تقارير

اقتحام الكونغرس.. ما سر حملة “الشماتة” في العالم العربي؟

محمود حسين
مقالات وتغريدات وحوارات تليفزيونية في كل الدول العربية تقريبا محورها الأحداث التي وقعت داخل وحول مقر الكونغرس الأمريكي. البعض يرى حملة “شماتة” وسط هذه التغطية المكثفة، الغرض منها تثبيث فكرة ما. لكن ما الهدف من ذلك؟
فتحت أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي – قدس اقداس الديمقراطية الامريكية – شهية الكثيرين في العالم العربي للسخرية من الديمقراطية الأمريكية، بل والتشكيك في فكرة الديمقراطية عموما.
ففي ظل صمت رسمي عربي، إزاء ما حدث في واشنطن، كان هناك على الجانب الآخر تفاعل كبير في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، واستغل البعض الأمر للشماتة في الولايات المتحدة الأمريكية التي “ناصرت” الربيع العربي. في هذا السياق غرد الكاتب والاكاديمي السعودي الدكتور أحمد الفراج، بـ”نصيحة” لساسة العرب والخليج.
أما الكاتب الصحفي والنائب المصري مصطفى بكري – والذي كتب نحو 17 تغريدة عن الأحداث مختتماً أغلبها بجملة “اللهم لا شماتة” – فقد غرد “بتهكم” داعيا لاحترام “الربيع الأمريكي” ومبادئ حقوق الإنسان.
أما الإعلامي المصري عمرو أديب فغرد ساخراً وشبه ما حدث في واشنطن بأحداث 2013 في مصر حين تم خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي:
الباحث العراقي مصطفى حبيب غرد ساخرا مما جرى في مبنى الكونغرس الأمريكي، ومذكرا بطريقة لاذعة بالغزو الامريكي للعراق، وقال اذا لم تحترم الولايات المتحدة مبادئ الديمقراطية فان القوات العراقية ستتدخل “لإسقاط الدكتاتور”!
حملة منظمة؟
وفي مقابلة له مع DW عربية، قال طارق الكحلاوي الأكاديمي والناشط السياسي التونسي إنه هناك حالة انكار للحاجة إلى الديمقراطية في العالم العربي، “كما أن هناك حالة شماتة تعكس خلطاً خاطئاً بين أمرين: الأول هو سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، والثاني هو فكرة الديمقراطية والحاجة إليها”.
وأضاف الكحلاوي أنه “تم تسويق ما حدث في الولايات المتحدة لدى شعوب المنطقة العربية على أن الأزمة الديمقراطية التي تمر بها الولايات المتحدة حالياً ما هي إلا دليل على فشل سياساتها في الشرق الأوسط، ويقف وراء ذلك التوجه أولئك المعادون للانتقال الديمقراطي في العالم العربي بهدف إبقاء الحكام غير المفوضين شعبياً في مكانهم مع استعادة للخطاب المؤامراتي الذي يرفض الديمقراطية من الأصل”.
ويرى خالد منصور الكاتب والمحلل السياسي المصري أن ما يجب أن يدفعنا للتفكير فيما نشر مؤخراً في العالم العربي عبر وسائل إعلام مختلفة ضد الديمقراطية هو أن ما يحدث قد يكون وراءه أمرين: الأول أنه مؤشر لجهل عميق للغاية بفكرة الديمقراطية، والأمر الثاني هو أنها حملة منسقة للتسفيه والتحقير من الديمقراطية وأن لهذه الحملة غرض نتيجته الواضحة هو كفر تام بالديمقراطية التمثيلية وأنها لا تصلح للعمل حتى في البلاد التي أسستها وترسخت فيها”.

وأضاف منصور أن من نتائج تلك الحملة الحط من شأن الديمقراطية كلها كنظام سياسي للحكم وأيضاً الحط من فكرة الشعب نفسه ومن خياراته، “فالشعب إما همجي مثل أولئك الذين يحطمون الممتلكات العامة كما حدث في الكونغرس، أو أنه لا يستحق أن يُمنح الحق في اختيار ممثليه وبأنه ليس جاهزاً للديمقراطية، ربما يشمل ذلك الشعب الأمريكي نفسه، وبالتالي فالنتيجة هي أن تلك الشعوب تستحق العائلة المالكة الحاكمة أو الفرد المالك الحاكم الديكتاتور الذي هو أدرى بمصالحنا وهو من يقول لنا ماذا نفعل وكيف نتصرف، وبالتالي أيضاً تبرير القبضة الأمنية والاستبداد”.
ومنذ أحداث “الربيع العربي” وربما قبلها، يتم تسويق فكرة أن الشعوب العربية “غير مؤهلة للديمقراطية” وأنها إن تحركت لنيل مطالبها فإنها ستدمر البلاد، وأن ثقافة تلك المنطقة تتطلب نوعاً من الحزم في القيادة والشدة في الحكم مع دول تقف “دائماً وأبداً” على حافة السقوط في هاوية المؤامرات والمكائد التي لا تنته، كما يروج البعض.
“أفضل الأنظمة السيئة”
ولا ينكر أحد أن الديمقراطية في حد ذاتها لا يمكن أن يكون كاملا لا تشوبه شائبة، وإن كان هناك من يرون أن الديمقراطية وحكم الشعوب لأنفسها واختيار من يدير بلادها هي فكرة سيئة، فلا شك في أن البدائل الأخرى أسوأ بكثير، ذلك أن “قمع آراء الناس من خلال الديكتاتورية أو الاستبداد يعني سيادة قلة قليلة على البقية، كما أن فرض الاستقرار من خلال الخوف ليس هو أفضل وسيلة لتوفير الأمن والرخاء و النمو الذين سيجعلون حياة الناس أفضل”، بحسب ما كتب بيتر ميليت سفير المملكة المتحدة السابق إلى ليبيا على مدونة وزارة الخارجية البريطانية.
وعلى الجانب الآخر، هناك من يرى أن فكرة الديمقراطية واحترام خيارات الشعوب الحرة لقادتها ليست كما تبدو عليه ظاهرياً، إذ يسوق هؤلاء فكرة أن دعوات الديمقراطية وتداول السلطة غالبا ما تأتي مصحوبة بالفوضى، وأن من يدعون إليها – في الاغلب – إما أنهم من الحالمين وناقصي الخبرة السياسية في أفضل الاحوال، أو هم من المأجورين والعملاء بهدف إسقاط الأنظمة “الوطنية”.
ويرى محمود إبراهيم المحامي والحقوقي المصري أن “الموضوع الأساسي حالياً هو إدراك المواطن العربي لفكرة الديمقراطية والتي تم تصديرها إليه على أنها حكم الناس لأنفسهم واختيار من يحرص على مصلحتهم وغيرها من الأفكار لكن الحقيقة أن جوهرها هو فكرة الدولة القائمة على المؤسسات وهذا ما رأيناه في الولايات المتحدة حينما حاول ترامب القفز على فكرة دولة المؤسسات والتي أقرت هزيمته في النهاية”.
أضاف الحقوقي المصري في مقابلة مع DW عربية أن المواطنين في الشرق الأوسط لم يعرفوا الديمقراطية في أي لحظة من لحظات حياتهم، “بل إن المبشرين بالديمقراطية في العالم العربي يمكن القول بأن أغلبهم فاقدون للمصداقية، إذ أنهم يبشرون بأشياء ربما لا يعرفون جوهرها، وبالممارسة نجدهم قد تحولوا إلى ديكتاتوريين، وهذا متمثل بشكل أساسي في الإسلاميين واليسار الذين يتحدثون كثيراً في عالمنا العربي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بما يجعلهم ربما أسوأ من انظمة الحكم التي يعارضونها”.

ويرى خالد منصور الكاتب والمحلل السياسي المصري أن الحديث عن المأزق الذي تواجهه الديمقراطية في العالم الغربي “هو حق يراد به باطل شنيع وهو التوقف عن الحديث عن أي نوع من الديمقراطية تمثيلية أو غير تمثيلية”.
أضاف منصور أن “الديمقراطية لاتتمثل فقط في وضع أصوات في صندوق، لكنها أيضاً صحافة حرة ومستقلة تمكنت من وضع المشاهد في صورة ما يحدث على الأرض وأيضاً برلمان مستقل عن السلطة التنفيذية يقوم بالمحاسبة والمساءلة، وكذلك قضاء مستقل رفض أكثر من 60 دعوى من ترامب وأنصاره بشأن نتائج الانتخابات”، مشدداً على أن “كل هذه الأمور متعلقة بالديمقراطية ولا يتحدث عنها أحد، ويتم اختزال الأمر كله والحديث فقط عن المشهد الأخير الذي هو بالفعل مشهد مأساوي وخطير”، والمقصود هنا اقتحام مبنى لكونجرس.

حماية الديمقراطية

على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتب الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي حول فكرة كيفية حماية الديمقراطية “من حمق الاستبداديين والشعبويين”، موضحاً أن كلا الطرفين سواء أنصار الديكتاتوريات أو دعاة الشعبوية واليمين المتطرف يمثلان تهديداً وجودياً على فكرة الديمقراطية:
وفي هذا الشأن يقول طارق الكحلاوي الأكاديمي والناشط السياسي التونسي إن “الديمقراطيات الناشئة مثل تونس تحتاج إلى أمر شبيه بمشروع مارشال، بمعنى دعم استراتيجي كامل، وخصوصاً من الاتحاد الاوروبي، لأن تونس حالياً هي حائط الصد الوحيد أمام انشتار الديكتاتورية”.

أضاف الكحلاوي أن “إمكانية فشل فكرة الديمقراطية في العالم العربي تدعم وتزيد من هذا الاحتياج إلى الدعم الدولي خاصة مع صعوبة الوضع الاقتصادي في تونس بسبب أزمة تفشي وباء كورونا، الأمر الذي يجعل حجة المدافعين عن الديمقراطية في تونس ضعيفة وهشة أمام محاولات معسكر الثورة المضادة للعودة إلى ما كانت عليه البلاد قبل الثورة”.

أما خالد منصور الكاتب والمحلل السياسي المصري فيرى أن أهم ما يجب عمله في سياق دعم أفكار الديمقراطية في المنطقة العربية هو العرض والمستمر للحقائق ومحاولة إدارة حوار بشكل دائم للخروج من دائرة العبث والتضليل.

وتابع منصور قائلا: “الحقيقة أن الانشغال بالرد على التسفيه والتحقير من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أمر غير مجدٍ، وإنما يجب التركيز على توضيح فكرة أهمية احترام الرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان، وأن هذا الإصرار على الدخول في حوارات جدية وواضحة بشان تلك الأمور هو الحل الوحيد لتؤمن الشعوب أن مصالحها مع الديمقراطية وأنها الحل الوحيد ليكون هناك استقرار وتطور اقتصادي وعدالة اجتماعية”.
نقلا عن DW عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى