أقوال جديدة في تفكيك التمكين!!
وضعت توصيات ورشة (خارطة طريق تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو)، والتي انعقدت في الفترة من التاسع إلى الثاني عشر من يناير الماضي، أسساً واضحة، لإعادة تفكيك بنية النظام البائد، عقب إنهاء الانقلاب، منها تضمين مهمة واختصاص تفكيك عناصر النظام البائد داخل الأجهزة النظامية، في القانون الخاص بالتفكيك. بالإضافة إلى تعديل القوانين الخاصة بهذه الأجهزة، لتشمل عملية إزالة عناصر (المؤتمر الوطني) من القوات النظامية، داخل وخارج المؤسسات النظامية. وعلى الرغم من أن العبرة في كافة المواثيق والعهود تتعلق بالجدية في التنفيذ، إلا أن النص (صراحة) على ضرورة إبعاد الفلول من كافة الأجهزة والقوات النظامية، يُعد تطوراً هاماً، لجهة أن أحد عيوب تجربة الانتقال الماضية، هو ترك أمر إعادة الهيكلة، وتفكيك التمكين في المؤسسات العسكرية، للعسكر. مما جعل من هذه المؤسسات- رهينة الفلول- أكبر عثرة، في طريق الانتقال.
وأقرت التوصيات أن تتمتع لجنة التفكيك بكافة السلطات والصلاحيات للوصول إلى المعلومات، بما يشمل الاستدعاء، في كافة القطاعات العامة والخاصة، ويشمل ذلك الشركات في القطاعين. وأن تنص مقررات عملية إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية على صياغات واضحة، وجلية، وتُحدد المهام والاختصاصات، وآليات إزالة عناصر النظام البائد في القوات النظامية. مع إجراء تعديلات على قانون لجنة التفكيك السابق، بما يضمن كفالة الحقوق الأساسية، ومراحل التقاضي، والاستئناف، ومراعاة أسس العدالة، وعدم الإفلات من العقوبة. مُعتبرة كل من يمتنع، أو لا يتعاون، أو يتهرب، أو يعرقل عمل اللجنة، مُخالفاً للقانون.
تعرضت لجنة تفكيك التمكين خلال الفترة الانتقالية الماضية لحرب ضروس، من فلول الإخوان، عبر محاولات التشكيك في نزاهة عضويتها بادئ الأمر ولما لم يجد ذلك فتيلا تحولوا إلى الدفع بعدم قانونيتها، بذريعة افتقادها للجنة الاستئناف، التي رهنت الشراكة تكوينها بالطرفين معاً، وماطل العسكر في تشكيل لجنة الاستئناف، لتظل (مسمار جحا)، في انتقاد لجنة تفكيك التمكين. فضلاً عن ضبابية كبيرة كانت في عملية تفكيك التمكين داخل المؤسسات النظامية من حيث النصوص، والآليات. الشئ الذي ساهم كثيراً في إضعاف عملية تفكيك التمكين، حتى وصل العسكر للحد الذي جعلهم يرفعون الحماية الرسمية- والتي نص عليها القانون- عن عضوية اللجنة، قبيل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر. وما بعد الانقلاب بدأت حملة (إعادة تمكين) جديدة، في مؤسسات الدولة، تولى كبرها العسكر، في حمى بحثهم عن داعمين لـ(شرعنة) الانقلاب. ولم يجدوا سوى الفلول، فتم تهريب الأموال المنهوبة للخارج. واستفاد الفلول أيما استفادة من الانقلاب، سواء من عاد منهم للوظيفة التي أبعدته عنها لجنة تفكيك التمكين، أو من تمكن منهم من الهرب بـ(غنيمته) المنهوبة، من المال العام.
وعلى الرغم من أن عملية تفكيك التمكين ستكون مواجهة- حال تكوينها هذه المرة- بتحدي ما أحدثته الإجراءات التي أقرها الانقلاب من تأثير، ومنها فك الحسابات والأرصدة (المجمدة)، وعودة الفلول للسيطرة على المؤسسات العدلية، لتُبادر بإلغاء كافة قرارات لجنة تفكيك التمكين، إلا أنه لا أقل من إبعاد الفلول- هذه المرة- عن مؤسسات الدولة، العسكرية منها، والمدنية. وعليه فقد أقرت توصيات ورشة (خارطة طريق تفكيك التمكين)، إلغاء قرارات لجنة استئنافات (ابوسبيحة)، التي ألغت قرارات لجنة التفكيك، باستثناء قرارات المراجعة الصادرة من اللجنة نفسها. وأوصت الورشة بإعفاء قُضاة المحكمة العليا، وفتح باب التوظيف وإعادة التعيين وفق معايير محددة، مع إعطاء أولوية لقضاة المحكمة العليا المحلولة. ودعت إلى تفويض سلطات قضاة المحكمة العليا، لقضاة الاستئناف، لحين تعيين قضاة المحكمة العليا. وشددت التوصيات على إخضاع قضاة الدرجة الأدنى لفحص وتدقيق وفق معايير محددة، مع التدرج في عملية الإبدال والإحلال. وأن تُشكل لجنة التفكيك بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وتتمتع باستقلالية تامة عن كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها، على أن تخضع للرقابة وفقاً لقانونها. كما وتُشكل وحدة إبدال وإحلال داخل مجلس الوزراء، للمُساعدة في إحلال وإبدال الموظفين، ممن تطالهم عملية التفكيك.
كانت لجنة التفكيك خلال الفترة الانتقالية الماضية تحمل شيئاً من روح ثورة ديسمبر، وجدت الدعم من ملايين السودانيين، وأشعرتهم بإمكانية تحقيق العدالة في سودان ما بعد الثورة. أما اليوم فإن إعادة تفكيك بنية النظام البائد أمر أساسي، وضروري، على طريق العودة للمسار الانتقالي، ما بعد إنهاء الانقلاب. حفظ الله السودان، وشعب السودان.