الرأي

بين السدود و”أكوام التراب”

هكذا
عبدالرحيم حمد النيل
* سنوياً يعاني السودانيون في موسم الخريف من الآثار الكارثية للفيضانات والسيول، ينزل المطر فتنهار عشرات الآلاف من البيوت البسيطة وحتى المسلحة؛ تجرف المياه عرق الناس وتدمر ممتلكاتهم، في لمحة عين؛ يصبح الخراب هو سيّد المشهد، الموت والدمار الذي يحدث دائماً في هذه الأوقات يعني أننا لا نستفيد من الدرس.
• في المدن تصبح الأمطار اختباراً تفشل فيه الحكومات السودانية التي تعاقبت على الحكم منذ جلاء المستعمر؛ فليس هنالك مصارف حقيقية مهيأة، ولا أخذت المخططات السكنية المثيرة بخرائط وهندسة تصريف مياه الأمطار؛ فتأتي السيول لتجرف شقاء العمر في بضع ساعات ويبيت الناس في عراء لا يرحم.
• ظل النيل هبة نكتشف سنوياً عدم إمكانيتنا على الاستفادة الحقيقية منها؛ مياه عذبة جارية، لا نستثمرها في توليد طاقة كهربائية ولا في زراعة مشاريع زراعية ضخمة ولا أي شيء، ينوبنا منها فقط خراب البيوت وانهيار البنايات والممتلكات وفقدان الأنفس والثمرات.
• إن كانت ثمة من شيء يكشف خطل العقلية التي تمسك بمقاليد الحكم في السودان منذ الاستقلال فهو موسم الخريف.
• تعاني بلدان عديدة من نُدرة المياه العذبة وتلجأ إلى تحلية مياه البحار المالحة لتوفير حاجتها منها؛ بينما تصبح لنا ذات المياه العذبة خطراً يتهدد حياتنا البسيطة التي نضعها بين يدي قادة البلاد، فينشئون سدوداً فاسدة مثل سد مروي؛ يُقتل لأجل إقامتها المواطنون، ويُشرد سكان المناطق؛ بينما جدواه الاقتصادية تصبح عبئاً يثقل كاهل الميزانية العامة بالديون وتكلفة التشغيل العالية عبثاً؛ فلا غطى احتياجات البلاد من الكهرباء ولا ساهم في تخزين حصتنا السائبة من المياه؛ ولا جنينا منه شيئاً سوى الخراب.
• مضحك أننا نواجه الآن خطر الفيضانات والسيول بينما نقاتل للوصول إلى اتفاق بخصوص سد النهضة، وحقنا القانوني في الحصول على استخدام عادل للمياه بيننا وإثيوبيا ومصر.
• قلتُ من قبل إن القلاع العظيمة والممالك والإمبراطوريات لم تجتاحها الجيوش الغازية من الخارج فقط، بل كانت أقسى ضرباتها تأتي من الداخل.
• يجب أن تُضمَّن مناهج التربية الوطنية في المدارس، حتى يستطيع جيل جديد قادم أن يحب وطنه بطريقة إيجابية أكثر.
• السيول القادمة وحروب المياه ليست هي أكثر كوابيسنا المعاصرة، لكن الاتفاق على كيف نبني وطننا الذي لا يزال مجرد احتمال هو التحدي الحقيقي الذي يواجهنا، رغم حضارتنا الضاربة في الجذور منذ آلاف السنين.
• نشأت دول من العدم ونهضت في سنوات قليلة وصارت قوى لا يُستهان بها؛ بينما لا نزال نستخدم النفير الشعبي وأكوام التراب لمجابهة غضبة النيل كل عام دون فائدة.
• الرغبة في البناء والتغيير والأمل في النهضة هو ما قاد جيل ديسمبر للخروج ومواجهة رصاص القوة الغاشمة للدولة، وهو ما يجعل احتمال الخروج من هذا النفق قائماً رغم كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى