الرأي

ابعدوا التعليم عن المحاصصات

النظام المخلوع كان يعمل على تأسيس دولة مدمرة وشعبها عاجز تناسب مقدراته وأخلاقه حتى يتمكن من البقاء في السلطة الى الأبد، ولذلك سعى سعياً حثيثاً لتدمير التعليم العام والعالي في وقت واحد، فظل يعين في الوزارتين غير المؤهلين سواء أكانوا من كوادره أو من كوادر الأحزاب والحركات التي يغريها بالمناصب والمال وخصص لهم الوزارتين ووزارات أخرى بعضها منجور، فأصبح شروط اختيار وزير التعليم العام أو العالي معدومة، ويمكن أن يتولى المنصب أي شخص يدفع به رئيس الحزب أو الحركة أو يتوسط له أحدهم لدى البشير، وإن راجعنا كل وزراء التعليم العام والعالي خلال ثلاثة عقود سنجد أن الأوائل وضعوا أساس الفشل والدمار والذين بعدهم كل وضع طوب الفشل وذهب فحصدنا الوضع الراهن.
بعد سقوط النظام انكشف وضع التعليم المؤلم الذي كان يغطى بالشعارات الزائفة، ومطلوب من الحكومة الانتقالية الآن إزالة ذلك الأساس ووضع أساس جديد سليم ومتين، ولذلك لابد من اختيار وزراء بمواصفات ومعايير عالية وواضحة وحقيقية، وعليه ننصح السيد رئيس الوزراء بعدم تكرار ذلك الخطأ العظيم ولن نعذره إن فعل، وأول خطوة يمكن أن يفعلها هي إبعاد الوزارتين عن المحاصصات التي تهدد مستقبل الحكومة الجديدة كلها بل وتهدد مستقبل السودان، فمدة التشاور الطويلة التي قضتها قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية تؤكد أنها ليس بصدد اختيار الرجال المناسبين للمناصب لأن الاختيار تدخل فيه أهواء النفوس بقوة.
مديرو الجامعات الحكومية بعثوا برسالة للدكتور عبد الله حمدوك، مطالبين بأن يكون المجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي هو صاحب السلطة في تسيير عمل الوزارة وأن يقوم بترشيح من يراه مناسباً لوزير التعليم العالي والبحث العلمي للمرحلة المقبلة من الفترة الانتقالية، وحتى يطلع المجلس القومي للتعليم العالي بدوره التنفيذي في الوزارة في ظل التحول الديمقراطي بالبلاد وأن تعيين وزير للتعليم العالي وفقاً للمعادلة الحزبية الماثلة الآن من شأنه الإنقاص من واجبات المجلس القومي للتعليم العالي والمساس بمبدأ استقلالية مؤسسات التعليم العالي.
واعتقد الاقتراح منطقي لا يأتي إلا ممن خبروا أزمة التعليم العالي وهم الأنسب لمشاورتهم وتكليفهم باختيار الوزير، فالأساس السليم لأي مجال يضعه أهله القابضين على الجمرة وليس من تأتي بهم الظروف، وكنت أتمنى أن يفعل ذلك مدراء المدارس والمسؤولون من التعليم العام بدلاً من محاولة إقناع حمدوك على إبقاء وزير التربية والتعليم، وهو أمر يدل على أنهم لم يتخلصوا من ثقافة التعامل بالعاطفة، أي نعم هو شخص جيد ومؤهل ولكن يجب أن نخضع لطرق صارمة في اختيار من يتولون وزارتي التعليم العام والعالي.
يقولون إن تدمير أية أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ مدمرة بل يحتاج إلى خفض مستوى التعليم وتشجيع هيمنة المحسوبية والواسطة، وهذا ما ظل يحدث في ظل النظام المخلوع الذي أضاف إليها الترضيات وتعامل مع وزارتي التعليم العام والعالي باستخفاف رغم خطورة الأمر، ولكنه كان (يمشي أموره)، وفي رأيي الشخصي الآن لا يصلح اختيار وزراء ينتمون الى الحركات أو الأحزاب لوزارتي التعليم العام والعالي، بل ولا لأية أيدلوجيا سياسية أو فكرية، فالحياد والاستقلالية والخبرة والتأهيل مطلوبان الآن لوضع الأساس السليم الذي يسمح للآخرين في المستقبل بالاستمرار في البناء الى أعلى دون مصاعب أو قلق أو خوف من انتماءاتهم السياسية أو الفكرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى