الرأي

أعداء الديمقراطية والجيش والشعب

هناك من لا زالوا يعيشون في الوهم ويعتقدون أن السودان لا يمكن أن يحيا ويعيش من
دون حكم عسكري، بل ويرون أن ما يعيشه الآن من ضنك عيش هو بسبب خروج
السلطة من يدهم، وليس لأنهم فشلوا في إصلاح البلد لأكثر من خمسين سنة أتيحت لهم
قسراً، وهؤلاء معذورون طبعاً فتلك الأنظمة لم توفر لهم البيئة المناسبة التي تجعل
عقولهم مؤهلة لاستيعاب قيمة الديمقراطية، ويبدو أنهم لم يطلعوا على تاريخ الدول التي
تطورت ووجدت طريقها إلى التنمية والرفاه فور تخلصها من الأنظمة العسكرية .
مع نهاية هذا العام يكمل عمر السودان المستقل 64 سنة، وما زال يقف حيث تركه
المستعمر، لأنه افتقد الديمقراطية التي تمنحه فرصة التطور والتقدم، فالجيش الذي تكفل
بالقيام بواجبه وواجب السلطة المدنية فشل ولم ينجح في الاثنين، وكما يقول المثل
(صاحب بالين كضاب وركاب سرجين وقيع) فحماية الدولة مهمة عظيمة جداً لا يجب أن
ينشغل عنها الجيش بأية مهام أخرى، ولكن من حسن الحظ ثورة ديسمبر صححت
المسار وسيبدأ السودان والجيش التقدم معاً.
من يطالب بحكم عسكري بعد ثورة ديسمبر فهو لا يريد الخير للسودان والشعب
والجيش، وحقيقية لا يمكن لشخص سليم الفطرة أن يرفض فكرة الديمقراطية التي تتيح
للناس الحياة بحرية وتوافق، ولكن الأنظمة الاستبدادية دائماً تخلف مرضى نفسانيين
يؤمنون بالاستبداد ويسعدون به لشيء في نفوسهم، فمن استمرأ سيئات الاستبداد لا يمكن
إقناعه بحسنات الديمقراطية، وهؤلاء يذكروني بمقولة المناضل جيفارا الذي قال: (لو
أمطرت السماء حريــــة، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات).
يعلم الجميع عدا هؤلاء المرضى أن هناك فرقاً شاسعاً بين السلطة المدنية والحكم
العسكري للدولة، فالحكم المدني: يعني حكم الشعب للشعب بالطرق الديمقراطية عن
طريق تداول السلطة من خلال انتخابات حرة نزيهة، كل مرشح يعرض برنامجه
الانتخابي والشعب يختار من يرى أنه الأصلح ويقوم هو بمراقبته ومحاسبته، وإن لم
ينجح يذهب ويأتي غيره، ويتعلق مضمون شعار الدولة المدنية بدولة المؤسسات والقانون
والمجتمع المدني وغيرها من قيم سامية.

الحكم العسكري يتم فيه السيطرة على السلطة بالقوة عن طريق الانقلابات العسكرية فقط
وتسيطر فيه القوة ولايتم تداول الحكم ولا يتدخل الشعب في اختيار حكامه. ويسود التسلط
وتتحكم الأجهزة الأمنية في مفاصل الدولة والمجتمع، ويصبح الجيش مشغولاً بمهامه
ومهام السلطة المدنية وغالباً ما يفشل وتتعرض البلد لمشاكل أمنية وسياسية واجتماعية
واقتصادية، وخير نموذج يمكن للناس أن يوضح المأساة هو وضع السودان الحالي .
عموماً على الذين يعشقون الاستبداد أن يعلموا أن زمن الأنظمة العسكرية قد انتهى بأمر
الشعب، وسينصرف الجيش السوداني لبناء نفسه لأنه ليس لديه خيار آخر ولن يفعلها مرة
أخرى، وستتحقق الأمنيات بدولة مدنية ديمقراطية، صحيح سيواجه مصاعباً وسيعاني
ولكنه سينجح وسيحصد ثمرات الديمقراطية لأول مرة في تاريخه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى