الرأي

أين من وعي الكيزان هاتيك السمكة

أماني أبو سليم
كما الإنسان، تتجمع خلاياه وأعضاؤه لتكوّن كياناً واحداً بعقل واعي يدبر أمره وعقل لا واعي يقدر أمره وسيْره بعفوية، كذا الشعوب بتجمع ناسها وتجاربهم لها عقل واعي يدبر أمرها ولا واعي يقدر أمرها ويسيرها.
النكتة والفكاهة في السودان سرت وانتشرت بشكل ظاهر، وكانت واحدة من أدوات المقاومة للتعامل مع الظلم والطغيان والأوضاع المعيشية السيئة، وتواصلت بعد الثورة بالانتشار بالتندر على الأوضاع المعيشية وضعف أداء الحكومة المدنية ومدى إحباط الناس، معبرة بعفوية عما يدور في لا وعي الشعب، وبذلك يمكن اعتبارها مؤشراً صادقاً وعفوياً للتفريق بين العقل الواعي واللا واعي للشعب. وبالتالي ما يمكن أن يؤثر على عقله اللا واعي للخروج على الحكومة.
منذ انتصار الثورة ويحاول النظام البائد، جر الشعب لكره حكومته الجديدة وتصوير الأوضاع أنها وصلت حداً لا يطيقه المواطن، آخرها أحداث التخريب والسرقات. هل ينجح الفلول وجيوب النظام البائد في سوق الناس لكره حكومتهم الجديدة بما يدفعهم للثورة ضدها.
ببساطة لا، لأن الكره كنتيجة للإحساس بالقهر والظلم ليبعث على الثورة ورفض الحكومات وقلعها لا يأتي من العقل الواعي للشعوب، بل من عقلها اللا واعي. ولا زالت بقايا النظام البائد يفتعلون المواقف والأحداث التي تثير العقل الواعي، الذي لا يحرك ثورة أو احتجاجاً لدرجة قلع حكومات، ولا زالوا بعيدين عن العقل اللا واعي وإمكانية تحريك أدواته، فلا أحد يستطيع في زمن محدود من دراسة الوعي للشعب وأن يفرض عليه أن يشعر بمشاعر كالقهر والظلم، لأنهما يأتيان نتيجة لتراكم أحداث وتجارب من تاريخ قديم، لا يمكن تحريكه بمثيرات يومية لم تتأصل بعد ولا تثير مخاوف مستقبلية.
النكتة والفكاهة، أيضاً تخرج من ذات المصنع الذي يصنع الثورات، من اللا واعي، فلن يستطيع أحد أن يقنع شخصاً بالخروج للشارع بمنطق، ولا شعباً لكره حكومته والثورة ضدها بحسابات المعيشة اليومية، تماماً كما لن تستطيع أن تقنع أحداً أن ما تقوله نكتة مضحكة لأنها حسنة الصياغ وتعبر عن مفارقة.
فهل النكتة والفكاهة السودانية في هذه الأيام تعبر عن تجاوبٍ للشعب لتحريضات الكيزان وافتعالهم الاحتجاج على الأوضاع والثورة على الحكومة الانتقالية؟ أو حتى خروجه من نفسه ضدها؟ فيكونوا قد وصلوا للا واعي للشعب، حيث مصنع الثورات، وهل استطاع الكيزان وفلولهم وجيوبهم من إخراج نكتة تثير الضحك والإعجاب على مفارقة ما في هذه الأوضاع، فيكون قد نما عقلهم اللا واعي فأدرك إبداع إخراج النكات العفوية التي تلامس مراكز الإضحاك العفوي سواءً عند عامة الناس أو عندهم هم أنفسهم؟.
بكل ثقة الإجابات كلها لا، ببساطة لأن النكتة صُنفت مع الإبداع والفنون، كالموسيقى والرسم، والأصناف الأدبية، لا تخرج من نفسٍ تُجرم، وتأكل أموال الناس وتحارب الخير والفطرة السوية، ومن ضمنها الفنون نفسها، وما من جهاز أمن واستخبارات للطغاة إلا وقد خصص إدارات لجمع النكت وتحليلها، خوفاً من هذا السلاح غير المرئي، وما استطاع مع كل ما يصنع من إشاعات أن يصنع نكتة واحدة لصالحه وضد الشعب تطلق ضحكةً عفوية، فالنكتة والفكاهة ستظل سلاحاً فريداً في يد الشعوب ضد طغاتها، حامٍ لها ضد التأثير على إرادتها الحرة والعفوية.
قالوا سألوا سوداني أيام الكيزان عن الأوضاع فقال: “السودان دا مات سنة ٨٩ والحاصل هسا دا عذاب القبر”. وقالوا بعد الحكومة الانتقالية أن سودانياً اصطاد سمكة وعندما تذكر تكاليف الزيت والغاز أعادها إلى البحر، فقالت السمكة: “شكراً حمدوك”.
في المسافة بين الشعور بعذاب القبر ومرح السمكة مسافة طويلة تتطلب قرباً من قلوب الناس، يفتح مساراتٍ للا وعيهم. على الكيزان وفلولهم قطعها حتى يمكنهم التأثير على مجريات الأمر وقلبه لصالحهم، والنفس الطويل لسباقات المسافات الطويلة يتطلب قدراً من الإيمان يمكِن من صناعة نكتة قادرة أن تُضحك بعفوية من القلب، فهل لهم بها؟ متى يكفون عن صرف أموالهم (أموالنا) وجهدهم ومقدراتهم في سباقٍ لا قبل لهم به، فهل من زول يقول ليهم: (استكينوا ياخ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى