الرأي

أرق الفقراء والمرضى في بلادي اما آن لثورة التغيير أن تُظهر كرامتها في حفظ كرامة السودانيين؟

محمد أحمد الفيلابي

أرق جديد تتسبب فيه جملة (دخيلة) على قاموس التعاملات التجارية والإنسانية، فقد أصبح على من يتسلم أي فاتورة مبدئية، أو تقديرات علاج أن يدقّق النظر بحثاً عن جملة (تسري هذه الفاتورة لمدة كذا ساعة). وهي (المدة المحددة) تصل عند أصحاب مخازن مواد البناء إلى (48 ساعة )، بينما لا تتجاوز ال(24 ساعة) في تقديرات العلاج بالمشافي الخاصة. وتجدهم يكتبونها بلا أدنى ذرة من الخجل كملاحظة أسفل ورقة التقديرات.

هم يوقنون أن حامل أوراق التحويل يدرك أن عليه دفع مبلغ كذا.. وأنه على استعداد لتسديده. ولهم ألف حق في ذلك، فبعض كبار الأطباء يهمسون لك بعد أن يوجهوك إلى ذاك المشفى أن الأمر قد يكلفك مبلغ كذا.. (خدمة منهم). ساعتها ما عليك إلا أن تحزم أمرك، وتجمع ما يزيد على المبلغ (احتياطاً)، قبل أن تتعرض للنظرات (البلهاء) أو المحايدة لموظفي إكمال الإجراءات الذين لا يرون فيك سوى مورد لمال هو حق لهم، بغض النظر عن حالة مريضك الذي لن يدخل حرمهم إلا بعد تسديد كامل المبلغ، مع تهديد مبطن بفقدان الفرصة في حال التباطؤ. إنه الغياب الكامل والمحبط للدور الإنساني لهذه المؤسسات.

هل تعلم عزيزي القارئ أن معظم موظفي هذه المؤسسات من خارج دائرة التخصص؟.. أو أنهم دخلوها فيما تركوا خارجها ضمائرهم وحسم الإنساني.. وإلا لماذا هذا التجهم والنرفزة ونصف الاهتمام من الواحدة أو الواحد فيهم وهو يعلم أنه يحتلب كامل جيبك.. وجيوب الأسرة والأصدقاء كمان!!

اندهش صديقي وهو يحدثني عن مساعيه بين الأطباء والمشافي عندما لم أنصحه بالسفر خارج البلاد لتلقي العلاج.. وأنا أعلم أن الأمر فوق طاقته هنا.. فالسفر يعني تكاليف سفر المريض ومرافقه الذي لا يليق السفر بدونه، ليكون هو ثالثهما والدليل للرحلة، وهناك مريض آخر في بيته يقوم على متابعة استشفائه ويراقب غذائه.. وعليه فوق ذلك أن يستقبل أصدقائه وزملائه.. أليس أباه؟

لماذا لا تحلق طائرة من مطار الخرطوم إلا ونصف ركابها من الباحثين عن العلاج بالخارج؟ هل هو انعدام الثقة في أطبائنا ومشافينا؟ ام هو انتشار التشخيص الخاطئ، والأخطاء الطبية التي باتت حديث الشارع السوداني؟ كم يكلف العلاج بالخارج من العملات الصعبة في اليوم الواحد؟

يحدثك مسؤولو القمسيون الطبي أن مصر هي الوجهة الأولى لطالبي الاستشفاء، بينما لحقت تايلاند بركب الهند ونظيراتها.. ويوردون أرقاما تدهش في هذا الصدد. وقد راجت هذه التجارة، وأصبح لها وكلاء يعلنون عن خدماتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويساعدهم في ذلك الإعلام المجتمعي (الماشي بي كرعينو)، ترويجها لمشافي دول العالم الثالث (الما بشبهونا).

ومن المخجل أن قادة العهد البائد هم من روجوا للأمر، حتى أن وزير الصحة الاتحادي صرف من ميزانية الدولة الملايين على علاجه وأفراد أسرته، وأن الوزير الاتحادي صاحب المشافي الخاصة وأفكار تجفيف المستشفيات العامة، والفارض لنفسه على البرنامج التلفزيوني.. يصرح أن 70%من السودانيين يطلبون العلاج بالخارج (العربي الجديد – 17 سبتمبر 2017).

يتفق الكثيرون أن فقدان الثقة بين المريض والمعالج تجعله يبحث عن سواه.. (ولو في الصين)، مع العلم أن هناك أطباء وكوادر خارج دائرة الضوء يعملون في صمت وتفان وقد نالوا احترام مرضاهم وذويهم، غير أن بيئة العمل الموروثة من عهود الظلام تجعل أمر إعادة الثقة الكاملة ضربا من المستحيل. وتجد نسبة كبيرة من المرضى يتلقون العلاج و(الكرباج) بمستشفيات الداخل.. ودونكم صديقي هذا، وحالات الزحام الكبيرة في كل المشافي والمراكز الخاصة والعامة تكتظ بهم صالات الانتظار .

بالمناسبة منذا الذي أقنع أصحاب المشافي بضرورة أن تكون مقاعد الانتظار حديدية وبهذه القسوة والأذى على المرضى ومرافقيهم؟

أما آن لثورة التغيير أن تُظهر (كراماتها) في الحفاظ على كرامة المواطن السوداني؟. أم أن من أزاحوا (أكرم) بالإكراه ما زالوا قادرين على العمل ليل نهار تفتيتاً لعضد الثورة والثوار… وهزماً لثقة الإنسان السوداني بإمكانية التغيير؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى