الرأي

أكثر (حلاوة) من الحلو؟!

عبد المنعم سليمان

لا أعرف ماذا يقول وكيف يصِف المرء رافضو السلام؟ والسلام كما نعلم يبرمه دائماً المتحاربون، فهم وليس غيرهم، من يقرروا وبكامل ارادتهم وأهليتهم ان يجنحوا للسِلم، أما أنْ يصطف من ليس لهم شأن بالحرب ولا هُمْ في عيرها ونفيرها فان هاذا لعمري يضعنا أمام ملهاة ومأساة في أن، وكأننا بهؤلاء (الرافضة) يقولون للأطراف المتحاربة لا تتصالحوا!

هكذا يبدو حال بيانهم، فحتى اللغة لم تستطع اسعافهم ومنحهم تعبيراً فصيحاً يجلي موقفهم (المُعجم) من السلام، مع أن اللغة، وكما يقولون؛ هي المخرج الأخير للأوغاد، إذ أن بيانهم الرافض كان ركيكاً في لغته، ضعيفاً في منطقه، وهزيلاً في معناه ومنهاراً في مبناه، لكنه والحق يُقال، لقد وضعنا بشكل مباشر أمام صورة تعبيرية فصيحة لمعنى المقولة المعروفة: “الحق أبلج والباطل لجلج”!

وليس أتعسِ وأكثر بؤساً ممن يرفضون السلام بالبيانات وهم بمنأى عن الحرب؛ إلاّ أولئك الذين يرفعون رايات الحرب بينما لا يحاربون، متخذين مواقفاً راديكالية، يملئون الدنيا جعجعة وهم في منازلهم على أرائكها مُتكئون، لا خاضوا حرباً ولا عانوا أهوالاً ولا عاشوا في بقاع الموت رقاعه، وأحدهم، وهو أعلاهم صوتاً، ظل يسكب هراءه في صحف ومنتديات الخرطوم، رافضاً هذا وشامتاً ذاك، مُستنداً على حقيقة كونه مُعتقلٌ سابق إبان حكم النظام البائد، وقد لمع اسمه لأن اعتقاله كان على خلفيّة قضية اُسْتشهِد من أجلها مواطنين أبرار؛ دِفاعاً عن أرضهم ورفضاً للسدود وكوارثها- وبالطبع لم يكُن ضمن زمرة الشهداء الكرام- بل لم يكن في ساحة المعركة، بيد أنه استعار صوتهم؛ بُعيد استشهادهم فتم اعتقاله، ولا بأس، فهذا موقف وطني يُشكر عليه، ولكن  البأس الشديد في أن الرجل ومنذ اعتقاله ذاك، تلبسته شخصية الشهيد، فيصبح ويُمسي شاتماً ومزايداً ومعايباً للجميع، وكأني به يريد من الناس أن يتعاملوا معه كشهيد، مما وضعنا مباشرة أمام “شهيد بلا شهادة”، وفي مواجهة أول حالة في العالم لشهيدٍ حي!

هذا الأحدهم ظل ينتقد ويسخر ويرغي ويزبد ويشتم ويهرف بما يعرف ولا يعرف، وبلغ الأمر بنفسه الامارة بالشهادة أن سولت له بأن يبشر بالحرب، ولم لا؟ فقد استشهد من قبل، والإنسان لا يموت مرتين، هذا الشهيد الحي بعد ان فكر ثم قرر نطق برفض رئيس من يفاوضونه من الطرف الآخر، بل زاد على ذلك ورفض السلام برمته وهو قعود في الخرطوم، وفاته في غمرة أحلامه أن من يتحدث باسمهم في الهامش البعيد أكثر منه عطاء وأطول باعاً في النضال، وقد أصابهم نقص في الثمرات وأوجاعاً وآلاماً في الولد والمال والأهل، وهم من يقررون خيار الحرب والسلام، وهاهو قائدهم “عبد العزيز الحلو” يلتقي بقائد فريق التفاوض الحكومي معلناً صراحة انحيازه للسلام، وضمنياً قبوله بمن يقود مفاوضات الطرف الآخر، ولا اعرف ماذا سيقول الرجل ومن معه، من الذين يريدوا ان يصبحوا “أكثر حلاوة” من الحلو؟!

اختارت حكومتنا الانتقالية الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” لرئاسة فريقها التفاوضي  كما اختاره أهل الجنوب وسيطاً في مفاوضاتهم، ونجح هنا وهناك فيما عجز عنه الآخرون.

والسلام علينا وعلى بلادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى