جندر

مقابلة مع الروائية جنى فواز مرشحة جائزة البوكر

بقلم – عبير يونس

أنا، هي والأخريات (أهلتها إلى قائمة البوكر القصيرة)..

جنى فواز الحسن : الرواية تحكي ما وراء الواقع..

في شهادتها على الواقع والتحولات الاجتماعية، طرحت الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن، إشكاليات عدة، مثل الحرية والهوية الفردية، وبينت كيف يمكن لكل هذه الإشكاليات، أن تكون منطلقاً لصراعات لا تنتهي مع الآخرين ومع الحياة.

هذه الأفكار وغيرها ألقت بظلالها على رواية «أنا هي والأخريات» التي أهلت جنى، أخيراً، للترشح إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر». وهي بذلك، تكون المرأة الوحيدة، التي ترشحت إلى الجائزة دورة العام الجاري، وفي السابقة أيضاً.

عن أجواء هذه الرواية، والإشكاليات التي طرحتها، تتحدث الروائية الشابة لـ«بيان الكتب».

هل كنت تتوقعين الترشح إلى القائمة القصيرة.. وما الذي سيشكله لك هذا الإنجاز؟

عندما كنت في طور الكتابة، لم أكن أتوقع شيئاً من الآخر، كانت توقعاتي من ذاتي، ولم أفكر في كيفية تلقي الرواية من قبل القراء حتى مرحلة لاحقة. التفكير بردود الفعل يحدث لحظة تصبح الرواية كتاباً منشوراً في متناول الغير. شعرت حينها ككاتبة بأن الرواية لم تعد من ممتلكاتي الخاصة، بل حكاية أتشارك بها مع الآخر وأستمع إلى رأيه عنها.

وعندما رشح الناشر روايتي بين الروايات التي تقدم بها إلى الجائزة العالمية للرواية العربية، لم أكن أتوقع شيئاً. وفرضت حالة عدم التوقع على نفسي عمداً، لأنّي لم أكن أريد أن أنتظر شيئاً ما. على قدر ما أعد نفسي محاربة شرسة في الحياة، أنا أؤمن أنه على المرء أن يفعل ما يجب أن يفعل ليحقق الرضى عن الذات.

وكل ما يأتي بعدها، سيأتي من تلقاء نفسه. وأن أكون بين كتّاب القائمة القصيرة، فهذا يشكل طبعاً محفزاً نحو المزيد من الإخلاص إلى الأدب، ويعزز إحساسي بالمسؤولية تجاه الكتابة. ويشعرني بأن هناك من يهتم فعلاً بما نقدم نحن الكتاب، ويعترف بأهمية ما نفعل.

ما خصوصية «أنا هي والآخريات»؟

أعتقد أن خصوصية «أنا، هي والأخريات» تكمن في عدم محاولة الرواية، افتعال أو استعمال الألفاظ المتفلسفة والعناوين الكبيرة. هي حكاية بسيطة ولكنها حكاية فيها جزء من كل إنسان.

«أنا، هي والآخريات» عنوان لافت.. كيف تختارين عناوينك عادة، وهل تبدلينها، أم تحرصين على الاختيار الأول؟

كان العنوان الذي اخترته أساساً للكتاب «وإن لم تأت فرح»، في إشارة إلى حديث بين الشخصية الرئيسية في الرواية «سحر»، وصديقتها «هالة». وفرح هنا هي المولودة التي كانت هالة تخاف أن تحمل بها في أحشائها وتنجبها. وهي إشارة إلى الصورة المختلفة عن النساء، الصورة التي تبعد عنهنّ البؤس الذي التصقن به على مدى عقود.

وتعبّر عن الخوف والأمل والهاجس. ترددت بعدها عن المضي قدماً بهذا العنوان وفكرت بعناوين أخرى، حتى إني أنهكت بعض الأصدقاء في الاقتراحات. رسا الاختيار الأخير على «أنا، هي والأخريات». وكان العنوان مقترحاً من صديق وأستاذ عزيز علي. فوجدته متميّزاً، ومضيت به.

هل تعد روايتك شاهداً على الواقع والتحولات الاجتماعية الراهنة، وما الذي استطاعت أن تقوله الرواية ولم يقله الواقع؟

تزامنت روايتي مع الثورات العربية، ذلك رغم أنها لا تطرح موضوع الثورة بشكل مباشر. لكن طرحي لإشكالية الحرية والهوية الفردية، هو ما دعا إلى اعتبارها شاهداً على الواقع والتحولات الاجتماعية من قبل البعض.

الرواية أيضاً منطلقة من حيوات أشخاص عاديين يخوضون صراعاتهم في الحياة، سواء كانت هذه الصراعات مع أنفسهم أو مجتمعاتهم. الرواية قالت ما وراء هذا الواقع. وحكت عن خياناتنا للصور التي نرسمها لأنفسنا. وهذا ما كان يلزم قوله لكي تكتمل الصورة.

هناك من وصف روايتك بأنها مليئة بالخيبة والسوداوية. ما ردك؟

روايتي صورت واقعاً ما، كما هو. وإن كان هذا الواقع مخيباً وسوداوياً، فالحل ليس بتوصيفه فحسب، إنما بالبحث عما أوصلنا إلى هذه الحال، والرواية تحاول فعل ذلك من دون أن تكحّل الحقائق، لأن دفن المشكلات لا يلغيها، إنما إخراجها إلى العلن بسوداويتها هو ما يحتمل أن يساعد على التخلص منها. المسألة أشبه بورم، وجوده تحت الجلد لا يلغي الحاجة إلى علاجه.

ولكن البعض يخاف أن يعترف بوجود الورم وإخراجه إلى العلن، متناسياً أن هذا الورم سرعان ما سيتفشى ليقضي على البنية الجسدية برمتها. هل أكتب عن السماء الزرقاء والعصافير المزقزقة وأقول إن كل شيء على ما يرام؟ لا. لسنا بخير، نحن أمّة غارقة في المشكلات، من رأسها حتى أخمص قدميها. وإن لم نعترف بذلك، لن نصبح يوماً على ما يرام.

نهايات مفتوحة

هل تؤمنين بتصنيف الأدب، ما بين أدب نسائي وآخر يخص الرجال؟

سبق وكررت مراراً، أني لا أؤمن بتصنيف الأدب وفق هذا المعيار، ولا حتى وفق أي معيار آخر. لأن الأدب اتساع غير محدود، لا يمكن توصيفه على هذا النحو. من ناحية أخرى، أؤمن أن الكاتب يتأثر بالبيئة التي يأتي منها، سواء كان رجلاً أو امرأة. وأؤمن أن مسار حياة الكتّاب، ربما ينعكس في نصوصهم.

ماذا عن طقوس كتابتك الروائية؟

أعيش مع شخوص روايتي لفترة طويلة في مخيلتي وتفكيري، قبل أن أكتبهم. للأسف، التفرّغ للرواية يكاد يكون حلماً شبه مستحيل للكتاب في عالمنا العربي، كون مشاغل الحياة تضغطهم في اتجاهات أخرى، ولكن ربما يكون هذا التفاعل اليومي مع الحياة هو ما ينتج، ربما، أدباً مميزاً وأقرب إلى الناس.

كما قلت، أعيش مع شخوص روايتي مدة طويلة، وأرسمهم في ذهني، وتدور بيني وبينهم أحاديث طويلة، قبل أن أضعهم على ورق. وهذا هو الامتحان الأصعب. لا أستطيع أن أكتب بسرعة كأني على عجلة من أمري، هذا مجحف بحق من نكتب، وإن كانوا شخصيات خيالية. أكتب وأعيد القراءة. وربما أبدأ من جديد إن لم يقنعني نصي. المهم ليس كتابة رواية، بل كتابة رواية يمكنك النظر إليها بعد سنوات والشعور بالفخر.

كيف تختارين نهاية روايتك؟

بالنسبة للنهاية، أميل إلى النهايات المفتوحة. وأظن أن سياق الكتابة يقود الكاتب أحياناً، إلى أماكن لم يكن يتوقعها في لحظات التفكير.

لمن تقرئين. وما أهمية القراءة في تجربتك الروائية؟

الأمر الذي أعتبره غريباً بالنسبة لي، هو أني كنت شغوفة جداً بروايات أغاثا كريستي البوليسية في الصغر. أذكر أيضاً أني تأثرت جداً برواية فيكتور هيغو «البؤساء». ورواية تولستوي «آنا كارينينا» في سنوات الدراسة. كنت أبكي وأنا أقرأ «الأجنحة المتكسرة» لجبران خليل جبران في المراهقة أيضاً. أقرأ الروايات العربية والعالمية والأعمال الكلاسيكية.

أقرأ الشعر أيضاً وأحاول أن أعزز قراءاتي في مجال التوثيق والتاريخ.. إن قراءة بعض الروايات غيرت من مفاهيمي للحياة، وتركت في نفسي أثراً بالغاً، ومن هنا آمنت بأهمية الرواية، وبقدرتها على اختراع المعجزات.

على ضفاف الشعر

تكتبين الشعر.. فمتى تكتبين الرواية وتبتعدين عنه. وهل تعتقدين أنك ستستمرين بالاثنين؟

لم أكن أطمح يوماً إلى أن أصنف كشاعرة. أكتب خربشات شعرية، ولم أحاول أن أنشر الشعر، حفاظاً على هوية أدبية حددت ملامحها منذ البداية كروائية. الشعر، على أهميته بالنسبة لي، حالة شخصية انفعالية لا أريد أن أرتقي بها إلى مستوى احترافي. هذا أقله، قراري في الوقت الحالي. وعلى العكس، فإن الرواية تحدٍّ دائم بالنسبة لي، وهناك أصب جهدي، في هذا النوع من الكتابة.

ما أهمية جوائز مثل الجائزة العالمية للرواية العربية في الترويج للكتاب. وفي تنشيط القراءة عند القارئ العربي؟

الكاتب الذي يفوز أو يترشح إلى جائزة معينة يثير فضول القراء، الأمر الذي يدفعهم إلى قراءة نتاجه الأدبي. الجوائز أيضاً تعطي فرصة لتسليط الضوء على الكاتب. وتمنحه منبراً أوسع للتعبير عن نفسه. كما تزوّده بمجال أكبر للتواصل مع القرّاء والتقرّب منهم. هذا التفاعل هو ما يحتمل أن ينشّط حركة القراءة لكتاب معين.

هل لديك إصدارات أخرى ستنشر قريباً؟

أعمل حالياً على رواية جديدة. لكن أفضّل التحفّظ على ذكر اسمها..

. حكايات حزن ونساء تعيسات

تسيطر المرأة وهمومها على رواية «أنا، هي والأخريات»، عبر محيط من النساء التعيسات، اللواتي يرتكزن على قصص حزينة، و«سحر» بطلة الرواية، نشأت وسط بيئة، يقبع فيها الأب في واد والأم في واد ثـان. وخلال الأحداث، تظهر الكاتبة أن «سحر» كثيراً ما تحاول لملمة ذاتها، ولا تستطيع.

فهي تستند إلى حياة تبدأ من الطفولة، وتمتد إلى أحلام مراهقتها، وإلى قوتها الأنثوية وضعفها، ورغبـاتها ونظـراتها للآخر، سواء أكان أباً أو حبيباً، كل هذه التفاصيل أوضحتها جنى الحسن، عبر الرواية التي تجمع كل تلك الحـالات، لتنتهي إلى الهروب بعد انتكاسة نفسية.

ومما جاء على لسان «سحر»: «عجزت عن إقناع نفسي، أننا عائلة سعـيدة فعلاً، وأدركت في قـرارة نفسي أن الفـرح لم يلمس عتبة درانا يوماً. وعندما بدأت دراسة الهندسة، كنت أمضي ساعات طويلة وأنا أرسـم ديكوراً مخـتلفاً لمنزلنا». لتكمل في أجزءاً أخرى من تداعياتها الذاتية:

«بقينا على ذاك الحد الفاصل بين العدم والحياة. وكنت مدركة أن شيئاً ما يجب أن يسـعفني من تلك المرارة ويجعلني أشعر بأني أنتمي إلى ذاتي، أو حتى إلى الآخر. كنت بحاجة إلى أن أعرف أني لست وهمـاً، وأني موجـودة في مكان ما غـير الأفكار. وكان ذاك ما دفعني للتعلق بسامي في بداية علاقتي به، فاهتمامه المفرط بجميع تفاصيل وجودي كان لا يضاهى».

وسامي كان واحداً من ثلاثة نماذج: (الأب، والـزوج، والعشـيق). فالأول يجـدف عكس التيار، ويصر على الحياة بحلم قديم، وبعباءة شيوعية لم يعد لها وجود. والنموذج الثاني البارز هو الزوج سامي، رجل سحر الأول، ومنقذها من مـنزلها البارد، لكن إلى حيـاة تستـحيل إلى فصل جديد من المأساة، إذ تتكشف شخصيته بعد حين، فيعمد إلى امتلاك زوجته بالضرب والقهر.

وتعمد إهانة سيرة أبيها، ولم تتغير حاله حتى بعد أن رزق بطفلين، أما العشيق «ربيع»، فلجأت إليه سحر، بعد يوميـات القـهر التي غلفت حـياتها، من وجهة نظـرها، إذ كان ربيع بمثـابة محاولة منها لتحقـيق ذاتها، والوصـول إلى شيء ما تختاره هي برغـبتها.

ووسط هذه الحياة تأتي حياة الأخريات شبيهة بحياة «سحر» مثل الأم، الجارة أم البنات، العمة، والصديقة، وهو ما يجعل الحياة مليئة بالنساء الضعيفات، ويزيدهن المجتمع المحيط بهن، ضعفاً ومأساة

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى