الرأي

مؤتمر الدولة والثورة

وجدي كامل
أطلت علينا السنوية الثانية للثورة في ظل إعصار عاتي من مشكلات صحية، واقتصادية، وسياسية معقدة، تكاد تطيح بمكتسبات حققتها الثورة هنا وهناك دون أن تكتب استقراراً يحولها إلى رصيد ثابت يعتد به. وقد ظللت أنادي عبر مقالات ومنشورات متنوعة إلى أهمية المراجعة النقدية لبنية الدولة ووظائفها في ظروف سياسية ثورية جديدة بغية التوصل إلى مفاهيم حديثة مبتكرة وحداثة تطبيقية تتبع وصفات واقعية قابلة للتحقق والتنفيذ.
عبرت عن ذلك بنحو أو آخر عبر ورقة بعنوان (الثقافة بين النكبة والنهضة) نشرت بالعدد الفائت بمجلة كتابات سودانية، وقدمتها كمحاضرة باتحاد الكتاب السودانيين قبل أشهر، كما نشرت كمقالات بصحف ومواقع إسفيرية متعددة على عناوين: (العقار الشرير) و(ممر الثقافة الموحش) و(اليتم الإعلامي للجهاز التنفيذي) و(شقاء العبور والنجاة) و(خزي التاريخ الحرج وفرص العبور) و(ما يجب أن يُقال لسلطة الانتقال) وغيرها.
في هذه السانحة واعتماداً على راهن الأزمة المتفاقمة بمكونات الحرية والتغيير في إطار علاقاتها بالدولة وعلاقة الدولة بالثورة وبالعكس، أتقدم بمقترح قيام مؤتمر علمي مصغر للثورة عبر الحاضنة السياسية الحرية والتغيير، والجهاز التنفيذي بمجلسيه ما بعد المصفوفة الأخيرة لمراجعة الأداء العام بكافة القضايا، والعلاقات، والمتعلقات للتعرف على ما أصبنا فيه، وما أخطئنا بشأنه بغية النجاة من الأخطاء، ومن ثم مراكمة الانتصارات المحققة وتحويلها إلى خبرة ثورية وطنية تفتح المستقبل على تطور أفضل ونوعي.
ماذا نعني بالمؤتمر:
نعني به الجمع أو التجمع الذي يضم سائر الممثلين للقوى السياسية، والمدنية ولجان المقاومة، والمنخرطين من قوى السلام في العملية السياسية، كما المختصين في الشؤون العلمية السياسية، وأصحاب المبادرات الحرة وبحيث يتوفر لهم إطار من الحوار والنقاش المتبادل بتحديد الموضوع الرئيسي الذي نقترح له أن يكون على عنوان: عام على الدولة والثورة.
ماذ نعني بالمؤتمر العلمي:
تشير العلمية هنا إلى الرغبة في إخضاع العملية السياسية الجارية بعد الثورة إلى المعايير العلمية والقانونية من حيث مقابلتها وموازنتها بواقع وحقائق الثقافة العلمية المعاصرة السائدة كما الإجابة على الأسئلة المتعلقة بمشكلات تطبيق المفاهيم والثقافة العلمية السياسية على العملية السياسية، وبحيث يتم تقديم أوراق علمية تشتغل على الأسئلة والموضوعات ذات الصلة.
في مقدمة ذلك نجد ما قام به مركز الدراسات السودانية طيلة سنوات حكم الإنقاذ من إصدارات مهمة لعدد من السودانيين النبهاء وفي مقدمتة ذلك الإصدارة الخاصة بمرور 60 عاماً على الاستقلال. وكذلك مؤتمر الأزمة السودانية بالدوحة بتنظيم من معهد السياسات العربية، وكذلك مؤتمر الحداثة بالشارقة.
لا أحد من السياسيين الحركيين النشطاء، وشاغلي المناصب، والمسؤوليات السياسية يستدعي الآن ويعمل على قراءة ذلك العمل المخلص الجبار الذي قامت به حزمة من الباحثين السودانيين الكُثر عبر مؤلفات لا تخطئها العين رفدت المكتبة السودانية بجملة من المؤلفات ذات الفائدة في تشريح المشكلات، أو المعوقات والإعاقات التي تواجه سؤال التطور الوطني.
إن ما يجوز قوله إن مرور نحو 30 عاماً من الحكم الجائر كانت قد أنتجت وفي تعبيرات المقاومة النقدية العلمية والثقافية مئات المقالات والأوراق والبحوث والمؤلفات من كتب عملت على دراسة الخطأ السياسي وانعكاساته على المسارات المتعددة للعمل.
كان بالإمكان التأسيس لإدارات أو مكاتب تختص بالبحث السياسي العلمي بتفعيل علاقاتها بأقسام وكليات العلوم السياسية وبمراكز البحوث المحلية والإقليمية الإفريقية والعربية ذات الإسهام المتميز في مجال خلق وإنتاج الوصفات العلمية الدقيقة لاستخلاص كل ذلك مع عمل نقدي حفري شجاع في تنمية وترقية المؤسسات السياسية.
الآن وبعد الثورة وبعد مضي العامين على اندلاعها وقرابة العام ونصف على تشكيل الحكومة الانتقالية تتزايد أهمية ذلك الواجب الصامت وبشكل خاص حتى يكتب فصلاً جديداً في الفكر والممارسة السياسية السودانية.
إن عدم القيام بذلك على النحو الصحيح والسريع لا يسهم فقط في الإصابة بالعمى السياسي، وانغلاق المفاهيم العامة الموجهة ولكن يساعد أكثر في قراءة نقدية ذاتية مفيدة تؤمن على أهمية المراجعة النقدية للتجارب المتنوعة وتؤيد العمل بالنتائج العلمية بانصراف فوري دون قيد أو شرط لمراجعة الأعمال والشؤون المؤجلة أملا في عدم إعادة صناعة الفشل السياسي أو إعادة اكتشاف بصمته.
إثارة هذه المعضلة وفي هذا التوقيت الحرج الدقيق تغدوا من الأهمية بمكان لأجل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية التي لا تتأسس دون الاعتراف الجمعي للمؤسسات السياسية بوجود أخطاء قاتلة وموحشة بتجربتها التطبيقية لما بعد الاستقلال، وأن التوافق على المصطلحات، والأسئلة، والروابط، والإشتباكات النظرية بينها وبين علاقة الدولة بالثورة مهمة لا فكاك منها أو تنصل من أجل النهوض والتقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى