تقارير

أهي فرصة للسلام؟.. تأثير صفقة جوبا للسلام على انتقال السودان الهش

جان بابتيست غالوبين
ترجمة: د.واصل حسن العاقب
التعليق
يُريد ياسر عرمان أنْ نُصدّق أنّ السلام قد حَلَ في السودان. في 17 سبتمبر، وصل زعيم التمرد (المعروف بطموحاته السياسية أكثر من خبرته في ميادين المعارك) إلى الخرطوم مع أعضاء آخرين في الجبهة الثورية السودانية (وهي تحالف من الجماعات المسلحة) لإضفاء الطابع الرسمي على توقيع اتفاق السلام الذي تَمّ التوصل إليه مع الحكومة في أواخر أغسطس. وافق بموجبه قادة بعض حركات التمرد، التي امتد تمردها طويلاً في السودان، على إلقاء أسلحتهم. ضمّ الاتفاق حركات دارفور الرئيسية التي تمردت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في صراع أودى بحياة ما يقدر بنحو 300 ألف شخص.
أشادت وسائل الإعلام والدبلوماسيون بالاتفاق ووصفته “بالتاريخي” واحتفل به قادة الحكومة الانتقالية في السودان. وقد شهد السودان، منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956، حرباً أهلية في الأقاليم الجنوبية التي أصبحت الآن دولة جنوب السودان، وفي دارفور غرب البلاد، حيث قاد القمع الوحشي للتمرد الرئيس عمر البشير لِنيل مذكرة قبض من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية؛ وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث ترك انفصال جنوب السودان في عام 2011 المقاتلين المتحالفين مع الجنوب على الجانب الخطأ من الحدود.
الصفقة تاريخية، لكنها لن تأتي بالسلام إذ لا تقدم أي علاج للصراعات بين المجتمعات المحلية التي طبعت أنماط العنف الجديدة في أطراف السودان منذ الثورة (2018-2019)، كما أنها لا تتطرق للجوانب التنفيذية للقضايا الرئيسية. وعلى الرغم من أن الاتفاقية قد تعهّدت بمعالجة العديد من المظالم التي أججت التمرد، إلا أن تنفيذها سيتعارض مع الوضع الاقتصادي الكارثي في السودان. وقد يتضح أن الصفقة مجرد زيادة في صفوف الجهاز العسكري والأمني المتضخم وغير المنضبط في السودان. ومع ذلك، فالاتفاق مهم لأنه قد يدفع المتمردين الآخرين إلى إلقاء السلاح ويشير إلى تحول في ميزان القوى الداخلي بعيداً عن المجموعات التي حكمت البلاد منذ الاستقلال.
خلفية السلام
كان تحقيق السلام من أولويات المؤسسات الانتقالية- وعلى رأسها مجلس الوزراء ومجلس السيادة- التي تم تشكيلها في عام 2019، وهو عام مضطرب في السودان. وفي شهر إبريل، وبينما كان مئات الآلاف من الناس يتظاهرون في شوارع الخرطوم، أطاح القادة العسكريون بالبشير، وشكلوا مجلساً عسكرياً. وفي الأشهر التالية، وافقوا، تحت ضغط محلي ودولي، على تقاسم السلطة مع أحزاب المعارضة. وقد مهدت الوثيقة الدستورية (التي تم التوقيع عليها في أغسطس 2019) الطريق لانتقال مدته ثلاث سنوات بهدف قيام نظام دستوري جديد وانتخابات حرة وديمقراطية. وفي الشهر التالي، بدأ ممثلون مدنيون وعسكريون للحكومة السودانية في التفاوض مع قادة الجماعات المسلحة في جوبا، عاصمة جنوب السودان.
كان من بين الموقعين مجموعتان رئيسيتان من دارفور (حركة العدل والمساواة وفرع من جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي) وفصيل من جنوب كردفان والنيل الأزرق (الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة مالك عقار).
وينص الاتفاق (الذي لم يُنشر بعد لكن تم تعميمه على عدد من الخبراء السودانيين وتحصلت على نسخة منه) على وقف دائم لإطلاق النار وتسريح أو دمج أفراد القوات المتمردة في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية في السودان. وفي المقابل، وافقت الحكومة، من بين أمور أخرى، على تعويض النازحين بسبب الحرب، وزيادة الموارد والسلطات للأقاليم، وبدء عمليات العدالة الانتقالية، وهي مطالب رئيسية لمناطق الهامش موطن حركات التمرد التي عانت لعقود من التهميش والاستغلال.
القطع المفقودة
ويبدو الاتفاق نوعاً غريباً من اتفاقيات السلام إذ لم يوقع عليه عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، زعيما التمرد اللذان يسيطران فعلياً على أراضي داخل السودان، بينما لم يقاتل الموقعون باسم الجبهة الثورية الحكومة بجدية منذ سنوات حيث تنشط ثلاثة من فصائل دارفور التي انضمت إلى الاتفاق (حركة العدل والمساواة، وجيش تحرير السودان- مني مناوي، وجيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي) في الغالب كمرتزقة في الصراع الليبي. وقد تفرعت مجموعة مالك عقار من الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال الذي وقع الاتفاقية (فرع ياسر عرمان)، من انقسام حدث في عام 2017 تركها بالكاد دون مقاتلين ولا مناطق سيطرة، وتضم اليوم فصيلاً هامشياً من السياسيين. ويشمل اتفاق السلام أيضاً مناطق، مثل وسط وشمال السودان، التي لم تشهد حرباً.
إضافة إلى ذلك لا تعالج الاتفاقية العنف الذي اندلع بحدة أكبر في عموم أطراف البلاد منذ قيام الثورة في العام الماضي حيث يمثل معظم هذا العنف تحريضاً للمجتمعات ضد بعضها البعض وغالباً ما يورط شرائح من القوات العسكرية وشبه العسكرية. وفي دارفور، اندلعت النزاعات المحلية بين النازحين وأولئك الذين استقروا في أراضيهم. كما أدت التوترات الطائفية في جنوب كردفان إلى اشتباكات بين فصيل من الجيش يسيطر عليه النوبة ومليشيات الدعم السريع، التي تنشط محلياً في تجنيد عرب الأبالة. وفي الشرق، اشتبك الأهالي من الهدندوة والنوبة مع أبناء البني عامر، رغم أن المنطقة ظلت مستقرة خلال العقد الأخير من حكم البشير. وعلى الرغم من أن بعض بنود الاتفاق المتعلقة بحيازة الأراضي والتعويضات يمكنها مبدئياً، معالجة بعض العوامل الكامنة وراء هذه النزاعات، إلا أن وقوف الجبهة الثورية إلى جانب الحكومة لن يُهدئ تلك التوترات المحلية بشكل فوري.
إذا كان ثمة شيء، فهناك دلائل على أن مفاوضات السلام قد أججت بعض العنف القبلي من خلال تمكين ممثلي الجبهة الثورية المشكوك في شرعيتهم المحلية. وفي شهر مايو، أخبرني ناشطون محليون من شرق السودان (ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر) أن العديد من النوبة والهدندوة يعتقدون أن ممثلي البني عامر في الجبهة الثورية، الذين تفاوضوا نيابة عن المنطقة، لا يمثلونهم. وهناك شعور مماثل بالإقصاء لدى عرب الأبالة في جنوب كردفان. كذلك أدت المحادثات إلى تفاقم الانقسامات بين النوبة، الذين انقسموا في دعمهم بين فصيلي الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال حيث صدر بيان عبر الواتساب في 27 مايو، عن أكبر فرع للحركة الشعبية لتحرير السودان– شمال (فرع عبد العزيز الحلو) يلقي باللوم في بعض الحوادث على محاولات فصيل عقار للتجنيد في منطقة نفوذه.
تحديات التنفيذ
تمثل وثيقة السلام خليطاً من الصفقات المنفصلة- واحدة قومية، والأخرى إقليمية- وسيكون من الصعب للغاية التوفيق بين بنودها الطموحة وتنفيذها. فعلى سبيل المثال، أحيت إحدى الاتفاقيات الفرعية سلطة دارفور الإقليمية التي تم حلها في السنوات الأخيرة من نظام البشير والتي من شأنها أن تقف بين الحكومة الاتحادية والولايات- وهي اتفاقية يمكن أن تشجّع أجزاء أخرى من السودان للمطالبة بإداراتها الإقليمية الخاصة. وفي محاولة لتصحيح الاختلالات الإقليمية في الإنفاق الحكومي، تتوقع نصوص الاتفاقية قيام مفوضية خاصة بكيفية إدارة تقسيم الإنفاق الحكومي المركزي والإقليمي والولائي، في نزاع محتمل مع وزارة المالية.
لن تكون الحكومة وحدها قادرة على تحمل تكاليف تنفيذ جزء كبير من الاتفاقية. وكما أشار أليكس دي وال، فإن جميع اتفاقيات السلام السابقة في السودان قد تم توقيعها خلال أوقات توسيع موارد الدولة. لكن في السياق الحالي سيكون أمر تنفيذها أكثر صعوبة. فقد انهارت العملة السودانية والاقتصاد بشكل عام خلال السنوات الثلاثة الماضية تحت وطأة نقص العملات الأجنبية والتحويل النقدي. وظلت الحكومة عالقة في حلقة مفرغة، إذ ظلت تطبع المزيد من الأموال بشكل مستمر لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية ولاستيراد السلع الأساسية المدعومة، مثل القمح والأدوية. حالياً، يبلغ المعدل الرسمي للتضخم 167% ويتسارع بسرعة حيث يمكن أن يصل إلى 286%، كأحد أعلى المعدلات في العالم.
ولكن اتفاق السلام هذا لن يأتي بثمن زهيد. فبالإضافة إلى تكاليف تسريح أو دمج آلاف المقاتلين المتمردين في القوات النظامية، ستكون هناك حاجة لتمويل عدد كبير من المفوضيات واللجان والمؤتمرات والمحاكم الخاصة وصناديق التعويض التي ينشئها الاتفاق. وستقوم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الفترة الانتقالية في السودان، المنشأة حديثاً، بتقديم بعض المساعدة. مارست الحكومة والجماعات المسلحة ضغوطاً على القوى الإقليمية والغربية لدفع بقية الفاتورة، ولكن في ظل الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كورونا، فقد تظل العديد من بنود الصفقة غير قابلة للتطبيق.
ومن المرجح أيضاً أن تكون هناك صعوبة في عملية دمج وتسريح المقاتلين المتمردين إذ لا تزال الترتيبات الأمنية الموقعة في جوبا صامتة بشأن الجوانب الحاسمة، مثل عدد الأفراد الذين يمكن لكل جماعة مسلحة أن تدعي بشكل مشروع أنها تنتمي لها، أو نسبة المقاتلين الذين سيتم تسريحهم بدلاً من دمجهم. وسيميل قادة المتمردين الذين يسعون إلى الاستفادة من قوتهم العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية إلى تضخيم أعداد قواتهم وإلى تقليل حجم التسريح. في الوقت الذي يجب أن يدفع فيه الانهيار الاقتصادي الحكومة إلى إعطاء الأولوية للإنفاق غير العسكري، يمكن للصفقة أن تُعيد إنتاج عيوب اتفاقيات السلام السودانية السابقة، والتي لم تفعل شيئاً يُذكر لإحلال السلام، ولكنها فقط نمت جهازاً عسكرياً وأمنياً مجزأ.
معنى اتفاق جوبا
رغماً عن عيوبها، تعتبر اتفاقية جوبا للسلام مهمة للغاية في السياسة السودانية لأنها تخلق زخماً للمفاوضات مع الجماعات المتمردة الأخيرة المتبقية وتعيد تشكيل ميزان القوى بين الفصائل الرئيسية في البلاد حيث سئم الناس في جميع أرجاء البلاد من الحرب؛ كذلك زاد الاتفاق من الضغط على الزعيمين المتمردين- عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور- اللذين يمكن أن يجلبا السلام بالفعل. كان على عبد الواحد، الذي يرأس فرعاً من جيش تحرير السودان يسيطر على أجزاء من جبل مرة في دارفور ويحظى بدعم واسع بين النازحين من دارفور، أن يواجه تمرداً داخلياً من الضباط وقادة المجتمع غير الراضين عن موقفه المتشدد إذ يَصْعُبُ تبرير التمرد الآن بعد رحيل البشير حيث تلعب المعارضة السياسية السابقة دوراً رئيسياً في الانتقال السياسي. في 3 سبتمبر- في أعقاب اتفاق جوبا- أظهر رئيس الفرع الأكبر للحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، الحلو، الذي تسيطر قواته على مساحات شاسعة من جنوب كردفان وجيوب في النيل الأزرق، أنه لم يعد بإمكانه البقاء على الهامش. فبعد أيام من وصفه احتمالات السلام بأنها “قاتمة”، وقع اتفاقاً مشتركاً مفاجئاً مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مما مهد الطريق لمحادثات جديدة.
كذلك يعتبر اتفاق جوبا للسلام مهماً لأنه يساهم في تحول ميزان القوى في البلاد. ستحصل الجبهة الثورية الآن على ثلاثة مقاعد ستضاف إلى مجلس السيادة، إضافة إلى مجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي يعمل بشكل جماعي كرأس للدولة، وخمس وزارات في مجلس الوزراء و25 في المائة من البرلمان الانتقالي القادم. والآن بعد أن عادوا إلى الخرطوم، سيلعب قادة الجماعات المسلحة دوراً مركزياً في صنع القرار في الفترة الانتقالية في السودان. وكإشارة إلى طموحاتهم السياسية الأوسع، تفاوضوا على استثنائهم من مادة في الوثيقة الدستورية تمنعهم من الترشح في الانتخابات المقبلة.
هذا التشكيل الجديد سيبعد تأثير الجماعات الاجتماعية النيلية التي ورثت الدولة من بريطانيا. وقد تعرضت هيمنتهم للتهديد العام الماضي، عندما أصبح الفريق محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، ثاني أعلى شخصية في الدولة. أدى ظهور زعيم الجنجويد السابق (من قبائل عرب دارفور) إلى زعزعة التوازن الإقليمي التقليدي، ومنذ ذلك الحين قوبلت طموحات (حميدتي) بمقاومة من كبار ضباط الجيش، الذين ينتمون في جملتهم إلى مجموعات ذات نفوذ تقليدي.
إن وجود الجبهة الثورية السودانية سيعقد اللعبة السياسية المجزأة بالفعل. وفي سبيل التنافس على النفوذ مع قوى الحرية والتغيير – تحالف الأحزاب المدنية الذي تهيمن عليه النخب النيلية التي تدعم الحكومة – يمكن لبعض المتمردين السابقين أن يتحالفوا مع حميدتي، الذي حاربوه من قبل، في تحالف من قادة الهامش؛ وفعلياً يشترك جيش تحرير السودان- مني مناوي، وجيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي، وفصيل عقار من الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال مع حميدتي في الرعاية الإماراتية. وفي حال سيطر الانقسام الإقليمي على السياسة خلال الفترة الانتقالية فسوف تتلاشى آفاق التحول الديمقراطي.
الآن، وبعد أن وصلت الخرطوم، يمكن للجبهة الثورية أيضاً أن تفضّل التعامل مع القادة العسكريين، الذين يرونهم أصحاب السلطة الحقيقة في المؤسسات الانتقالية، بدلاً من قوى الحرية والتغيير أو المدنيين المعينين في الحكومة. ويمنح اتفاق جوبا بالفعل “المجلس الأعلى المشترك” المؤلف من الجيش والمخابرات والشرطة وقادة الجماعات المسلحة سلطة تنفيذ الترتيبات الأمنية في دارفور – ويستبعد المدنيين.
من الواضح أن العنصر المدني في الحكومة صار أضعف. وترى قوى الحرية والتغيير، التي كافحت لتحقيق توازن عددي مع الجيش في المؤسسات الانتقالية، أن تمثيلها غدا ضعيفاً. وسيكون المدنيون الآن أقلية في مجلس السيادة، في حين سيتعين على حمدوك التعامل مع تمثيل كبير للجماعات المسلحة السابقة في حكومته. إضافة لذلك تساعد بنود الاتفاق القادة العسكريين بطرق مباشرة وغير مباشرة. فعلى سبيل المثال، تعيد الاتفاقية تمديد فترة الانتقال الطويلة بالفعل بسنة أخرى إلى ما مجموعها أربع سنوات. وهذا قد يتيح للفريق عبد الفتاح البرهان البقاء كرئيس لمجلس السيادة حتى مايو 2022 بدلاً من تسليم السلطة إلى عضو مدني في مايو 2021 على النحو المتوخى في الوثيقة الدستورية. وسيُسمح لحميدتي بخوض الانتخابات المقبلة بعد أن وقع الاتفاقية نيابة عن الجانب الحكومي.
يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التحولات ستدفع قوى الحرية والتغيير إلى العمل بجدية أكبر للبقاء على صلة بالواقع ودفع أجندة التحول الديمقراطي. لقد تأخر الانتقال عن الجدول الزمني، مما سمح للقادة العسكريين بتعزيز سلطتهم من خلال تولي زمام القيادة في اللجان المتخصصة التي تقود العمل مثل اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية برئاسة حميدتي. وقد استخدمت قوى الحرية والتغيير مفاوضات السلام الجارية كذريعة لتأجيل تنفيذ البنود الحاسمة في الوثيقة الدستورية- مثل تعيين البرلمان الانتقالي الذي كان مقرراً في نوفمبر 2019، أو التحضير لمؤتمر دستوري- لكن الكثير من التأخير يرجع إلى الخلافات الداخلية الخاصة بهم. هناك الكثير على المحك. إذا لم ينتهز القادة السياسيون هذه اللحظة لبناء مؤسسات لتوجيه خلافاتهم وحلها، سيظل السودان فريسة لسياسات المعاملات والصفقات الصعبة للقادة العسكريين والميليشيات والمقربين.
نظرة مستقبلية
يمكن لاتفاقية جوبا أن تساعد في معالجة المظالم الإقليمية التي غزت التمرد عبر تاريخ السودان. كما يمكن أن تمثل خطوة نحو إنهاء الحروب في الهامش إذا دفعت الجماعات الباقية إلى الوصول للسلام مع الحكومة. ومع ذلك، فإن الصفقة ليست حلاً سحرياً. إذ لن تمنع العنف القبلي السائد اليوم. والأهم من ذلك، إذا فشل تنفيذ الاتفاقية- وهو احتمال راجح نظراً لتكلفته العالية وأحكامه الغامضة- فقد يتحول إلى مجرد أداة لتعزيز طموحات حميدتي وقادة الجبهة الثورية، الذين يحرصون على انتزاع السلطة من أيدي المجموعات القوية تقليدياً.
من جوانب أخرى، تعكس الجلبة المربكة حول اتفاقية جوبا حالة بحث يائس عن أخبار سعيدة في وقت حرج للغاية بالنسبة للسودان. وتعكس نفس أسلوب المديح الذاتي الذي طبع حديث بعض المانحين في يونيو الماضي عندما أسفر مؤتمر عن تعهدات بنحو ملياري دولار لدعم السودان رغم تقديرات صندوق النقد الدولي لحاجة البلاد لستة مليارات دولار لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. لم يتم تقديم سوى القليل من هذه الأموال حتى الآن، ويهدد الوضع الاقتصادي المزري الراهن بانهيار الدولة نفسها. ويشعر الكثيرون في المشهد السياسي، أن الوضع الراهن غير مستدام وقابل للانهيار في أية لحظة، وأن الانتقال معلق على خيط واهي.
الدكتور جان بابتيست غالوبين باحث وكاتب مستقل متخصص في الشأن السوداني منذ عام 2010 عبر مناصب مختلفة، بما في ذلك كمحلل سياسي في عدد من مؤسسات القطاع الخاص، وباحث في مجال حقوق الإنسان لمنظمة العفو الدولية، وزميل زائر للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. ظهرت كتاباته عن السودان في الواشنطن بوست، ولوموند ديبلوماتيك، والجدليات الإفريقية، ومشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى