الرأي

محمدأحمد الفيلابي

ظاهرة سرقة لوحات السيارات…هل من كشفٍ للمستور؟

جلس إلى جواري حانقاً وهو يردد أنه لن يلجأ يوماً للدوائر العدلية، فإما أن يتنازل عن حقه المغتصب، أو سيستعيده (بيده) ما دام الأمر هكذا. لم أكن أحتاج شرحاً، فالأمر كله لا يحتاج. فقد دخلنا قسم الشرطة هذا بعد ساعات طويلة من (الجرجرة) بين عدد من الدوائر العدلية، ونحن على يقين أن المجموعة التي قامت فجر ذلك اليوم بسرقة لوحات سياراتنا قد نفذوا بها جريمة منظمة تم التخطيط لها (بعناية)، وربما بمساعدة (خفية). وعلمنا أنها ليست المرة الأولى، والمعلوم أن مثل هذه الظواهر تعالج بشكل يختلف من الحالات الفردية، إلا أن (المعلوم) في هذا القطاع أصبح كـ(المجهول)، أو المهمل، في ظل ما يجري من تواطؤ وتقاعس، وعدم احترام للمواطن.

أكثر من سبع ساعات منذ أن اختفت اللوحات (أكثر من عشر سيارات في حي سكني واحد) قضينا منها خمس ساعات بين دائرتين، إذ أنه لن يتسنى لك فتح بلاغ حتى تأتيهم بـ(العريضة) من النيابة التي تبعد عن القسم عدداً من الكيلومترات المزدحمة بالسيارات في مدخل الجسر كثيف الحركة. وهنا يتم التحري معك، وفتح البلاغ، ثم تعاد إلى الجهة الأولى تمهيداً (لابتعاثك) لجهة ثالثة لأداء القسم، ثم تبدأ إجراءات استعادة اللوحات، وقد (بشرونا) أن الأمر سيطول. هاجس واحدظل يشغلنا في هذه الساعات، تُرى كم من الجرائم ارتكبت بسياراتٍ تحمل اللوحات المسروقة؟

إشاعات ساكت!”.. التفت إلى جاري الحانق فإذا به يؤشر نحو لوحاتٍ مثبتة على الحائط، تحمل أولاها حقوق المواطن السبعة على الشرطة، وتبدأ بحق المساعدة، والمناصرة (حقك علينا أن ننتصر لك، ولو أدى بنا ذلك إلى المجازفة بالحياة). ثم رد الحق الضائع، ورفع الضرر. والحق السادس (نكرم وفادتك)، ثم (نستمع لك)، وأخيراً (من حقك علينا أن نستجيب لك، إن كان الحق معك). وفي ذات اللوحة تفصّل إرشاداتك أيها المواطن عن التحريات، وإجراءات البلاغات، وما يجب أن يجري في مكتب التحري.

بعد الساعة الثالثة في قسم الشرطة، الثامنة منذ بدأنا هذا الاإجراءات، أبلغونا بضرورة تصوير شهادات بحث السيارات المسروقة لوحاتها، وليس عجباً أن تكون الماكينة لديهم معطلة، ولسوء حظنا فإن التيار الكهربائي مقطوع في المحال التجارية القريبة، وعلينا قطع مسافة تماثل تلك التي قطعناهاصباحاً بين الدائرتين. عدنا ظافرين بصور المستندات، ولم نحتج على الساعة التالية انتظاراً لعودة الشرطيين من فسحة الفطور، ولم نحسدهم على ضحكاتهم التي تتعالى، ورائحة طعامهم تستفز الإمعاء فتتلوى وتقرصك، مع العلم بأنه ليس بالقسم أو حوله مكان يقدم خدمات الطعام والماء..

لماذا تتباعد هذه المؤسسات عن بعضها؟ وما السر في تواجدها وسط الأحياء السكنية؟ هل كانت مبانٍ يملكها مسؤولون في النظام البائد كما يشاع؟ لماذا لا يستفاد من دروس مجمعات خدمة الجمهور، والتي برغم ما أصابها من تراجع، إلا أن المواطن يجد خدماته غير الرسمية متوفرة، وبالطبع وفقاً للأسعار الفندقية، فقانون الاستثمار لا يفرق بين كشك داخل مجمع خدمات، وفندق خمس نجوم، ما دام المواطن في سبيل إسكات كركة إمعائه يدفع دون أي احتجاج.

عودة لحكاية لوحاتنا المسروقة، تُرى ماذا صنع بها سارقوها؟ هل نفذت بها جرائم إرهاب أم سرقة أم قتل؟ أم هُرّبت بها سيارات (بوكو حرام) بتواطؤمع جهات معينة، عرفنا فيها التقاعس والفساد؟

أيّاً كان الأمر.. فقد أمّنا أنفسنا ضد الجرائم المرتكبة، ما دمنا قد تقدمنا ببلاغات الفقدان.. وهكذا يطمئنك رجل الشرطة، ويكمل برمي اللائمة على الآخرين.. “أمور جرجرة.. أصبروا بس!”. وفي هذا مؤشر عن رضاه عنك، أو عشمه في أن تقوم بإجراء (سري) يعجّل إنفاذ إجراءاتك المتعطلة دون أي سبب ظاهر!

اكتظت صالة القسم، والباحة بالمواطنين.. فذاك إجراء يتم وقوفاً، وذاك يمسك بيد الضابط الوحيد في القسم بزيه (المهلهل)، وشبشب الحمام في قدميه، وتطل فرشاة أسنانه من جيب العضد المخصص للأقلام. وذاك ينادي على حضرة الصول ليسلمه أوراق تسلمها من أحد المواطنين في الفناء. ونحن في انتظار من سيجلب الأوراق الخاصة بالتحري من خارج القسم.

في لحظة خلتني داخل قسم في إحدى الدول المتقدمة، وشاشات التلفاز تعرض آخر ما جرى في الكون من جرائم، ومن بينها جريمةاستخدمت فيها سيارة تحمل لوحاتي المسروقة، نظرتني موظفة وراء شاشة كومبيوتر وابتسمت، وطمأنتني بالقبض على المجرم، وأن لوحاتنا ستعود إلينا في أماكن سكننا.. وفجأة انقطع التيار الكهربائي (في الواقع) وأبلغونا أنه ليس أمامنا سوى العودة في الغد. وتبينا بعد الهرج والمرج الذي حدث أن هناك مجموعة أخرى ممن سرقت لوحاتهم في معية نظامي يحاولون تجاوز الآخرين.. وأعلنت مجموعة ثالثة الانضمام إلينا.. إذن هي ظاهرة.

ألا تُعامل الظواهر بطريقة مختلفة؟

أحد النظاميين تبرع لنا بمعلومة أن اللوائح تقول بتشكيل فريق عمل عاجل لمثل هذه الظاهرة، ذلك قبل أن يعمل النظام البائد على زراعة الخلافات بين الشرطة والنيابة، ويظهر الكيد الخفي فيما بينهم، وما ينتج عنه من تقاعس وعراقيل في التعاملات يقطف ثمارها المرة المواطن المغلوب على أمره. وأكد لنا المتبرع بالمعلومات أنه ستواجهنا عراقيل أكثر في المحاكم، ولدى إدارة المرور، وستطول معاناتنا حتى نتسلم اللوحات البديلة.

قد أعود بعد الوقوف على المزيد من المعاناة.. وقد لا أعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى