إضاءة مع يوسف حسين: جدل الواقع والأحلام النبيلة
* مقال ممتاز، يُعلي -شكر الله سعيه- من مطالب الثورة وأهدافها النهائية والكبرى بشكل صارم.. وهو في الحقيقة يمثل حلماً نبيلاً وأمنية غالي، تستبطنها حتماً كل قلوب وعقول شرفاء بلادنا. المقال يلوم -بما يلامس سقف التخوين- مركزية الحرية والتغيير على إشراكها بعض القوى اليمينية والإسلاموية ضمن الاتفاق الإطاري، بما يعتبره تفريطاً من جانبها في أهداف الثورة، وخلق (حالة هجين) أو (تحالف جديد) يُعزز من احتمالات هذا التفريط.
* ملاحظتي الأساسية، أن المقال يتجاوز -بل يتجاهل- أي مناقشة جدية، أو قراءة موضوعية، لموازين القوى في الراهن السياسي للبلاد، ولصالح مَن؟ في معسكري الصراع السياسي الدائر بين قوى الثورة ذات الطبيعة (السلمية المحضة) من جهة، وقوى الثورة المضادة من عسكر ومليشيات حليفة وفلول نظام ودولة عميقة لم يتم تفكيك تمكينها بعد، من جهة أخرى.. ذلك حتى يخلُص إلى مقاربة موضوعية لما يجري، ومدى مواءمته أو مفارقته لمثل هذه القراءة الموضوعية بعيداً عن التحيُزات السياسية أو الأيديولوجية المسبقة.
اخبار السودان-جدل الواقع-يوسف حسين-مطالب الثورة السودانية-الفترة الانتقالية-مدنية كاملة-طه النعمان-اضاءات* تقديري أيضاً -وبعيداً عن أى مشاعر للمحبة أو الكراهية- أن هذا الواقع المُعتل والمُختل والوعي به من جانب قوى الحرية والتغيير “ق. ح. ت”، دون نسيان أو تجاهل عوامل القصور والضعف الذاتي العديدة والمتنوعة، التي يمكن رصدها في صفوف هذا التحالف. لكن يبقى دافعها الأساسي هو ترجيح خيار العملية السياسية وتكتيك التفاوض الذكي والصبر عليه، تجنباً لانزلاق البلاد إلى مهاوي الفوضى الهدامة والحرب الأهلية، والولوج إلى نموذج (الربيع العربي وحرائقه) الكفيلة بالقضاء على كل أمل للثورة في تحقيق أي من شعاراتها وأهدافها بسلميتها الخالصة لدرجة المثالية / الطوباوية من جهة، وغياب وحدة الشارع ضمن جبهة شعبية موحدة في مواجهة قوى الثورة المضادة، بكل ما يتوفر لها من إمكانيات عسكرية ومادية وجهاز دولة وتحالفات إقليمية ودولية، وجيوش مليشياوية مساندة وطامعة من جهة ثانية، وهو غياب يخدم بسوء التقدير -ولسوء الحظ أيضاً- الثورة المضادة ذاتها.
* ففي ظل هذا الواقع، وتوازن القوى المختل، تبقى (المُباصرة السياسية) عبر التكتيكات الذكية، والعمل الصبور المخطط الذي يحفظ (بيضة الثورة) عبر (المساواة الثورية) بعيدة النظر، استلهاماً لتجارب الثورات وأحوال المد والجزر المعهودة، مهما تطاول الزمن (الثورة الفرنسية نموذجاً). تبقى هذه (المُباصرة السياسية) هي الخيار الممكن والآمن، خيار (مكره أخاك لا بطل) لاستمرار الثورة وأهدافها القريبة الانتقالية بتأسيس السلطة المدنية الكاملة، لتعزيز أجندة التحول الديمقراطي الحقيقي في نهاية المطاف. بحكمة: ما لا يُدرك جلُّه لا يُترك كلُّه.. وبعزيمة: لابد من صنعاء/ الديمقراطية، ولو طال السفر ..
مع خالص المودة والاحترام