيمة الخاصة، فمثلا إن كنت عاطلا عن العمل تتدنى قيمتك الشخصية والذاتية وتعتبر اعتداء على احترام الذات لدى الشخص، ومتى ما توظف تعاد القيمة الشخصية إلى مكانتها الحقيقية. لذلك العبارة (بِلاَ كَرَامَةٍ) تعنى بدون الصفة ατιμος atimos))، أي بدون قيمة أو احترام، أو ذات سمعة متدنية لا يستحق الاحترام بل العار والخزي. في الواقع كلما زاد الاحتكاك والتعارف بين الناس، تظهر الكثير من العيوب في سلوك البشر، إن كان من تحتك به من المشاهير أو المؤثرين هذا يقلل من التعلق والاعجاب، ومتى ما كثرت الأخطاء ينتج احتقار، إلا أن قبول أخطاء الاخرين في الفكر الإنساني كمعيار مقبول كما فضل عالم الاقتصاد جون كينيث جالبريث (1908-2006). قال أن الإلفة هي اختبار مهم للقبول، فإن الأفكار المقبولة تتمتع باستقرار كبير. فمن يزدري بعد اختبارات الإلفة يبحث عن مصلحة ورضى ذاتي، وإلا لما كانت هناك صداقات وزواجات، دامت سنين كثيرة فيها يزداد الأحترام والثقة بين الشركاء لتنموا العلاقة بعد كل اعتراف بالخطاء وتحمل المسؤوليات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى