الرأي

في وضَح النَّهار  ..!

سفينة بَوْح – هيثم الفضل
من الأخبار المُحزنة التي أوردتها العديد من وسائل الإعلام أمس الأول، إيقاف إدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم لمدرسة أساس خاصة بمحلية أمبدة، بسبب إدراج أحد معلميها في امتحان مادة التعبير المتفرعة من منهج اللغة العربية بعض المعلومات والقيَّم والإشارات التي تتنافى مع تعاليمنا الدينية وقيَّمنا الأخلاقية، هذا فضلاً عن أخلاقيات مهنة التعليم التي تقتضي الكثير من الحرص على الأمانة والتجرُّد والحيادية، خصوصاً فيما يتعلَّق بتأثير الانتماء الآيدولوجي والسياسي على مسار المنهج التعليمي، كتب هذا المعلم لتلاميذه مجموعة من المعلومات لينطلقوا منها لتأليف مسودات في التعبير اللغوي، كان من بينها أن الرئيس المخلوع البشير قد تنازل طوعاً للشعب عن الحكم وأن الثورة لم تنجح في إقتلاعهِ، وأن البرهان قد خلفهُ لرئاسة الجمهورية، كما وصف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك (بمُخلف الوعد)، فضلاً عن وصف مدير المناهج السابق البروفيسور عمر القرّاَي بالزنديق، بالإضافة إلى الكثير من الإشارات التي تُلهب المشاعر الدينية وتوُّجه فكر الطالب في اتجاه آيدولوجي يُعبِّر عن تكتُل سياسي مُعيَّن، وعبر خطاب يدعو للكراهية والإقصاء والتنافس العقدي والثقافي والعرقي.
مهما كان ما يمثِّلهُ وجود الدولة العميقة في شتى مفاصل الدولة ومؤسساتها الحيوية من مخاطر، فليس هناك أخطر من وجودها في قطاع التعليم، فثورة ديسمبر المجيدة قبل كل شيء يجب أن تكون ثورة مفاهيم و(آيدولوجيات أساسية) مُتفَّق عليها إنسانياً ولا تقبل الاختلاف حولها، ولا تحتمل محاولة إرساء مفاهيم أخرى تعمل على منافستها في عقول وأفئدة النشء الذين تعدهم دولة السودان الجديد ليحملوا راية التنمية المُستدامة، فقداسة قيمة الإنسان السوداني واحترام  تطلُّعاته وآماله يجب أن تُمثِّل (حصانة) غير قابلة للإسقاط، طالما كان مقامها الدفاع عن القيَّم والمبادئ المُتفَّق عليها عبر تاريخ من التجارب الإنسانية على مر العصور، وفي مقدمة تلك الثوابت التي لا تقبل المنافسة، قيَّم العدالة والحرية والمساواة والوحدة الوطنية واحترام الآخر، وكل فعل أو فكر يعمل على مناهضة هذه المفاهيم ويقف في طريق إيصالها إلى فلذات أكبادنا يستحق أن يُضرب بيدٍ من حديد، وحسناً فعلت وزارة التربية بإلغائها ترخيص المدرسة المعنية، فالرِدة عن خيار الشعب والعمل على هدم ما تم  تشييدهُ بدماء الشهداء وأنات الجرحى والنضالات المتواترة لهذا الشعب الذي يستحق الانعتاق، هو بكل بساطة جريمة لا تخرج عن مُسمى (الخيانة العُظمى) والتي لا تقل عقوبتها عن الإعدام في كل الدساتير التي سادت العالم بشتى أشكال أنظمته السياسية.
أما الحق الخاص الذي يتبع للسيد رئيس الوزراء والسيد مدير المناهج السابق فيما صدر من المعلم المذكور ومعه إدارة المدرسة من قذف وتعريض وإتهام زائف، وجب على أصحابه تحريك إجراءاته القانونية، ليس من باب الانتقام أو استيفاء مصالحهم الشخصية، ولكن من أجل إرساء إشارات وسوابق تفيد أن مُجمل الإشاعات والإهانات والشتائم يمكن أن يتغاضى عنها رجل الدولة باعتباره شخصية عامة تتعرَّض لكافة أشكال الانتقادات، أما أن تكون صادرة من مؤسسة تعليمية ومن معلم فذاك أمرٌ آخر يستحق التوقُّف والتأمُّل، لأنها بذلك تتجاوز مسارها (الشخصي) إلى فضاءات (منهجية) يترَّبى عليها جيلٌ بأكملهِ، على لجنة إزالة التمكين الالتفات إلى (ثرواتنا) الحقيقية المُتمثِّلة في أجيال المستقبل والتي على ما يبدو ما زالت تُنهب وتُهدم في وضح النهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى