الرأي

الحل السياسي هو الطريق الآمن نحو التغيير الجذري

عبد القادر محمد أحمد/ المحامي

سألني أحدهم: هل انت مع التغيير الجذري أم الحل السياسي، وإذا كنت مع الأخير فلماذا تهاجم قوى الحرية والتغيير التي تفاوض للوصول للحل السياسي؟

قلت: إن التغيير الجذري بالمفهوم الذي ينادي به أصحابه، يتجاوز أهداف المرحلة الانتقالية، ويتعارض وشعار السلمية الذي رفعته الثورة وتمسكت به رغم كل المحن التي مرت بها، لذلك فإن الحل السياسي هو الطريق الوحيد الآمن للتغيير الجذري، بالمفهوم الذي يحقق الهدف الاستراتيجي للثورة، المتمثل في التحول المدني الديمقراطي، وما تكفله الممارسة الديمقراطية الممتدة من تغيير جذري لكل المفاهيم والسلوكيات السالبة، الموروثة والمكتسبة.

ثم أني لا أهاجم أحدا، وإنما أمارس حقي في النقد الذي يهدف لتقويم الخطى نحو الحل السياسي، في وطن يحتضر وفي وقت لا مجال لتكرار الأخطاء ..! ليس مهماََ أن تكون وجهة نظري صحيحة، لكن المهم أن تقوم على حجج وأسانيد تتيح للآخرين الإتفاق أو الإختلاف عن بينة وصدر رحب وإحترام متبادل، بما يؤدي لنشر ثقافة الحوار الديمقراطي، بعيداً عن التشنج والتجريح والتشبث بالرأي وإن ظهر خطؤه.!

بالعودة للمقال ووفقاََ لما أعلنته (ق. ح. ت)، فقد وافق العسكر على مسودة المحامين كأساس للحل السياسي وحدثت تفاهمات في إنتظار الحسم، ووفق ما هو معلن سيتم الحوار (بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة وقوى الثورة).

هذا الإعلان يضع أصحابه أمام تحديات جسيمة، فهم في حاجة لتأكيد إيمانهم بالدولة المدنية وأن الديمقراطية هي أساس التداول السلمي للسلطة.! ويبدو أن هذه هي مشكلتنا جميعاََ.! فقد رفعت الثورة شعارات الدولة المدنية الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، فلما سقط البشير بان عجز الجميع عن التأسيس لتلك الدولة وجاءت الأفعال مخالفة للشعارات، وكان الجميع متعطشا للسلطة والثأر وتعويض ما فاتهم من كسب، ولم يكن هناك من أحد على إستعداد لتطبيق وتحقيق مفاهيم وشعارات ومطلوبات الثورة التي قننتها الوثيقة الدستورية.!

لقد ظل شبابنا يهتف بشعارات لا يريد أن يفهم إلا ما تجلبه من حقوق بعيداً عن التزاماتها.! وسايرهم الكبار.! فأصبحت الوثيقة الدستورية كصنم العجوة يأكل منه حتى أهل القانون.!! فإستهان العسكر وغيرهم بالثورة وشعاراتها فبات حالنا كما نراه اليوم.!

لا أريد بث اليأس لكن لا بد من التذكير والانتباه للاتي:

🔴 على ق. ح. ت. أن تنبذ الاقصاء وتسعى بصدق وبجدية لاشراك القوى الحزبية والمجتمعية والمهنية في الحوار، ولكي يكون تبنيها للحوار مقبولاً، لا بد من إظهار أعلى قدر من الشفافية والتجرد، خاصة الحاجة ماسة لبناء قاعدة جماهيرية داعمة للحل السياسي، لاسيما الشباب الذين ضحوا ولا زالوا في سبيل نصرة الثورة.

🔴 الحرص على نجاح الفترة الانتقالية، يستوجب ألا تشارك الأحزاب في الحكم الانتقالي، فلا زالت العقلية الهتافية هي المسيطرة وغير مدركة لحجم الأخطاء التي لازمت التجربة الأولى التي استهانت بشعارات الثورة وأعادت نسخة أخرى من تجربة الإنقاذ المريرة.! لا بد من حكومة كفاءات مستقلة.

🔴 ضم المزيد من الأحزاب لصف القوى الداعمة للثورة، خطوة موفقة تنصر الثورة وتقلل من اعدائها، لكن لا معنى للحديث عن قوى ثورة وقوى إنتقال، وأن الأخيرة لا يحق لها المشاركة في اختيار رئيس الوزراء،!! .. مع الاحترام، هذا فهم قاصر للأمور، فاختيار رئيس الوزراء ليس ميزة أو كيكة يقتسمها السياسيون فيما بينهم، بل مسؤولية يجب أن يتحملها الجميع.!

أما بالنسبة لبقية القوى الوطنية، فعلى كل مواطن حريص على وطن آمن مستقر يعيش فيه الناس في سلام، أن يسأل نفسه: ماهي الأسباب الموضوعية التي تجعله يرفض المشاركة في حوار الحل السياسي؟!

🔵 هل لأننا نشك في نوايا (ق. ح. ت)، وأنهم يسعون لعقد صفقة مع العسكر؟ حسناً، هذا تخوف مشروع لكنه أدعى للمشاركة لهزيمة هذا السعي ودفع الحوار نحو الإتجاه الصحيح.!

🔵 هل لأن هناك من يشكك حول الجهة التي صاغت وثيقة تسييرية المحامين؟! وما قيمة هذا التشكيك ما دامت الوثيقة عرضة للحذف والإضافة والتعديل، بما يجعلها لا تزيد عن الوثائق الأخرى في شيء، سواء كانت صادرة عن الجهة المنسوبة إليها أو عن غيرها؟!

🔵 أليس الأفضل أن نسأل: هل تعقد المؤتمرات الصحفية لمجرد بث الشكوك والظنون والريب وفي مسائل شكلية والوطن ينزف؟! وما هو الجديد ما دمنا قد قبلنا بمبدأ تدخل الوسطاء الدوليين؟!

🔵 أليست المشاركة في الحوار فرصة لتوضيح ونقد البنود التي نراها تمس سيادة الوطن لإلغائها أو تعديلها؟! بما في ذلك البنود التي تهدف لعودة الأحزاب للحكم الانتقالي؟!

🔵 هل نرفض الحوار لأننا لا نثق في العسكر وغدرهم؟! حسناً، هذه مخاوف لها ما يبررها، لكن هل الحل في رفض الحوار؟! لماذا لا نتحاور ونثير هذه المخاوف ونقترح الحلول بما فيها الإنسحاب الكامل للعسكر من المشهدين السياسي والعسكري؟!

🔵 أم نحن أصلاً ضد مبدأ الحوار؟! حسناً! ما هو البديل؟ هل البديل نظرية التغيير الجذري المبهمة والتي تدعو لحسم “المعركة المؤجلة منذ الإستقلال مع القوات المسلحة” ؟!!!

🔵 هل المطلوب الدخول في معركة مع الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع والحركات المسلحة، لهزيمتهم ثم نقتحم القصر الجمهوري ونقطع رؤوس ساكنيه بسلاح السلمية؟!

ختاماََ، أناشد نفسي وغيري، بأن نتقي الله في الوطن وأهله، وليختلي كل منا بنفسه قبل نومه ويمتص غضبه ويفكر في هدوء، ويمارس حقه في الوطنية وموجباتها بمسؤولية وتجرد وإحساس بالمخاطر الماثلة التي تهدد الوطن في وجوده!

ودمتم بخير …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى