الرأي

أهداف الثورة وبوصلة التعديل الوزاري

 

بقلم- أحمد الفكي

لقد أثار مقال الأستاذ الحاج وراق بتاريخ والمعنون “حتى لا يكون تعديلكم الوزاري كارثيا” بصحيفة الديمقراطي الكثير من النقاط التي اتفق واختلف معها. وسأبدأ بنقاط الاتفاق دون إعادة أو تكرار حتى لا أفسد صياغة الأخ وراق ودقته في التعبير ورشاقة عبارته.
لقد أحسن الأستاذ وراق توصيف الوضع السياسي المركب والذي تتداخل عناصره وتتفاعل بشكل يصعب معه التنبوء بنتيجة أية تغيير. أيضا هناك الآثار التي قد لا تنوي قوى الحرية والتغيير أحداثها ولكن لتركيب الوضع قد تطل برأسها بعد فترة فتربك كل الحسابات وتغير موازين القوى.
يشير الأستاذ وراق إلى الأسئلة الأساسية التي يجب الإجابة عليها قبل إجراء أية تعديلات وهي أزمة السلطة الحالية ولماذا حدثت وما الإجابة التي تحاول التعديلات تقديمها وما هو الهدف السياسي من وراءها ثم يضيف الأستاذ وراق أنه لا يمكن لأي استراتيجية أن تنجح دون أن تجيب بوضوح على السؤال المركزي وهو التناقض الرئيسي الذي يسم الفترة الانتقالية بطابعه وكيف تحاول التعديلات حله.
وهذه أسئلة في غاية الأهمية ولا غبار عليها ولكن أود أن اضع فوقها سؤالا مكملا يمكن أن نضعه فوق هذه الأسئلة لأن الإجابة عليه تساعد كثيرا على الإجابة على الأسئلة أعلاه والتي صاغها الأستاذ وراق صياغة دقيقة ومحكمة.
والسؤال هو الغاية أو الهدف المرجو الذي خرجت جماهير شعبنا من أجله، أطاحت بنظام الإنقاذ، وأوكلت للحكومة الانتقالية أمر تنفيذه. وبلا إطالة فإن الهدف من الحكومة الانتقالية هو إدارة الفترة الانتقالية إدارة حكيمة تمكن من تفكيك نظام الكيزان، إعادة الأموال التي نهبوها، رفع المعاناة عن كاهل المواطن، تحقيق السلام والتمهيد لنظام ديمقراطي. 
لقد رفض الشعب السوداني الأحزاب لأسباب معلومة مما أدى إلى اللجوء إلى اختيار شخصية من خارج منظومة الأحزاب لتقوم بإدارة الفترة الانتقالية. ولقد وقع الاختيار على السيد حمدوك باعتباره إداريا قضى وقتا طويلا في أروقة منظمات الأمم المتحدة مما يمكن أن يؤهله لإدارة الفترة الانتقالية مستخدما معرفته بعلوم الإدارة وأيضا عدم انتماءه لأي حزب سياسي. وهو اختيار أصاب الثورة في مقتل ليس لعجز الرجل وضعفه الإداري بل عدم شجاعته الإدارية والفكرية ولجوءه للهروب من الشارع الذي فوضه وأحبه وأسقط عليه كل أحلامه وأشواقه كإداري ورجل دولة يختلف شكلا ومضمونا عن البشير وأكاذيبه وابتذاله للمنصب. 
إن الهدف من الفترة الانتقالية هو البوصلة التي تتم صياغة الاستراتيجيات وفقا لها. وهنا لا بد من فتح أوسع نقاش بين عناصر الحرية والتغيير ولا بد من الاستماع للرأي والرأي المخالف ومحاولة فهم أسبابه دون التعجل للوصول إلى إجابة.
الذي لا أفهمه هو مراجعة عمل الحكومة السابقة والاتفاق على كيفية عمل الحكومة القادمة مع احتفاظ السيد حمدوك بمنصب قيادة الحكومة. وحتى لا أتهم بالتحامل على الرجل أود أن أقدم الأسباب لاختلافي مع الأخ الحاج وراق:
لقد أثبت السيد حمدوك وبما لا يدع مجالا للشك أنه ليس بالرجل المناسب لقيادة الفترة الانتقالية. يكفي فقط مراجعة الفترة الماضية منذ توليه هذا المنصب وحتى يومنا هذا. لقد تمكن السيد حمدوك ومجموعة مستشاريه من ضرب الثورة في مقتل عندما أغفلوا أهم مصادر قوتها وهو ربط الحكومة الانتقالية بالشارع من لجان مقاومة وأحياء وقوى حرية وتغيير. كان يمكن للرجل أن يحول حكومته إلى مصدر إشعاع ونور هداية لكافة قوى الثورة والشارع السوداني ولكنه فضل العزلة والسرية.
لقد ثار شعبنا على نظام الإنقاذ لكذبه المتواصل وعدم شفافيته وإفراطه في السرية وهو ذات النهج الذي اتبعه السيد حمدوك. ولقد فتحت هذه السرية الباب واسعا للكثير من الشائعات واتهامات الفساد من بعض الوزراء الذين تمت إقالتهم لبعض المستشارين.
لقد أثبتت المقابلات الصحفية التي أجريت مع الرجل وعلى ندرتها أن الرجل غير ملم بتفاصيل الحكومة التي يقودها ولا حتى بأبسط أساسيات الإدارة من متابعة واهتمام بالمنتج وليس بعدد الاجتماعات أو الملفات التي يقوم بدراستها.
الخوف من إزاحة حمدوك بحجة أنه مقبول من الخارج وأن العسكر يؤيدون هذه الإزاحة للانقلاب على الديمقراطية قد تكون حجة مقنعة إذا نظرنا إليها دون تدقيق. إن ما أوصلتنا إليه طريقة إدارة السيد حمدوك للفترة الانتقالية لا تجعل الانقلاب بالطريقة التقليدية أمرا ملحا وعاجلا. لقد أسلم الرجل زمام القيادة تماما للعسكر واكتفى بدور مراجع الملفات الذي يرفع علامة النصر كل ستة أشهر. المصيبة أن لا أحد يعلم لماذا يسلك الرجل هذا النهج وهو سؤال ردده الكثيرون دون الحصول على إجابة. وفي نظري الإجابة هي إزاحة الرجل ليس لعدم قدرته على الإجابة بل لعجزه المدهش.
هذا لا يعني أن الرجل يحمل كل أوزار الإخفاقات ولكن تركيزي عليه للأهمية المركزية لهذا الموقع. إننا نحتاج إلى الكثير من الإصلاحات التي صاغها الأخ وراق ولن أكررها وأنصح قوى الحرية والتغيير والعسكر باستخدامها نقطة بداية للاستعداد لتشكيل الحكومة القادمة والعمل بطريقة جادة تليق بشعبنا وبتضحياته الجمة. إن هذه المراجعة لا تقف عند الحكومة الانتقالية بل تشمل المؤسسة العسكرية ودورها في الفترة الانتقالية وتشمل قحت بكل أحزابها وتشمل الحركات التي وقعت على اتفاق السلام وستكون جزءا من حكومة الفترة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى