الرأي

احتجاز مريض رهينة!!

بشفافية

حيدر المكاشفي
في إجراء غير إنساني ولا أخلاقي، إحتجز مستشفى وعد التخصصي، مريضاً تعثر عن سداد مبلغ متبقي من فاتورة علاجية متعلقة بعملية أجريت له في الرأس، وأوردت الصحافية شذى الشيخ التي وقفت على هذا التصرف المشين وتحدثت مع مرافقة المريض، ان المريض ومرافقيه قدموا من الفاشر بغرض إجراء عملية لمريضهم، وأنهم سددوا مبلغ مليار و750 ألف جنيه للعملية، ومتبقي العملية مبلغ 470 ألف جنيه، واضافت المرافقة (وبرغم رجاءاتنا إلا ان المستشفى حجزت على المريض– أي بمعنى أن يبقى المريض محجوزاً بالمستشفى إلى حين سداد ما تبقى من المبلغ)، وزادت بأن الحجز يتطلب صرفاً إضافياً من متطلبات يومية مما يزيد من قيمة المبلغ المطلوب من قبل المستشفى، (حيث أننا نقوم بدفع 20 ألف جنيه يوميا للغرفة، مما يزيد من معاناتنا بصورة يومية)، وختمت حديثها قائلة والحسرة تملأ قلبها (ظروفنا المادية والصحية لا تتحمل المكوث في المستشفى أكثر من ذلك)..
لم يكن أكثر المتشائمين بما بلغه حالنا من سوء وترد طال كل شيء بعد الانقلاب، يتصور أن تصل غلظة القلب والتجرد من الإنسانية والشراهة لكنز المال إلى الدرجة التي تجعل هذا المستشفى يحتجز هذا المريض، إلا بعد أن يسدد ذووه متبقي فاتورة العلاج على داير المليم، آسف أقصد فاتورة الرهن، على طريقة العصابات التي تختطف بعض الاطفال وبعض الشخصيات المشهورة، وتحتجزهم في أماكن مجهولة لمقايضة حريتهم بدفع مبالغ كبيرة، وهذا للأسف من موروثات النظام البائد، حين كانت بعض المستشفيات تحتجز حتى جثامين المتوفين ولا تفرج عن الجثمان إلا بعد أن يحصل المستشفى على ما يضمن له سداد متبقي فاتورته، ولكم أن تتخيلوا بشاعة المشهد اذا علمتم أن أحد تلك المستشفيات كان قد احتجز إبنة أحد المتوفين وأبقاها رهينة داخله مقابل جثمان والدها ليضمن سداد المتبقي وكان مبلغا تافها، غير أن الأتفه من المبلغ مثل هذا السلوك القبيح المشين الذي لا يليق بالمشافي وإن جاز في كناتين الأحياء التي تتعامل بــ(الأمنية)، ومثال آخر كان لرجل معروف ومشهور ومقتدر هو القاضي صلاح حسن، رحمه الله، صاحب واحدة من أشهر السوابق القضائية في السودان، هي قضية طرد الحزب الشيوعي من البرلمان والتي ظل دارسو القانون يستلهمون منها الدروس والعبر عن كيف تكون النزاهة والعدالة في إصدار الأحكام القضائية، فرغم شهرة الرجل وقدرة أسرته المالية، ورغم تعهد ذويه وتقديمهم للضمانات الكافية لإدارة المستشفى الذي توفي فيه بسداد فاتورة العلاج الذي لم يكن سوى (دربات وجهاز تنفس) في اليوم التالي، حيث تصادف أن كان يوم وفاته يوم الجمعة الذي لا تعمل فيه البنوك، ولكن إدارة المستشفى التي عماها حب المال عن استبصار ما عدا الاستثمار من عوائد أخلاقية وإنسانية ومهنية، احتجزت الجثمان ورفضت تسليمه لذوي المتوفى حتى يسارعوا بإكرامه بالإسراع في دفنه إلا بعد أن يسددوا فاتورة العلاج كاملة لا تنقص ولا فرطاقة، ولم تشفع لهم لا الضمانات والتعهدات التي قدموها ولا العذر الذي طرحوه ولا حتى آصرة الزمالة التي تجمعهم بكريمته الطبيبة التي كانت في رفقته.
ولك بعد ذلك عزيزنا القارئ حق تقدير ما بلغته سياسة خصخصة الخدمات وانسحاب الدولة منها من استهانة بالإنسان حد المساومة بالمرضى وبالجثامين، ولك أيضا أن تقدر حجم النصب والعذاب الذي يكابده المرضى من الفقراء وذوي الدخل المحدود والحيل المهدود بعد أن علمت بالمعاملة التي وجدها المريض القادم من الفاشر، ففي ذلك نذير شر للفقراء إذا ما مرضوا فما عليهم إلا أن يتحملوا مسؤولية مرضهم كاملة في انتظار إحدى الحسنيين، إما شفاء يهبط عليهم من السماء بقدرة العزيز المقتدر الشافي من كل وباء والكافي من كل بلاء، أو يسلمون الروح إلى الرؤوف الغفور الرحمن الرحيم، ولا عزاء للتراحم والتكافل. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
*نقلا عن الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى