تقارير

استعادة السكك الحديدية.. هل تساعد السودان على العودة لمساره الصحيح؟

ترجمة وعرض ـــ الديمقراطي
قالت صحيفة التلغراف البريطانية في تقرير لها، إنَّ السودان يخطط لإحياء شبكة سكك حديدية ضخمة طواها الإهمال والنسيان، ورصدت الحكومة الانتقالية نصف مليار جنيه إسترليني لتجديد الشبكة المتهالكة التيأنشأت منذ أكثر من قرن، ومن المنتظر أن يكون المشروع بمثابة شريان حياة للمنطقة بأسرها.
ويعمل المدير العام لمؤسسة السكك الحديدية السودانية وليد محمود أحمد، على إيجاد طريقة لإحياء ثالث أكبر شبكة سكك حديدية في إفريقيا وإعادة واحدة من أكثر مؤسسات بلاده فخراً إلى مجدها السابق، وهي التي كانت تجوب البلاد طولاً وعرضاً.
وأكد المسؤول السوداني أن سياسات النظام السابق دمرت جزءاً كبيراً من شبكة سكك الحديد لدينا.
خطة للتجديد
في يوليو 2021، أعلن السودان عن خطة بقيمة نصف مليار جنيه لتجديد شبكة السكك الحديدية المتهالكة التي جرى بناؤها لأول مرة منذ أكثر من قرن من قبل الغزو الاستعماري البريطاني.
وتعد هذه الخطوة جزءاً من خطة الحكومة الجديدة لإعادة بناء الدولة بشكل أساسي بعد انتهاء ديكتاتورية رئيس النظام السابق عمر البشير في ثورة 2019.
شريان الحياة
وقال برنامج الغذاء العالمي لصحيفة التلغراف: إن شبكة سكك حديدية فعالة في هذه المنطقة من العالم يمكن أن تمنح “شريان الحياة” للملايين فيالمنطقة.
كما يمكن أن تساعد العاملين في المجال الإنساني على توفير الغذاء للمحتاجين في دارفور وجنوب السودان وإقليم تيغراي.

وفي سياق متصل أكد مصطفى أحمد فضل، مدير متحف صغير في مدينة عطبرة، أن التاريخ الحديث للسودان يمكن سرده من خلال شبكة السكك الحديدية.
ويروي متحفه القابع على بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام،كيف جرى وضع بعض الخطوط الأولى من القاهرة على يد الجيش الأنجلو- مصري، الذي قاده الجنرال هربرت كيتشنر في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر.
واستخدم كيتشنر القطارات لإمداد قواته أثناء سيرها عبر الصحراء، متوغلة نحو الداخل.
وعندما وصلت إلى ضواحي العاصمة الخرطوم، قتلت قواته 12 ألف جندي من جنود المهديين سيئ التجهيز بالمدافع الرشاشة، حيث طالبت الإمبراطورية البريطانية بحقها في السيطرة على السودان.
وبعد حوالي 60 عاماً طالب عشرات الآلاف من النقابيين في قطاع السكك الحديدية بالحرية، مما جعل موقف بريطانيا لا يمكن الدفاع عنه.
وقال فضل، وهو يسارع إلى الداخل اتقاء عاصفة رملية متصاعدة. “انظر
إلى هذهالقطعة من الفحم، إنها من بارنسلي. كانت القطارات البخارية تعمل عليه.
وأكد”لقد بدأ التغيير في السودان دائماً من هنا في عطبرة”.
بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1956، عبرت حوالي 2500 ميل من مسارات الصحراء، قطارات من مناجم الذهب في الغرب إلى حقول القطن والقمح في الشرق باتجاه البحر الأحمر، حيث ربطت بين كل أجزاء السودان.
ولكن بعد ذلك في عام 1989، منح الديكتاتور عمر البشير لجنرالاته وكبار رجال نظامه الإسلامي، احتكاراً مربحاً لشاحنات النقل وكسر ظهر النقابة، تاركاً السكك الحديدية في حالة من الصدأ وسط انتشار للفساد وسوء الإدارة.
وعقب الإطاحة بالبشير، تأملت الحكومة السودانية الانتقالية في تعزيز اقتصادها المنهار وربط الخطوط القديمة بإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان
وأفادت تقارير أن الصين وبنك التنمية الإفريقي وشركات خليجية أبدت بالفعل اهتمامها بالمشروع الضخم.
وتريد الحكومة في نهاية المطاف تغيير المسار بأكمله ليشمل مصر وكينيا.
وتبدو القطارات التي تعود إلى حقبة الإمبراطورية البريطانية في عطبرة، في الوقت الحالي أشبه بالمقابر أكثر منها ورش عمل.
محاولات النهوض
يندفع العشرات من المهندسين والميكانيكيين الذين يرتدون شبشباً بين أكوام ضخمة من الخردة المعدنية والعربات المعطلة، ويمسحون العرق باستمرار من حواجبهم في حرارة 46 درجة مئوية، بعد أن غطت كثبان الرمال عبر العقود الماضية قاطرات من ألمانيا والولايات المتحدة والهند والصين. ومعظمها محطم بشكل لا يمكن إصلاحه.
وهناك حوالي 130 قاطرة في البلاد، لكن أكثر من عقدين من العقوبات الأميركية تعني أنه من الصعب الحصول على قطع الغيار.
ويقول المهندسون في الورشة: إن عليهم شراء الإمدادات المستعملة من أماكن مثل رومانيا وكوريا الجنوبية، وغالباً ما يجدون أنفسهم في النهاية ضحية صفقات فاشلة ومخدوعة.
وتبدو حوالي نصف الشبكة في حالة خراب. وفي العديد من الأماكن التي من المفترض أن يعمل فيها الخط، لا يمكن للسائقين تجاوز 10 أميال في الساعة خوفاً من الخروج عن المسار،وبالتالي قد يستغرق الأمر أكثر من أسبوع لعبور البلاد.
من جانبها، تكافح مؤسسة السكك الحديدية للحصول على وقود كافٍ لتحريك قطار 300 متر أو دفع رواتب عمالها، مما يدفع الموظفين غالبا إلى بيع الخردة المعدنية لشراء الطعام.
وقال أحد العمال متذمراً: “عندما كنت طفلاً، كانت القطارات تأتي وتغادر في الوقت المحدد، أما الآن، القطارات تغادر عندما يريد المسؤولون”.
طُرق خطرة
يتعين على برنامج الغذاء العالمي إرسال آلاف الشحنات الغذائية على طول الطرق السريعة الخطرة في السودان، والتي تصطف على جانبيها الشاحنات المحترقة والمقلوبة.لذلك، قادت المنظمة مهمة إعادة تأهيل عدة أقسام من السكك الحديدية خلال السنوات القليلة الماضية.
ويخطط البرنامج لإنفاق عشرات الملايين من الجنيهات لمساعدة الحكومة السودانية على تجديد حوالي مائة قاطرة، وإصلاح أنظمة الإشارات وتدريب الموظفين الجدد.
ويقول رئيس برنامج الغذاء العالمي في الخرطوم “إيدي رو”: “سيصبح نظام النقل بالسكك الحديدية المحدث شريان حياة لسلسلة الإمداد الغذائي عبر السودان وخارجه”.
وأضاف: “إن إعادة تأهيل خطوط السكك الحديدية الرئيسة سيجعل نقل الأغذية المنقذة للحياة والمساعدات الغذائية أسرع وأرخص وأكثر أماناً وصديقة للبيئة أكثر”.
وهذا سيمكن برنامج الغذاء العالمي من إنقاذ الأرواح، فهو استثمار منطقي لشعب السودان والحكومة والمنطقة بأسرها، وأضاف: “وبالفعل بدأ عُمال العمل على تهيئةقاطرة سيتم تجديدها لصالح برنامج العذاء العالمي في ورشات السكك الحديدية في عطبرة”.
ويمكن مشاهدة قاطرات من ألمانيا والولايات المتحدة والهند والصين مدفونة تحت الإهمال ومغطاة بالرمال والحصى ومتعطلة عبر السنوات. معظمها محطّمة وصدئة بشكل لا يمكن إصلاحه.
وقال مدير محطة عطبرة عبدالرحمن إدريس أحمد: “كانت المحطة تشاهد مرور حوالي 30 قطاراً كل يوم، أما الآن نحصل أحياناً على عدد قليل من قطارات البضائع وقطار ركاب واحد إلى الخرطوم”. ويتابع: “في أحيان أخرى، لا نحصل على أي شيء بالمطلق”. وأضاف: “في الهند، ركزوا على بنيتهم التحتية، وعلى السكك الحديدية الخاصة بهم، لكن هنا كانت لدينا سياسات المصلحة الذاتية. النخبة أرادت امتلاك أسطول من الشاحنات، لذلك عانينا”.وتابع: “آمل أن تتمكن بريطانيا من الاستثمار هنا، كانت أول دولة أنشأت هذه المؤسسة العظيمة”.
وبين أنه على مرِّ السنين، لعبت السكك الحديدية دوراً كبيراً في انفتاح البلاد وفتح عقول الناس، الوضع ليس جيدا، ولكننا نكافح من أجل تحسينه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى